حالة من الجدل أثيرت بين الأوساط الحقوقية في المغرب خلال الأيام القليلة الماضية، بعد نشر وزارة الطاقة والمعادن والبيئة، قرارين يتعلقان بتحديد “لائحة النفايات غير الخطرة”، التي يمكن الترخيص باستيرادها، وشروط استيرادها وتصديرها وعبورها.

واضطرت حالة الجدل، وزارة الطاقة والمعادن إلى إصدار بيان للتوضيح بأن المغرب يبقى ملتزمًا “بعدم قبوله استيراد أي نفايات سامة ومضرة بالبيئة، وغير خاضعة للمعايير الوطنية التي ينظمها القانون الصادر في 2006 والمتعلق بتدبير النفايات والتخلص منها”.

وأشارت الوزارة إلى أن المغرب “يستورد منذ سنوات طويلة مجموعة من النفايات غير السامة وغير المضرة بالبيئة”، موضحة أنه يتم استخدامها في مجموعة من الصناعات التحويلية، وكمثال على ذلك فقد استورد المغرب في الفترة الممتدة ما بين 2016 و2019 ما يقترب من مليون و600 ألف طن من هذه النفايات، التي تشكل “مواد أولية للطاقة والصناعة مثل النسيج والبلاستيك والورق والمعادن”.

لكن ورغم التوضيح، لازال الجدل دائرًا بين الأوساط الحقوقية، حيث أدان حقوقيون ونشطاء بيئيون القرار، مُعربين عن رفضهم تحويل المغرب إلى “مكب لنفايات الدول المتقدمة”.

مكب نفايات لدول أخرى

تكمن المشكلة، في رأي رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة، محمد بنعبو، “في اختيار هذا التوقيت لإصدار مثل هذا القرار الحساس، لا سيما أنّ المغاربة ووسائل الإعلام المحلية منشغلين بإحصاء المصابين والوفيات جرّاء فيروس كورونا، خصوصاً أن القرار نُشر سريعاً في الجريدة الرسمية لكي يتم تطبيقه”.

استيراد النفايات في المغرب

ويُضيف “بنعبو” في تصريحات صحفية: “كنشطاء بيئيين بالمغرب نرفض استيراد النفايات، علينا أن نهتم أولاً بنفاياتنا، لأننا ما زلنا في المغرب نُواجه مشاكل توفير مكبات للنفايات، ولدينا نفايات تشكل مصدراً للتلوث في بعض المدن”.

كما يشير إلى أن “المستفيد الوحيد من هذا القرار، معامل الإسمنت التي تستخدم هذه النفايات، أما المواطنون فهم ضحايا التلوث”.

ودعا رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة إلى “التفكير في مستقبل المغاربة وألا نترك بلدنًا مفتوحاً ليتحول إلى مكب لنفايات دول أخرى، لأن حرق هذه النفايات بطريقة عشوائية يُضر بصحة المواطنين”.

تقصي الحقائق

وكشف تقرير لجنة تقصي الحقائق في البرلمان عام 2018، أن معامل الإسمنت غير مؤهلة لحرق هذه النفايات”، كما كشف عن “ضعف البنيات والتجهيزات الأساسية المتخصصة في معالجة النفايات الخطرة مقارنة بحجم ما ينتج منها في المناطق الحرة في المغرب”.

ولفت التقرير إلى “محدودية قدرة الوزارة الوصية على القطاع البيئي على المراقبة التقنية للنفايات، التي تنتجها الوحدات الصناعية في عمليات الحرق”.

وتخضع لائحة أنواع النفايات التي أصبح مرخصا باستيرادها بموجب القرار الوزاري المنشور في الجريدة الرسمية لتقييم من طرف خبراء ينتمون إلى منظمات حقوقية؛ فيما يُحضّر الائتلاف المغربي لحقوق الإنسان لمبادرة، لم يُفصَح عن طبيعتها، للردّ على إذن الحكومة باستيراد مئات أنواع النفايات من الخارج.

تبرير غير مقنع

واعتبر عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان في تصريحات صحفية، أن تعليل استيراد النفايات من الخارج بحاجة الصناعة الوطنية إليها “تبرير غير مقنع وغير معقول، لأنّ اللائحة التي تفصّل في أنواع النفايات التي سيرخص باستيرادها تضم موادًّا خطرة وسامة يمكن أن تشكل خطرًا على صحة وسلامة المواطنين وعلى البيئة أيضًا”.

وفي رسالة موجهة لرئيس الحكومة، وزير الطاقة والمعادن والبيئة، وزير الداخلية، وزير الصحة، وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، وزير الصناعة والتجارة ورئيس النيابة العامة، أعرب “الائتلاف المغربي لحقوق الإنسان” والمكون من (20 هيئة)، عن قلقه وإدانته الشديدين إزاء قرار السماح باستيراد النفايات، وخطورتها على الصحة العامة للمواطنين والمواطنات، وعلى البيئة بشكل عام، وذلك بعد اطلاعه على ما نشر بالجريدة الرسمية (نسختها العربية).

