ضاعف الصراع الدائر في اليمن من معاناة المرأة الليبية، ورغم المكاسب البسيطة التي استطاعت المرأة الليبية حصدها عقب اندلاع الثورة في اليمن عام 2011، إلا أن هذه عادت لتنحصر من جديد.
وكانت المرأة الليبية حاضرة بقوة في الاحتجاجات التي انطلقت مناهضة لحكم معمر القذافي في فبراير 2011، وبرغم من وجود ترسانة من القوانين الضامنة لحقوقها إلا أنها كانت قوانين صورية في غالبها.
واستطاعت بالفعل المرأة الليبية أن تحصل على بعض المكاسب بعد أحداث فبراير2011، فقد أصبحت متواجدة في المجالس التشريعية والهيئات السياسية، بما يقارب 16 في المئة. كما تم تأسيس العديد من مجموعات الدفاع عن حقوق المرأة والمبادرات النسائية.
ورغم ذلك تشير الإحصائيات والتقارير الحقوقية إلى المرأة الليبية لا تزال لا تتمتع بالكثير من حقوقها، وأن الصراعات الدائرة على السلطة وأعمال العنف المستمرة وعدم استقرار الوضع السياسي والاجتماعي على حد السواء يهدد بقوة مكاسب المرأة الليبية.
وبحسب إعلان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، فإن خطة الاستجابة الإنسانية لليبيا لعام 2020 تشير إلى أن ما يناهز212 ألف امرأة بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، وأن ما يقدر بـ 179 ألف امرأة يعانين من صعوبات في الحصول على خدمات الرعاية الصحية، بالإضافة إلى 162 ألف امرأة يواجهن قضايا تتعلق بالحماية، بما في ذلك العنف القائم على النوع الاجتماعي.
اختطاف واغتيال
شهد عام 2014 أول محطات الاغتيالات السياسية للمرأة الليبية، ففي 26 يونيو عام 2014، في حق امرأة ليبية، هي المحامية والناشطة الحقوقية الليبرالية سلوى بوقعيقيص، التي اغتيلت برصاصة في الرأس في منزلها ببنغازي.
وفي 29 مايو من العام نفسه، قتلت الصحفية والناشطة الحقوقية نصيب ميلود كرفانة بعدما خطفت مع خطيبها، في مدينة سبها على يد عناصر داعش ليبيا ذبحا مع خطيبها محمد أبو عزوم.
كما تم اغتيال فريحة البركاوي في السابع من يوليو من عام 2014 بوابل من الرصاص في إحدى محطات التزود بالوقود في مدينة درنة.
وفي 21 من نوفمبر عام 2014، اغتيلت الناشطة الليبية الشابة سارة الديب، في منطقة “حي الأندلس” بالعاصمة طرابلس. وفي 17 فبراير 2015، أطلق قناص الرصاص على زينب عبد الكريم، زوجة مدير مديرية أمن بنغازي سابقا العقيد فرج الدرسي، الذي اغتيل أيضا عندما كانت في سيارتها مع أبنائها، مما أدى إلى إصابتها في الرأس إصابة حرجة نقلت على إثرها للمستشفى ليعلن عن وفاتها يوم 21 من الشهر نفسه متأثرة بإصابتها.
وفي نوفمبر 2017، كشف المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، عن مقتل 31 امرأة ليبية وإصابة 41 أخرى منذ مطلع العام 2017 جرّاء أعمال العنف في البلاد. ودعا إلى “حماية جميع النساء والفتيات في ليبيا من العنف”، مشيرًا إلى أنه “يتعين للقضاء عليه بذل مزيد من الجهود للوصول إلى النساء في جميع أنحاء البلاد بمن فيهن اللواتي ينتمين إلى أشد الفئات حرمانًا وتهميشًا كالنازحين داخليًا والأقليات والشعوب الأصلية والسكان المتضررين من النزاع واللاجئين والمهاجرين، بحسب “بوابة أفريقيا”.
