“علاج الإدمان لا يعتمد على تعاطي الأدوية فقط، لكنّ يكمن في إرادة الشخص بالعلاج”.. يسعى محمد عباس، أحد المتعافين، والذي يعمل بأحد مراكز علاج الإدمان في مدينة السادس من أكتوبر. إلى علاج المدمنين بهذا الأسلوب.
برؤية مُدمن سابق، لمدة 20 عامًا، يعالج “عباس” المرضى “دائمًا المريض يكره التسلط”.
الشاب الأربعيني، الذي ينتمي إلى أسرة ثرية، لم يتخيل مصيره يومًا معالجًا بأحد مراكز الإدمان.
“مش عاوز حد يشوف اللي أنا شوفته”.. يكشف سبب عمله بمجال مكافحة الإدمان بعد تعافيه “كنت بشوف الموت بعيني”.
ترك “عباس” وظيفته بأحد البنوك الشهيرة، وغير مسار حياته بعد تخلصه من الإدمان.
المدمنون المنتظمون الذين يحتاجون إلى علاج في مصر يتراوح عددهم بين 5 و6 ملايين شخص
” قدرة الشخص على الحياة دون مخدرات طوال حياته”، فلسفة العلاج التي يعتمدها “عباس”.
“من الإدمان إلى العلاج”
قبل 20 عامًا من الآن، كانت أول سيجارة “حشيش” يتعاطها “عباس”، مع دخوله الجامعة، إلى إدمانه لـ”الهيروين”.
استمرت رحلة الشاب مع الإدمان حتى حصوله على وظيفة بأحد البنوك، استطاع خلالها توفير دخل مادي يساعده على شراء المخدرات.
قرر الشاب دخول مصحة علاجية في 2015 بهدف الاستراحة: “كنت عاوز أقلل الجرعة اللي باخدها”.
بعد شهرين من العلاج، غادر “عباس” مصحة علاج الإدمان: “قررت العيش دون مخدرات، وأكون إنسانًا إيجابيًا”.
“معايرة الأهل” هي سبب انتكاسة الشباب والفتيات وعودتهم إلى طريق الإدمان
اكتشف الشاب بعد إقلاعه عن المخدرات ولعه بـ”الشعر” وكتابة القصائد، فكانت هويته التي أبعدته عن “مستنقع الشر”- على حد وصفة، في إشارة إلى أصدقاء السوء.
شارك في مجموعات علاجية داخل مصر وخارجها، ومع ذلك شعر برغبته في تغيير مجال عمله.
التحق بمركز لعلاج الإدمان بعد إقناع مقربين منه “أنت عندك إقناع حقيقي”.
بسعادة بالغة، يقول الشاب: “لم أتصور حياتي على ما أنا عليه الآن، حقًا كانت حياتي في السابق محطمة”.
“استشاري جيد”
يحظى “عباس” بإشادة زملائه، ويصفونه بـ”الاستشاري الجيد”، لما يتمتع به من أسلوب ناجح في علاج المدمنين.
يستخدم الشاب طرق علاجية عدة، يتقدمها مجموعات الدردشة المفتوحة، إذ يتبادل الشباب خبراتهم ويحكي كل منهم مأساته مع المخدرات، يُضاف إلى ذلك أسلوب السخرية السوداء.
ويحذر من النظرة السلبية تجاه المدمن “ليس مسؤولاً عن مرضه، لكنّه مسؤول عن تعافيه”.
يشعر بغصة حين يُسمع بوفاة مدمن إثر تناوله جرعة مخدرات زائدة، لذا ينصح بضرورة الصدق “علشان تعرف تتخلص من الإدمان، لازم تكون صادق مليون في المئة”.
فضول ثم إدمان
عبدالله محمود، متعافٍ من إدمان الهيروين، وأصبح معالجًا، يروى قصته: “عمري كان 22 عامًا، حين جربت المخدرات، كان لديّ فضول شديد لمعرفة مدى تأثيرها، فاستمرت التجربة لـ20 عامًا”.
يضيف: “كنت أقنع نفسي بدايةً بقدرتي على الإقلاع عن المخدرات في أي وقت، إلى أن دخلت مرحلة الانحدار، ثم الإدمان الشديد ومعه لم أستطع الاستغناء عن المخدرات”.
وتابع أنه كان مثل غيره من مرضى الإدمان على المخدرات لسنوات طويلة، ليس لديه أمل في إمكانية التوقف عن الإدمان والخروج من هذا المستنقع، واستمر في التعاطي حتى دخل السجن أكثر من مرة، ثم أجبره أهله على الدخول إلى مصحة علاجية، لكن لم تفلح محاولات العلاج معه، فانتكس وعاد مرة أخرى للتعاطي.
