للوهلة الأولى عندما يخبرك إحداهم أنه يعمل في مجال الصحافة، فقد يقودك فضولك للتعارف أكثر عن تلك المهنة، التي يراها الكثيرون متلألئة في سماء الشهرة والمجد، تتربع على عرش المهن السامية، فكثيرون يعلمون جيدا أهمية تلك المهنة ويقدرونها، لكنهم أيضا لا يعلمون الوجه الأخر لهذه المهنة، بمعني ” أن تكون صحفيا في مصر”.

يعرف القانون المصري الصحفي بأنه مقيد بإحدى جداول نقابة الصحفيين، ولكن نقابة الصحفيين في مصر لا تسمح لدارسي وخريجي الكليات المرتبطة بالعمل الصحفي الانضمام للنقابة مباشرة بعد التخرج، فالقيد في نقابة الصحفيين يعتمد في الأساس على ممارسة المهنة وليس دراسة الصحافة، وفي نفس الوقت لا تعترف النقابة بالصحافة الإلكترونية، فهي لا تقبل الأعضاء من غير العاملين في الصحف ذات الإصدار الورقي.

يقول الصحفي إسلام الكلحي:” في الحقيقة فكرت كثيرا في ترك مهنة الصحافة، كان أخرها عام 2018 حيث قررت أن تكون عام 2019 أخر عام لي في مجال الصحافة بعد مسيرة دامت لعشر سنوات تقريبا”.

وأضاف الصحفي الثلاثيني:” أن قراري كان نابعا مما آلت إليه أوضاع الصحافة في مصر من تضييق وتآكل في مساحة الحريات، ولأني أرى أن الوضع لا يتحسن فأدركت أنه خلاص «مفيش فايدة»”.

وتابع الكلحي:” أصبحت أشعر أن مهنة الصحافة قد خرجت عن سياقها والهدف منها، وهو ” صوت الناس” لذلك اتجهت للصحافة المتخصصة والخدمية وبعدت عن الملف السياسي والحقوقي”. وأنهى حديثه قائلا:” فكرة ترك المهنة لم تكن فكرة يوم أو شهر وانتهت لكنها لازالت قائمة ولكنها تأجلت حتى أستطيع أن التحق بعمل أخر”.

فصل تعسفى

أوضح تقرير نشره مجلس نقابة الصحفيين في مارس 2015 أن أكثر من 350 صحفيًا تمّ فصلهم تعسفيًا من أماكن عملهم في ذلك العام، منهم 200 صحفي فُصلوا من «الأهرام»، و130 من «اليوم السابع»، و22 من «التحرير»، و15 من «عاجل» الأسبوعية، فضلًا عن آخرين فصلتهم صحف ومواقع إلكترونية أخرى.

وعلى صعيد الحجب فقد تم حجب عدد كبير من المواقع، منها موقع بي بي سي عربي وموقع قناة الحرة وموقع مدى مصر، بالإضافة إلى حجب عدة مواقع أخرى؛ ليصل عدد المواقع المحجوبة بمصر حتى الآن 520 موقعا طبقا للمرصد العربي لحرية الإعلام.

” لا مقابل مجزي ولا حماية ولا حقوق”، هكذا بدأت الصحفية الشابة رحمة سامي شكواها من الأزمات والمتاعب التي تتعرض لها في المهنة منذ التحاقها بها في عام 2013، تقول:” كثرا فكرت في ترك المهنة، لكن هناك عائق واحد يقابلني في هذا التفكر، وهو ما العمل الذي من الممكن أن التحق به بعدما أترك مهنتي الأساسية”.

وتضيف الفتاة العشرينية:” مهنة الصحافة محاطة بالكثير من العوار والمشاكل، على سبيل المثال لا الحصر المرتبات المتدنية، عدم وجود حماية مهنية والخطر المحاط دائما حول مهنة الصحافة، بالإضافة إلى أزمة الانضمام إلى نقابة الصحفيين التي بسببها يتم ابتزازنا بمرتبات قليلة وتهميش على أمل التعين”.

وأشارت إلى الأزمة التي لاحقت الصحفيين غير النقابيين في مصر أثناء انتشار جائحة كورونا، عندم قامت النقابة بتوفير الماسكات والمطهرات للصحفيين النقابيين وتناسوا غير النقابيين”.

وتابعت:” أن تكوني صحفية في مصر فذلك يضاعف من الأزمات التي نتعرض لها، فإلى جانب ما ذكرت فالكثير من المؤسسات الصحفية يحدث بداخلها تحرش جنسي وتعنيف للنساء، بسبب غياب سياسيات منصوص عليها داخل المؤسسات الصحفية”.

