بحركات بطيئة وجسد غير متوازن، أطل لاعب النادي الأهلي، مؤمن زكريا، على جمهوره، بعد غيات دام أشهر، في أحد العروض المسرحية، لتسود حالة من الصدمة والتعاطف على مواقع التواصل الاجتماعي، على نجم شاب حفر اسمه بحروف من نور في الملاعب المصرية، بينما في ليلة وضحاها أصبح أحد ضحايا مرض نادر، هو “ضمور العضلات”.
“بضعة أنفاس وأحلام يحدها الموت”، آلاف من مرضى ضمور العضلات يعانون في صمت، يحاربون الموت كل صباح ويبتهلون من أجل كرسي متحرك، هو أقصى أمانيهم، على أمل أن يحمل بقايا أرواح، أطفال في عمر الزهور يقذف بهم شبح الموت مع أول جرعة مفقودة من دواء تبلغ تكلفة العبوة الواحدة منه الآف الدولارات.
ما هو ضمور العضلات؟
مرض “ضمور العضلات” هو حالة طبية تصيب عضلات الجسم، والتي يتم فيها فقدان النسيج العضلي تدريجيًا، حتى تصبح العضلات أقل حجمًا مع مرور الوقت، بسبب أمور متعددة من بينها سوء التغذية أو الوراثة أو نقص النشاط البدني بسبب حادث أو مرض آخر، بحسب الجمعية الأمريكية.
ويعد ضمور العضلات “دوشن” هو النوع الأكثر شيوعًا من أشكال ضمور العضلات، وهو في الأغلب يصيب الذكور، رغم أن الفتيات يمكن أن يكن ناقلات للمرض ويتأثرن بشكل أقل.
بحسب آخر الإحصائيات الصادرة عن الجمعية المصرية لمرضى ضمور العضلات، فإنه مرض وراثي يهدد ما بين 700 ألف إلى مليون شخص في مصر، ويتفاقم عامًا بعد عام بسبب عدم التدخل المباشر من الجهات المعنية وتوفير الأمصال اللازمة.
أعراض وعلاج
يعد ضعف العضلات المتزايد هو العلامة الرئيسية لمرض الضمور العضلي، وتبدأ أعراض وعلامات معينة في أعمار متنوعة وفي مجموعات مختلفة من العضلات، على أساس نوع ضعف العضلات المتزايد.
وطبقًا لمنظمة الصحة العالمية، فهو مرض نادر الحدوث، ومازال غامضًا رغم اكتشافه منذ عام 1869، إذ يصيب 5 أشخاص من كل 100 ألف في العالم، وتسجل نحو 5 آلاف إصابة بضمور العضلات سنويًا، وعادة ما تتراوح فترة بقاء المريض على قيد الحياة بين 4 و6 سنوات، ويتم علاجه بالمضادات الحيوية طويلة المدى أو المفعول وبعض العلاجات المنزلية، وقد يتم حجز الحالة في المستشفى وفقًا لخطورتها ودرجة تدهورها.
ضمور العضلات له عدة أنواع، منها ضمور العضلات الشوكي، والطرفي، وضمور الأعصاب الذي يصيب آلاف الأطفال والبالغين، إذ ينتهي بأحدهم الحال إلى أن يصبح طفلًا معاقًا ثم يتوفى بعد سنوات، ولا يزيد عمر هؤلاء المرضى عن 25 عامًا، وأغلب الحالات تظهر في زواج الأقارب.
نقص الأدوية
منذ عامين، وافقت هيئة الدواء والغذاء الأمريكية على أحدث الأدوية الجينية لعلاج أمراض الضمور بجميع أنواعها، منها ضمور العضلات الشوكي، إلا أن تكلفة تلك الأدوية باهظة للغاية، حيث تبلغ تكلفة علاج الطفل لمدة عام 750 ألف دولار.
كما أن قسوة المرض وآلامه ليست العائق الوحيد أمام مرضى ضمور العضلات في مصر، لاسيما الأطفال، فتقف تكلفة العلاج وارتفاع سعره في الأسواق، حائلًا أيضًا أمام معاناتهم، فمن نقص للأدوية لعدم تواجده في الأسواق تبقي المعاناة مضاعفة.
“محتاج 50 ألف للعلاج”، استغاثة من ضمن العشرات على أحد صفحات مواقع التواصل الاجتماعي المهتمة بمرضى ضمور العضلات، والتي تدعم معاناتهم، فبجانب ارتفاع تكاليف العلاج، التي تصل إلى 50 ألف جنيه وهي عبارة عن علاجات لبسط العضلات ومسكنات حتى يستطيع المريض الحركة، تصل التحاليل الجنينية الخاصة بالمرض إلى 32 ألف جنيه في المراكز الخاصة، فضلاً عن سعر كشف أطباء المخ والأعصاب الذي يتخطى في بعض المناطق 1000 جنيه.
