“ليس كل ما تراه أمام عينك حقيقًا وإن بدأ كذلك”، ولا يمكنك أن تجد في العلاقات الدولية حالات ثنائية تمكنك من إطلاق هذه العبارة أو تتطابق حتى عليها، بقدر ما ستجد في العلاقات الإيرانية الإماراتية، إلا أن السؤال الأعقد يتمثل في احتمالية أن تظل هذه العلاقة كما تبدو ظهريًا أم يظهر ما في باطنها؟

فعلى الرغم من احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث “طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى” لتبدو السياسة الخارجية الإمارات عدائية مع الجمهورية الإسلامية، بسبب الصراع الخليجي “السعودي الإيراني”، أو لتشابك العلاقات مع الولايات المتحدة من جهة أخرى، إلا أن حجم التعاون التجاري والتبادل الاقتصادي المتبادل بين البلدين لا يتناسب مع تلك العداءات المعلنة بين البلدين المتجاورتين في الخليج العربي.

إلا أن سؤال أخر يطرح بعد إعلان الإمارات تطبيع علاقتها مع إسرائيل العدو الرئيس والتقليدي لإيران؟

29  %من الواردات الإيرانية عام 2018 والتي تمثل قيمتها نحو 71.5 مليار دولار جاءا عبر دبي الإماراتية

 تعاون اقتصادي

تبلغ حجم الاستثمارات الإيرانية في الإمارات 300 مليار دولار تقريبًا وهي الأعلى في الإمارات بعد استثمارات الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن بين 70% و80% من التحويلات البنكية المالية تتم عبر البنوك الإماراتية حسبما اشارت تقارير إعلامية نشرتها وكالة فارس الإيرانية.

أما وثائق صندوق النقد الدولي فأظهرت فإن 29% من الواردات الإيرانية عام 2018 والتي تمثل قيمتها نحو 71.5 مليار دولار جاءا عبر دبي الإماراتية سنويًا، إلا أن التصدير بين البلدين بلغ 1.7 مليار دولار شهريا في انكماش واضح بعدما كان 2.4 مليار دولار شهريًا عام 2017

العمالة الإيرانية التي تصنف من بين الأكبر في الإمارات فقد تراجعت إلى حد جعل الباكستانيون والهنود يتصدرون المراتب الأولى للعمالة هناك، وأغلقت نحو 10% من المتاجر هناك التي عمل بيها أبناء فارس، وتتنوع مجالات التعاون بين البلدين بين إنشاء الموانئ والمطارات والتبادل السلعي والعمالة وغيرها.

أما الإيرانيون المقيمين في الإمارات فقد تراجع عددهم بنسبة كبيرة فمن 117 ألف إيراني عام 2019 انخفض عددهم ليصبح 73 ألف عام 2020.

ولكن جاء عام 2020 ورغم العقوبات الأمريكية مغايرًا تمامًا فالإحصائيات الرسمية تظهر ارتفاع الصادرات الإماراتية إلى طهران بنسبة 16.8% رغم العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي.

تقارب سري

صحفية “فرهيختكان” الناطقة باسم الحرس الثوري الإيراني قالت في تحقيقًا لها إن عدد الشركات الإيرانية العاملة بصورة رسمية في الأسواق الإماراتية تبلغ حوالي 8000 شركة، يديرها نحو 8150 تاجر.

لم يقف الامر عند هذا الحد ففي عام 2019 ادعى موقع “الشرق الأوسط الإنجليزي” أن مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد، زار سرًا إيران لمدة يومين، قبل أن تنفي طهران ذلك ودون توضيح إماراتي إلا أن عقب تلك الزيارة أفرجت أبو ظبي عما يقرب من 700 مليون دولار محسوبة على الأرصدة الإيرانية وجمدتها الأمارات، قبل أن تصف وكالة “إسنا” الإيرانية الموقف بأنه محاولة إماراتية لتصفير الخلافات مع طهران.

تجاوزت التجارة بين أبو ظبي وطهران عام 2017 حاجز 22 مليار دولار

انتعاش وركود

وكشفت عن معلومات تفيد أن صادرات النفط الإيراني ارتفعت إلى أعلى من معدلاتها بحوالي نصف مليون برميل وصدرت أكثر من 50% منها إلى الإمارات.

النهضة الاقتصادية بين البلدين يمكن النظر إليها من منظور متعرج لا يجعلك تتنبأ بمستقبلها إذ تجاوزت التجارة بين أبو ظبي وطهران عام 2017 حاجز 22 مليار دولار بعدما كانت عام 2015 وقبل فرض العقوبات الأمريكية إلى 18 مليار دولار عكس المتوقع.

الوكالات الإيرانية دائمًا ما تردد أن الامارات أكثر دول العالم تصديرًا لإيران، وأن نحو 30% من صادرات أبوظبي تذهب لطهران.

تعاون إماراتي أمريكي

أحد أكبر العوامل المؤثر على العلاقات بين البلدين وهو التعقيد المتعلق بالتعاون الأمريكي الإماراتي وسعيها الحفاظ على علاقتها الاقتصادية مع إيران، إذ تستحوذ الإمارات على أكثر من 51% من الاستثمارات الأمريكية في الشرق الأوسط، في مجالات الاتصالات والشبكات وخدمات الأعمال حسبما ذكرت مجلة الاستثمار الأجنبي المباشر في الإمارات FDE.