كما أشارت تقارير حقوقية إلى اختطاف 48 امرأة ليبية في الفترة بين يناير 2017 إلى سبتمبر 2018، بالإضافة إلى زيادة أعداد المعتقلات بدون إجراءات قانونية وبلا محاكمة لفترات طويلة. وأشار تقرير المفوض السامي للأمم المتحدة إلى أن 200 امرأة و120 طفلًا محتجزون في أماكن شديدة الزحام، تفتقر للتهوية والضوء، تحت حراسة ذكور في السجون.
أساليب الاضطهاد
رصد تقرير صادر عن منظمة «ماعت» لحقوق الإنسان تحت عنوان «العنف ضد المرأة في حالات النزاع المسلح في ليبيا» صدر في مايو 2019:” إن المرأة في ليبيا تعاني تحت حكم «الوفاق» من تنامي العنف، باعتبارها الحلقة الأضعف، ولا يصنف العنف الواقع عليها من منطلق الوقائع الفردية، ولكنه عنف ممنهج في ظل حالة الفوضى والاضطراب السياسي، وانتشار الجريمة المنظمة لأغراض عديدة، من بينها المكاسب المالية، وخدمة أهداف الجماعات الإرهابية، التي تسود في ظل ظروف عدم الاستقرار السياسي”.
وصنف التقرير العنف الذي تتعرض له المرأة كنتيجة مباشرة للنزاع إلى عدة أشكال، من بينهما العنف الجنسي بجميع أنواعه، سواء كان في السجون أو المخيمات أو عند النزوح من أماكن المعارك، مؤكدة أن العنف الجنسي هو السلوك الأول الملتصق بالنزاعات المسلحة التي تتعرض له المرأة.
ووثقت اللجنة الوطنية الليبية لحقوق الإنسان، حالات عنف جنسي داخل السجون بنحو 150 حالة اغتصاب واعتداء جنسي على أيدي الميليشيات الإرهابية التي تتبع حكومة الوفاق، وأكدت اللجنة أن عمليات الاغتصاب كانت تتم بشكل مساومة النساء مقابل السماح لهن برؤية الأهل والأطفال أو من أجل الضغط على العائلات في الحصول على أموال.
أثار الحروب
قال مكتب منظمة الصحة العالمية في ليبيا إن أكثر 200 ألف سيدة نازحة في سن الإنجاب بحاجة إلى مساعدة إنسانية. وفيما قدّر مكتب الأمين العام للأمم المتحدة، عدد النازحين بسبب حرب العاصمة طرابلس، بأكثر من 140 ألف شخص، لوحظ أن كثيراً من الذين رحلوا عن ديارهم هرباً من شدة الاشتباكات نساء وأطفال صغار، بعد مقتل عائلهم في الحرب الدائرة الآن، أو اشتباكات مسلحة سابقة كانت الميليشيات ضالعة فيها.
ورصدت المتحدثة باسم «مبادرة إنقاذ ليبيا النسوية» أمينة الحاسية، تأثيرات الحروب والاشتباكات المسلحة التي عانت منها البلاد على النساء، وقالت إن «المرأة الليبية فقدت الزوج والابن والأخ، بالإضافة إلى المهانة خلال عملية النزوح مع أبنائها بسبب الحرب الدائرة الآن على أطراف العاصمة».
ونبهت الحاسية في حديث إلى «الشرق الأوسط» إلى جانب من معاناة نساء بلادها. وقالت إن «المرأة الليبية تعاني بسبب الصراعات والحروب والتهميش منذ اندلاع ثورة 17 فبراير، لافتة إلى أن «الأمهات فقدن الأبناء، والزوجات الصغيرات في السن فقدن أزواجهن، خلال عام 2011، وأصبح لدينا ما يقارب 2000 أرملة، و3 آلاف ثكلى موجوعات، وهذه النسبة من الفقد ترتبت عليها معاناة كبيرة وتحمل مسؤولية الأسرة.
ورأى المحلل السياسي الليبي عبد العظيم البشتي في تصريحات صحفية أن المرأة احتلت موقعاً “في عمق قضية الموت والبتر والجراح والتهجير”. ولفت إلى “الضرر النفسي الذي لحق بالنساء بسبب عملية التهجير قسراً، بالإضافة إلى سكن مئات منهن في المدارس والمصانع المعطلة مع أطفالهن من دون عائل”.