استغلال الصحفيين

في دراسة بحثية أعدها المرصد المصري للصحافة والإعلام أكدت أن أرباب العمل الصحفي يستغلون فكرة أن الصحفي لا يمكنه الحصول على كارنيه النقابة إلا من خلال المؤسسة التي يعمل بها، وبالتالي يتم استغلال الصحفي وخاصة في بداية مسيرته العملية على اعتبار أن مفتاح الدخول لنقابة في أيدي المؤسسة الصحفية ذاتها، فيقبل الصحفي ظروف عمل غير مناسبة،  وانتهاكات  للكثير من  حقوقه،  وفي  حالة  الصحفيات تتضاعف صور هذا الاستغلال ليشمل الاستغلال  الجنسي،  أو  عدم  توفير مستحقات الأمومة كما ينص عليها القانون في حالة الصحفيات الأمهات.

تروي رباب عزام عما تعرضت له قائلة:” تعرضت لواقعتين أثناء مشواري المهني في عالم الصحافة جعلوني تأزمت نفسيا جدا مما دفعني إلى ترك المهنة في كل مرة لعدة أشهر”.

وتضيف كانت المرة الأولى بعد تخرجي مباشرة وأثناء رحلة بحثي عن مكان صحفي أبدأ منه مشواري المهني، فقد التحقت بمكان صحفي مغمور، عرفت عن احتياجه لصحفيين من موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، لكن تجربتي انتهت بعد 3 لقاءات فقط مع رئيس التحرير.

وتابعت عزام:” تضمن اللقاء الأول المقابلة الشخصية، فيما جاءت الثانية وتضمنت تلميحات جنسية، وفي المرة الثالثة والأخيرة قام بالتحرش بي مما أثار غضبي وانزعاجي وجعلني تركت المكان هاربة، الأمر الذي تسبب في تركي للمهنة لمدة عام كامل، قبل أن أعود من جديد في موقع إلكتروني استطاع أن يفرض اسمه لفترة طويلة وسط المواقع الإلكترونية”.

التحرش داخل مؤسسات العمل الصحفي

وتابعت:” التحقت بهذا الموقع لمدة 8 أشهر، لكني تعرضت خلال تلك الفترة إلى الاستغلال، بمعنى كثيرا من العمل قليلا من العائد المادي، وبعد 8 أشهر تم تحويلي للتحقيق بسبب تدوينه نشرتها على صفحتي الخاصة على الفيس بوك مخالفة للتوجه السياسي لهذا المكان، وتم خصم جزء من مرتبي وتم فصلي عن العمل، وبعدها تركت المهنة لمدة 8 أشهر، وعدت إليها من جديد في منتصف 2015 لكني قررت ألا اتركها ثالثة”.

كشفت دراسة نشرت في سبتمبر 2018، من قبل المؤسسة الدولية للإعلام النسائي (IWMF) و Troll-Busters.com، أن ما يقرب من ثلثي عينة الصحفيات تعرضن للمضايقة، وما يقرب من الثلث يفكرن في ترك المهنة بسبب المضايقة، أمًا من هن في سن مبكر من حياتهن المهنية تفكرن في وظيفة بديلة.

كما أشارت الدراسة التي شملت 597 امرأة، إلى تجنب أكثر من ثلث الصحفيات بعض القصص الصحفية، نتيجة لخبرتهم السابقة في المضايقات التي تعرضن لها، مما يهدد قدرة وسائل الإعلام على تقديم تقارير غير متحيزة وصادقة، بحسب قولها.

خلال الأيام القليلة الماضية تواترت شهادات لعد ليس بقليل من الناجيات من جرائم التحرش والانتهاكات الجنسية داخل المؤسسات الصحفية.

من جانبها، رأت الصحفية إيمان عوف، المرشحة السابقة لعضوية مجلس نقابة الصحفيين:” أن هناك خطوات لابد أن تتخذها المؤسسات الصحفية لتجنب ظهور وقائع تحرش داخل مؤسسات العمل الصحفي، أول تلك الخطوات إقرار مدونة سلوك داخل المؤسسة، وتتضمن تلك المدونة كل ما يخص التحرش من أول التعريف للأفعال التي تعتد تحرش حتى العقوبات الإدارية والقانونية التي سوف تقع على المتحرش إلى جانب ضرورة عمل توعيه وتدريب للصحفيين والصحفيات عن هذه المدونة”.

ثانيا إقرار لائحة داخلية لضبط علاقات العمل، بمعنى أنه أغلب الناجيات من وقائع التحرش داخل المؤسسات الصحفية كانت من متدربات وكان يحدث هذا باستغلال سلطة من المدراء، وبالتالي لابد من إلزام المؤسسات الصحفية بعمل عقد عمل بعد مرور 6 أشهر على المتدربات والعقد يتحول تلقائيا للنقابة، وبالتالي نقضي على استغلال المتدربات تحت مسمى الالتحاق بنقابة الصحفيين”.

وأضافت عوف:” لابد من وجود لجان نقابية داخل المؤسسات الصحفية وفقا للقانون، يكون في هذا اللجنة تمثيل عادل للنساء، ويكون دورها التواصل مع النقابة بشكل مباشر وتتخصص في تلقي الشكاوى من الصحفيات الناجيات من التحرش، بالإضافة إلى ضرورة التوعية للصحافيات عن التحرش وآليات مواجهته”.