التقارب العسكري الأمريكي الإماراتي أحدث حالة من التوتر في علاقتها مع إيران

على الصعيد العسكري تتعاون البلدين في التمارين العسكرية والمناورات المشتركة في إطار استراتيجية موحدة لتوحيد العمليات المشتركة وأساليب التدريب لرفع الكفاءة المقاتلين في بلدين إذ يعتبرا قوة رادعة في مواجهة التحديات العسكرية المحتملة حسبما أعلن صحفية الإمارات اليوم فإن اخر هذه التمارين كان “ناتيف فيوري 20” الذي شهد مناورات بين كافة أفرع القوات المسلحة في البلدين ما اعتبر رسالة لمصادر التهديد الإقليمي والدولي للدولتين.

التقارب العسكري الأمريكي الإماراتي أحدث أيضًا حالة من التوتر في علاقتها مع إيران، فالإمارات تعمل ما كافة الأطراف بما يخدم مصلحتها العليا، فتجدها متعاونة اقتصاديا مع طهران وتتحالف مع عدوها الشيطان الأعظم حسبما يصفها المرشد الأعلى أمريكي في المجالين العسكري والاقتصادي.

إيران والسعودية

موقع “إمارات ليكس” المعنى بتسريب الوثائق قال إن السعي الإمارات الدائم لتعزيز التعاون الاقتصادي مع طهران يأتي من منطلق تخوفها من السيطرة السعودية على مقاليد الأمور في الخليج ولكن دون التخلي عن الجار السعودي الذي سعى للعب دور البطولة في الحرب على الحوثيين وتسيد المشهد، لتكون أبو ظبي أمام خيار أوحد يتمثل في خلق توزان بين أكبر قوتين مطلتين على الخليج العربي ولكن دون أن تكون حلقة الوصل بينهما لتعزيز علاقتهما أو أن تكون سببًا في اندلاع حربًا بين البلدين.

اتفاق الإمارات وإسرائيل فتح أبواب المنطقة أمام الكيان الصهيوني

رد إيراني

تبادرت للأذهان عدة استفسارات تتعلق بمستقبل العلاقات بين البلدين عقب توقيع الامارات الاتفاقية السلام، إلا أن الرد الفارسي جاء رئيسًا بعدما وصف الرئيس الإيراني حسن روحاني أبو ظبي، من تبعات ذلك التعاون وصفًا إياه بـ “فتح أبواب المنطقة أمام الكيان الصهيوني”، مشددًا على رفض بلاده لهذا الاتفاق وأنه يعد خطرًا على الأمن القومي الإيراني وأنه عقد لدعم “ترامب” في الانتخابات الأمريكية.

وأشار “روحاني” إلى أن إيران هي من حمت الخليج من طموحات الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي خطط لاحتلال الإمارات والسعودية والكويت والسعودية، لولا رفض طهران التي مثلت العثرة الكبرى أمام مطامع صدام.

تغير المعاملة

وزير الدفاع الإيراني العميد أمير حاتمي، شدد على دعم بلاده لكافة الحركات الرامية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، مرسلًا تحذيرات شديدة اللهجة لدول الخليج من أن تجعل إسرائيل تضع قدمها بالمنطقة، لافتًا إلى أن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي يمثل خيانة للقضية والشعب الفلسطيني وأنه سيزعزع أمن وسلامة الخليج.

أما رئيس أركان الجيش الإيراني محمد باقري فقال إن الاتفاق كارثة كبرى، وأن من غير المقبول أن تعقد دولة يفترض أنها إسلامية كالإمارات اتفاق سلامًا وتعزز علاقتها الاقتصادية والسياسية مع دولة أخرى معتدية على شعب وأرض فلسطينية وعلى أولى القبلتين وثالث الحرمين، مشددًا على أن القوات المسلحة الإيرانية وحكومته بلاده ستغير من سياستها مع الإمارات بعد هذا الاتفاق حسبما نقلت وكالة فارس الإيرانية.

أبوظبى تهديدات “روحاني” تمس بسيادة دولة الإمارات

أبوظبي لم تقبل تلك النبرة التي وصفت بالتهديد إذ استدعى مساعد وزير الخارجية الإماراتي السفير خليفة شاهين، القائم بأعمال السفارة الإيرانية وسلمة مذكرة احتجاجية شديدة اللهجة، جاء فيها إن تهديدات “روحاني” تمس بسيادة دولة الإمارات وهو ما تكرر عبر وزير الدفاع ورئيس الأركان، وأن تلك الخطابات تحريضية وغير مقبولة وتؤثر على أمن الخليج، وأن الاتفاق بنيها وبين إسرائيل شأن داخلي لا يسمح لطهران بالتدخل فيه ويتنافى مع الأعراف والقوانين الدولية التي تنظم علاقة الدول.

التوتر السياسي النشأ خلق حالة من الجدل حول مستقبل تعاون البلدين الجارين المربوطين بخليج واحد فالرئة الاقتصادية الإيرانية “الأمارات” باتت صديق رسمي لألد أعداء طهران “إسرائيل”، إلا أن أحد من الخبراء أو المحللين استطاع الجزم بمستقبل العلاقات التي عندما يتوقع أن تنهار يحدث العكس كما جرى عقب العقوبات الأمريكية على طهران، أو أن تشهد ارتفاع وازدهار كما جرى عقب الاتفاق النووي إلا أن الواقع جاء مغاير لما يتوقع ولهذا ينتظر الجميع ما ستسفر عنه الأيام المقبلة.