معظم أفراد المجتمع ينظرون بدونية إلى المدمنين والمتعافين من المخدرات
يلفت “عبدالله”، إلى أن المصحات وعيادات الإدمان، لا تقدم علاجًا ناجزًا، وتقتصر مهمتها فقط على إخراج السموم من جسم المتعاطي، ومنع وصول المخدرات إليه لأشهر عدة، ثم يتم إخراجه على سند خاطئ أنه تم علاجه، وهو أمر خطأ وخطر، إذ يعاود معظم المتعالجين بعد هذه المرحلة إلى الانتكاس والتعاطي مرة أخرى”.
وطالب بضرورة التوسع في إنشاء مراكز تأهيل للمدمنين على مستوى الدولة، بما يساعد مرضى الإدمان على التعافي والاستمرارية والاندماج في الحياة الاجتماعية مرة أخرى، فضلاً عن تصحيح المفاهيم الخاطئة عن طبيعة مرض المدمنين، سواء عند الأسر أو المصحات العلاجية أو السجون، إذ لا تشجع طرق التعامل السلبية الحالية على تعافي مرضى الإدمان، بل بالعكس تترك تأثيرًا سلبيًا يجعلهم يواصلون التعاطي والتحايل على طرق العلاج التقليدية.
انتكاسة الشباب والفتيات
أما محمد طلعت داودد، 43 سنة، متعافٍ من الإدمان، قال إن تجربته مع المخدرات بدأت مع ابن عمه الذى شجعه على تعاطي الحشيش، وهما في سنّ الـ15 عامًا، ثم تدرج بعدها نحو تعاطي الهيروين والأفيون إلى أن خسر أسرته، ودخل السجن أكثر من مرة.
ضرورة تعامل الجهات الصحية والشرطية مع المدمنين على أنهم مرضى يعانون مرضاً مزمناً كمرض السكري والضغط
وأوضح أنه توقف عن الإدمان بعد تدهور صحة والده، ومشاهدته 3 من أصدقائه القدامى يتعافون من الإدمان بعد سنوات طويلة من التعاطي، موضحًا أن مرضى الإدمان يواجهون مشاكل حقيقة في سبيل الحصول على العلاج الصحيح وعدم الانتكاس مرة أخرى.
وأشار إلى أن غالبية مرضى الإدمان يتم تحويلهم إلى مراكز الشرطة والمحاكم وينتكسون مرة أخرى بعد خروجهم، لافتًا إلى أنهم حين يتم حجزهم داخل مصحات لفترة تمتد لأشهر عدة، يتحول فيها المدمن من النشاط إلى التوقف من دون أن يصل إلى التعافي من المخدرات، ثم ما يلبث أن يعاود مرة أخرى للإدمان بعد خروجه.
وطالب “داودد” الذي يعمل بمصحة لعلاج الإدمان في القاهرة الجديدة، بضرورة تعامل الجهات الصحية والشرطية مع المدمنين على أنهم مرضى يعانون مرضاً مزمناً كمرض السكري والضغط وغيرهما، ويحتاجون إلى الدعم والمساعدة طوال حياتهم حتى يحافظوا على تعافيهم من الإدمان.
رفض المجتمع
تقول الدكتورة عزة كريم، الخبيرة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، إن “معايرة الأهل” هي سبب انتكاسة الشباب والفتيات وعودتهم إلى طريق الإدمان مرة أخرى، إضافة إلى عدم تقبل أفراد المجتمع لهم عقب إقلاعهم عن الإدمان.
وتشير إلى أن معظم أفراد المجتمع ينظرون بدونية إلى المدمنين والمتعافين من المخدرات، على أساس أنهم منحرفون سلوكيًا، ويظهر هذا الرفض في الصعوبات التي يواجهها المتعافي من إدمان المخدرات، في الحصول على فرصة عمل، أو زواج.
وعن نسبة المدمنين الفعليين الذين يتعاملون مع المخدرات بصورة مستمرة وضارة ومنتظمة، ولا يمكنهم الإقلاع عنها وفقًا للبحث القومي الذي أجراها الدكتور عبدالرحمن حماد، مدير وحدة طب الإدمان فى مستشفى العباسية للصحة النفسية، فإنها تمثل %6، أي أن عدد المدمنين المنتظمين في مصر الذين يحتاجون إلى علاج ما بين 5 و6 ملايين فرد، وهذا أيضًا وفقًا للإحصاءات الرسمية.