انتصر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في الصراع الدائر بينه وبين لجنة الشؤون الدينية في مجلس النواب، بخصوص مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء المصرية، الذي قدمته اللجنة الدينية بالبرلمان، بهدف إعادة هيكلة دار الإفتاء ونقل تبعيتها إلى الحكومة بدلا من الأزهر و”هيئة كبار العلماء”.

انتصار الإمام

قبل 24 ساعة من تصويت مجلس النواب النهائي على مشروع القانون، والذي تمت الموافقة عليه من قبل المجلس في الجلسة العامة، منتصف الشهر الماضي، أرسل شيخ الأزهر خطابا، لرئيس مجلس النواب علي عبد العال، مطالبا بحضور الجلسة العامة المنعقدة لمناقشة مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء -حال الإصرار على إقرار هذا المشروع رغم ما به من عوار دستوري- وعرض رؤية الأزهر في مشروع القانون.

بيان الأزهر، يبدو أن كان حاسمًا في الأمر، فرغم إدراج المجلس مشروع القانون في أجندته للتصويت النهائي عليه، فأعلن مجلس النواب إعادة المشروع إلى لجنة الشؤون الدينية برئاسة رئيس جامعة الأزهر السابق أسامة العبد؛ للنظر في ملحوظات قسم التشريع بمجلس الدولة بشأن القانون وإعداد تقرير بذلك.

“القانون الجديد به عوار دستوري”.. مجلس الدولة

عوار دستوري

وقال مجلس الدولة في مذكرته إن القانون الجديد به “عوار دستوري”، ويصطدم صراحة مع نص المادة السابعة من الدستور والتي تنص على أن “الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم”.

وأوضحت مذكرة مجلس الدولة التي تم إرساله في نهاية يوليو الماضي، أن المشروع الجديد، يخالف المواد 2، 8، 15 من القانون 103 لعام 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر وهيئاته، منوهة بأن مشروع القانون الذي يجري التصويت عليه يخلق كيانا موازيا للأزهر ينازعه في اختصاصاته التي حددها الدستور.

مصير مشروع القانون أصبح مجهولا خاصة مع انتهاء دور الانعقاد الخامس

مصير مجهول

مصير مشروع القانون أصبح مجهولا، خاصة مع انتهاء دور الانعقاد الخامس، وأكد رئيس لجنة الشؤون الدينية في تصريحات صحفية، أن دور اللجنة يقتصر على إعداد تقرير حول الملاحظات والرد عليها ورفعه إلى رئيس المجلس، مشيرا إلى أنه من الممكن مناقشة مشروع القانون خلال الإجازة البرلمانية التي تنتهي مطلع أكتوبر المقبل.

“مصر 360″، تواصلت مع أمين سر لجنة الشؤون الدينية الدكتور عمر محروش، وعضو اللجنة اللواء شكري الجندي، واللذين اعتذرا عن التعليق على الأزمة، ومصير مشروع القانون، في الوقت الذي لم يستجيب رئيس اللجنة لأي من الاتصالات الواردة إليه لبيان الموقف المستقبل لمشروع القانون.

شدد الأزهر على أن المناقشات التي تمت حول مشروع قانون دار الإفتاء، هي مظهر صحي من مظاهر الحياة النيابية المصرية

فرحة أزهرية

الأزهر عقب الإعلان عن إعادة مشروع القانون إلى اللجنة التشريعية، أشاد بالخطوة التي اتخذت -بسحب قانون تنظيم دار الإفتاء من التصويت في مجلس النواب – بعد ثبوت مخالفته للدستور وتعارضه مع اختصاصات الأزهر الدستورية والقانونية، بحسب بيان رسمي.

وأكد الأزهر أن هذه الخطوة تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن مصر ستبقى دائما دولة تحترم الدستور وتعلي سيادة القانون، وتقدر مؤسساتها الوطنية العريقة، ومن بينها مؤسسة الأزهر الشريف، منوها بأن الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، حريصة دائما على الحفاظ على مؤسسة الأزهر الشريف، وعلى تقديم كل الدعم والمساندة له لأداء رسالته في نشر الوسطية والتسامح، بصفته أهم مصادر قوى مصر الناعمة، وعنصرا فاعلا في مواجهة التطرف والإرهاب الذي تخوض الدولة حربا شرسة في مواجهته.

وشدد الأزهر على أن المناقشات التي تمت حول مشروع قانون دار الإفتاء، هي مظهر صحي من مظاهر الحياة النيابية المصرية التي عرفت بها مصر من قبل، بمناقشة كل الآراء، وتفتح الباب أمام النقاش المجتمعي في مختلف القضايا، وأثبتت أن مصر تعلي من قيمة أحكام الدستور، واحترام مؤسساتها، وهي ممارسات تثري الحياة السياسية، وتسهم في تطوير الأداء المؤسسي وبناء الوعي الديموقراطي.