وتطرق البيان إلى أن القرار يسمح بـ”استيراد أكثر من 300 نوع من النفايات والأوحال والأزبال، ومواد ناتجة عن تنظيف مجاري المياه وأوحال الحفر المتعفنة ونفايات قابلة للتحلل، ونفايات غير قابلة للتحلل، وزيوت ومواد دهنية عدائية، ونفايات سائلة مائية ناجمة عن إزالة تلوت، غبار ناجم عن تصفية المداخن، أوحال وقوالين التصفية المتأتية من تطهير الدخان، أوحال مائية تحتوى على مداد، نفايات البلاستيك، أوحال معدنية، أوحال متأتية من الغسل والتنظيف.. وذلك اعتمادا على المادة 8 من مقتضيات مرسوم 2018 الذي يسمح باستيراد النفايات الخطيرة وغير الخطيرة، وعبور النفايات الخطيرة وتصدير النفايات”، على حد مضمون الرسالة.

ظرف وبائي خطير

وفي هذا السياق، أكد الائتلاف أن نشر القرار “في غفلة وهدوء قد يعتبر غير بريء، في هذا الظرف الوبائي الخطير، والجمهور منشغل في مواجهة مخاطر الكوفيد، وهو الأمر الذي يطرح عددا وافرا من التساؤلات الأساسية على المسؤولين، ويثير الكثير من التخوفات لدى الرأي العام والمعنيين بالصحة والسلامة والبيئة والتجارة النظيفة”.

وأبرز الائتلاف الحقوقي، أن رسالته للمسؤولين تأتي أساسًا من منطلق:” قناعته بضرورة الترافع والتنبيه والدفاع عن الحق في الحياة والصحة العامة والبيئة، والتصدي لكل ما يشكل مخاطر حالية أو متوقعة على السلامة والصحة والحياة العذبة والمناخ السليم “.

لم يفت الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، التشديد على أن “الحق في الصحة والحق في البيئة من الحقوق السيادية الأساسية لكل إنسان، لا تملك السلطات العمومية بأي حال أن تأتي بأي تصرف أو تقوم بأي إجراء قد يهدد سلامته أو أن تمنع المواطن /ة منها بشكل قد يثير تخوفًا أو قلقًا لديه قد يحول دون حقه من الاستفادة منها، وغن حصل ذلك فإن الدولة تتحمل المسؤولية المدنية وتتحمل جبر كل الأضرار الناتجة عن أوامرها وقراراتها ذات الصلة”، على حد مضمون الرسالة المذكورة.

استيراد النفايات في المغرب

وفي ذات الإطار، دعا الائتلاف السلطات إلى التفكير في الموضوع قبل “فتح باب التجارة في النفايات واستيرادها من الخارج وعبورها من المياه الإقليمية أو عبر الممرات البرية”، وعليها بالتالي “إعطاء الأولوية لمعالجة النفايات المحلية غير الخطيرة على المستوى الوطني من خلال تدويرها بدون أن تكون للعملية أية آثار على صحة الإنسان وعلى البيئة، وهو ما قد يساعد على تجنب الاستيراد والتحكم في عملية الإنتاج المرتبطة بالنفايات بالمغرب”، كما شدد الائتلاف على مطالبة السلطات بـ”تنفيذ التزاماتها السياسية والأخلاقية التي قررتها المؤتمرات والمعاهدات الاقليمية والدولية ذات الصلة ومنها تلك المتعلقة بالتعامل مع موضوع النفايات الخطيرة وغير الخطيرة”، وفق الرسالة.

ليست المرة الأولى

الجدير بالذكر أنها ليست المرة الأولى الذي يُثار الجدل حول قضية استيراد النفايات في المغرب، ففي عام 2016 فجرت القضية جدلًا في الرأي العام والأوساط الحقوقية عقب وصول سفينة إيطالية محملة بـ2500 طن من النفايات إلى ميناء الجرف الأصفر في الجديدة، وهي مدينة مغربية ساحلية تطل على المحيط الأطلسي.

وكان المركز قد استنكر هذا الأمر في بيان، معتبرًا أن نقل شحنة من النفايات السامة والخطيرة، قدرت بـ2500 طن من المواد البلاستيكية وبقايا العجلات، ستسبب في إلحاق الضرر بالإنسان والحيوان والنبات، ويمكن أن تسبب في ظهور العديد من الأمراض الخطيرة والمزمنة، وإصابة المتضررين بتشوهات خلقية وعاهات مستديمة.