وتحت عنوان “ادعموا مرضى ضمور العضلات”، دشنت العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي حملات لدعم ضحايا المرض، خاصة الأطفال، حيث توفر بعض الصفحات أدوية للمرضى وكراسي متحركة لتساعدهم في معاناتهم.
وتقول ناجية فهمي، رئيس قسم الأعصاب بكلية طب عين شمس، إن تكلفة أدوية مرض ضمور العضلات بأنواعه المختلفة تصل إلى ملايين، فأدوية “الدوشن” تتراوح بين ثلاثة إلى أربعة ملايين جنيه مصري سنويًا، العلاج الجيني للضمور الشوكي أخذته اليابان بمليون دولار لحقنة واحدة فقط، وأسعار ضمور العضلات الشوكي حوالي أربعة ملايين جنيه مصري سنويًا”.
في حين، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، الأسبوع الماضي، على علاج جيني جديد لمرضى ضمور العضلات الشوكي الذي يعتبر أحد أكثر أسباب وفاة الأطفال، دون سن الثانية شيوعًا، وتم تقييم فاعلية هذا العقار بناءً على قدرة المريض على الجلوس دون مساعدة لمدة خمس ثوانٍ على الأقل، والبقاء على قيد الحياة دون تهوية دائمة، وذلك بعد ١٢ شهرًا من العلاج.
وكشفت الجمعية المصرية لمرضى ضمور العضلات، أنه لا وجود لإحصائيات دقيقة حول الأمراض النادرة في البلاد، ومنها ضمور العضلات، وتحاول الجمعية خلال الأعوام المقبلة إنشاء مستشفى مركزي لعلاج مرضى ضمور العضلات، وإنشاء مراكز علاجية متخصصة بالمحافظات، بدلًا من الاعتماد على جلسات العلاج الطبيعي والأدوية المسكنة، والتواصل مع المسئولين في وزارة الصحة، لعمل بروتوكول علاجي، لخدمة المرضى المصابين في شتى أنحاء مصر.
تحركات حقوقية
على مدار السنوات الخمس الماضية، كانت هناك تحركات حقوقية دؤوبة لإلزام الجهات المعنية برعاية مرضى ضمور العضلات، انطلاقًا من حقهم في الحياة والدواء، الذي يكفله الدستور لهم.
ومن ضمن هذه المناشدات، اتخذت المفوضية المصرية للحقوق والحريات، مسارات عدة في التعامل مع مؤسسات الدولة في حملتها لمساعدة أصحاب المرض، ما بين المناشدة والدعاوى القضائية، مؤكدة أن الحق في العلاج واحدًأ من الحقوق الأصيلة لكل المواطنين المصريين.
وتنص المادة 18 من الدستور على أن “لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل، وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3 % من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجًيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض”.
ولا تعترف المؤسسات الرسمية بمصر بمرضى ضمور العضلات، حيث لا يندرجون تحت فئة “ذوي الإعاقة”، ولا يوجد معاش لهذه الفئة من المرضى، فالحصول على شهادة تأهيل لأحد المرضى تُقابل بمعوقات، وذلك لوصفه مرضًا مزمنًا حالته غير مستقرة وليست إعاقة.
على الصعيد العالمي، لم يتم تشخيص سوي صنفين من الأدوية حصلا على موافقات هيئة الغذاء والدواء الأمريكية، أحدهما تكلفته 300 ألف دولار سنويًا، والعقار الآخر 600 ألف دولار سنويًا، لكنها لم تسجل بعد في مصر.
البرلمان
من جانبها، قدمت هالة أبو السعد، عضو مجلس النواب، في مارس الماضي، بيانًا عاجلًا موجهًا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرة الصحة، بشأن اختفاء حقن ضمور العضلات وتجلط الدم في الصيدليات مما يزيد من معدلات وفاة المصابين به، وضرورة التدخل لتوفير الكميات المطلوبة.
وطالبت بضرورة تدخل وزارة الصحة بالتعاون مع جهات الدولة والشركات الخاصة لتوفير العلاج الخاص بالمرض لحماية الأطفال، إذ أن العلاجات التي يعتمد عليها المرضى حاليًا تساهم فقط في زيادة عمر المريض وليس علاجه.
بينما تقدم الدكتور محمد فؤاد، عضو لجنة البيئة والطاقة بمجلس النواب، العام الماضي، بطلب إحاطة موجه إلى الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والدكتورة غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي، بشأن موقف الدولة من إدراج مرضى ضمور العضلات تحت مظلة التأمين الصحي الجديد.