إشكاليات القانون

مشروع القانون الذي قدمه رئيس جامعة الأزهر السابق ورئيس لجنة الشؤون الدينية في مجلس النواب الدكتور أسامة العبد، و60 نائبا أخرين، عرف دار الإفتاء بأنها هيئة تتمتع بالشخصية الاعتبارية، وتتبع مجلس الوزراء، بعدما كان منصوص على تبعيتها لوزارة العدل قبل أن يتم تعديله خلال مناقشة القانون في الجلسة العامة ، تتمتع بالاستقلال الفني والمالي والإداري، مقرها الرئيسي محافظة القاهرة، ولها أن تنشئ فروعاً بالمحافظات، وهو ما اعترض عليه الأزهر في خطاب لرئيس مجلس النواب علي عبد العال، مبينا أن دار الإفتاء لم تكن كيانا مستقلا عنه، وأن مقر المفتي كان بالجامع الأزهر.

القانون نص على أن تقوم دار الإفتاء على شؤون الإفتاء وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، وتعمل على تأسيس الفتوى الشرعية تأسيسا علمياً سليماً يتفق مع صحيح الدين، ويعمل على تحقيق المقاصد الشرعية العليا، وهو اعتبره الأزهر اعتداء عليه ومخالفة للدستور، لافتا إلى أن الدستور نص على أن الأزهر الشريف هو المرجع الأساسي في كل الأمور الشرعية التي في صدارتها الإفتاء، والبت في كافة الأمور المتعلقة بالشريعة، والرد على الاستفسارات الشرعيَّة من أية جهة، وغيرها من الأمور الشرعية التي تضمنها مشروع القانون.

وأثار منح القانون دار الإفتاء الحق في إجراء الأبحاث الشرعية المتعلقة بالفتوى والرد على الشبهات المثارة، وإنشاء مركز يسمى “مركز إعداد المفتين” برئاسة المفتي، يهدف إلى إعداد الكوادر العلمية التي تشتغل بالإفتاء، وإكسابهم المهارات اللازمة لذلك، وتأهيلهم داخل مصر وخارجها، وإصدار شهادة دبلوم يُعادلها المجلس الأعلى للجامعات، ما اعتبره الأزهر افتئاتا على مجمع البحوث الإسلامية وجامعة الأزهر، كونهما يختصان بإصدار الشهادات العلمية في العلوم الإسلامية.

نص مشروع القانون على أنه يعين المفتي بقرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة ترشحهم هيئة كبار العلماء

تعيين المفتي

ونص مشروع القانون على أنه يعين المفتي بقرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة ترشحهم هيئة كبار العلماء خلال مدة شهرين قبل خلو منصب المفتي. ويبقى في منصبه حتى بلوغه السن القانونية المقررة للتقاعد، ويجوز التجديد له بعد بلوغ هذه السن بقرار من رئيس الجمهورية، ويعامل بذات المعاملة المالية المقررة للوزراء من جميع الوجوه، منوها بأنه في حال خلو منصب المفتي أو قيام مانع لديه يندُب رئيس مجلس الوزراء بقرار منه من يقوم مقامه إلى أن يُعيَّن مفتٍ جديد، أو زوال المانع.

وأكد الأزهر أن مشروع القانون ينتقص من حق هيئة كبار العلماء في تلك الجزئية إذ تنص اللائحة الداخلية، على أن “يدعو شيخ الأزهر الهيئة إلى الانعقاد قبل موعد انتهاء مدة مفتى الجمهورية بشهر على الأقل، للنظر في ترشيح المفتي الجديد، وتُرشّح الهيئة ثلاثة من العلماء من بين أعضائها أو من غيرهم ممن تنطبق عليهم شروط ومعايير صلاحية شغل منصب المفتي، التي تقررها الهيئة، ثم تختار الهيئة عبر الاقتراع السرى المباشر على المرشحين الثلاثة في جلسة يحضرها ثلثا عدد الأعضاء، ويعتبر من يحصل على أعلى الأصوات هو مرشح هيئة كبار العلماء لمنصب الإفتاء بشرط حصوله على الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين، ويعرض شيخ الأزهر الترشيح على رئيس الجمهورية لإعمال اختصاصه في إصدار قرار تعيين مفتى الجمهورية.

وشدد  الأزهر على أنَّ المخالفات الدستوريَّة التي شابت مشروع القانون لا تقتصر أو تقف عند مجرد العدوان على اختصاصات الأزهر الشريف، ومحاولة إنشاء كيان موازٍ للأزهر يقوم في موضوعه وغايته على محاولة الحلول محلَّه في رسالته وأغراضه، فالأمر يتجاوز حدود النزاع على الاختصاصات، أو التشبث بالصلاحيات، أو احتكار جهةٍ للقيام بدور معين، ومنع غيرها من مشاركتها فيه، فالخطورة تكمن في تجزئة رسالة الأزهر الشريف، وإهدار استقلاله الذي هو عِمادُ وسطيته واعتداله، فالأزهر ليس مجرد هيئة وأشخاص، وإنما هو رسالة علميَّة لا تحتمل إلا أن تكون مستقلة غير تابعة، وهذا المشروع المعروض يخلُّ إخلالًا جسيمًا بالدستور، كما يخلُّ بالاستقلالية والحياد الذي ينبغي أن يتمتع بهما منصب مفتي الجمهورية، بحسب بيانه.