دفعت العديد من الدول العربية ثمن الصراعات الداخلية والإرهاب دماء سالت على الأرض، أيضا كان التاريخ يدفع الثمن، ما بين تدمير الآثار وسرقة ونهب الكنوز الآثرية.
لبنان الحزينة
كانت لبنان “ولازالت” قبلة الفن والثقافة والحرية، كانت نقوش الحضارة تتلألأ على جدران بيروت الحزينة، التي استيقظت والأرض معها، على دوي انفجارات غامضة، وضعت عاصمة الجمال وسط عواصم الدم الباكية.
وكما دفعت بيروت ثمن الإرهاب الغامض من أرواح أبنائها، وثرواتها، ومواردها، كان للتاريخ أيضًا ثمنًا يدفعه، ففي تقيمها لوضع لقيمة حجم خسائر العاصمة بيروت، كشفت منظمة اليونسكو عن أن 640 مبنى تاريخي تضرروا بفعل التفجير الذي تعرض له ميناء بيروت، فيما يواجه 60 مبنى أخر خطر الانهيار، وتحتاج لبنان إلى 300 مليون دولار تكلفة ترميمهم وإعادتهم للحياة من جديد.
من ضمن الأماكن المتضررة منطقتي الجميزة ومار ميخائيل، اللاتان بنيا خارج أسوار المدينة القديمة، وتحمل المدينتان، أبنية ذات طابع عثماني، يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر، وتشتهر بشكلها المعماري الجميل، وأسقفها المزينة بالقرميد الأحمر، ومباني أخرى تحمل الطابع الفرنسي والعثماني معًا يعود تاريخها للفترة من 1920-1945، خلال فترة الانتداب الفرنسي بلبنان.
العراق.. تاريخ مفقود أسفل أقدام التطرف والاحتلال
على أعتاب العراق، تقف العديد من الحضارات العظيمة، التي نقشت جمالها على جدران المدن العراقية، قبل أن تغزوها أيادي الاحتلال وتنهشها أيادي التشدد والتطرف.
فهذه الحضارة السومرية، التي يعود وجودها إلى 2800 ق.م، من أقدم الحضارات على الأرض، حيث اشتهر أصحابها بالفنون المعمارية والنحت، أما الحضارة البابلية، أعظم الحضارات، وقد أسستها أسرة حاكمة في الفترة “1595-1894 ق.م”، وتلك الحضارة الآشورية والتي تمتد إلى ثلاثة عهود، كل منها كانت تمتاز برونقها الخاص، ما بين تقدم في الفنون العسكرية، وإبداع معماري وفني استمرت ملامحه عبر العصور، بخلاف الحضارة الآكادية التي وحدت العراق.
كل تلك الحضارات، تركت آثارها ما بين تماثيل ومعابد ونقوش، هذا بخلاف الأضرحة، لتخليد ذكرى شخصيات كتب اسمها من حروف ذهبية في التاريخ الإسلامي، ولكن جاءت أيادي الاحتلال الأمريكي لتقضى على جزء كبير من هذا التاريخ، بالتخريب تارة، وبالنهب والسرقة تارة أخرى، ثم جاءت تنظيمات التطرف والجماعات المسلحة المنتمية لتنظيم داعش الإرهابي لتقضى على ما تبقى من هذا التراث، بالنهب والسرقة، لتفقد العراق تاريخها أسفل أقدام التطرف.
ففي تقرير لمنظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة، ذكر إن استخدام موقع بابل الأثري، أحد عجائب الدنيا السبع، كقاعدة عسكرية لقوات التحالف ما بين عامي 2003و 2004، بخلاف سرقة ونهب كنوز المتحف العراقي التي قدرت مبدئيًا ب 200 ألف قطعة أثرية، وما يقارب 5000 ألاف ختم سومري من سراديب المتحف، على يد بعض المواطنين في ظل الفوضى التي كانت تعاني منها العراق.
نهب كنوز العراق وتراثه من قبل سارقي الأثار بمساعدة من اليهود الأمريكيين والبريطانيين الذين كانوا ضمن قوات الاحتلال
وفى كتابه “كيف نهب العراق.. تاريخا وحضارة” ذكر الباحث فيلب فلاندران، أن كنوز العراق وتراثه، تم نهبه وسرقته من قبل سارقي الأثار بمساعدة من اليهود الأمريكيين والبريطانيين الذين كانوا ضمن قوات الاحتلال، والذين لديهم شغف بالتراث اليهودي في بلاد الرافدين، حيث كانت يتم إرسال الآثار إلى الحدود ومنها إلى الدول المجاورة للعراق، حيث كانت تتم صفقات بيعها لمنظمات صهيونية وأخرى أوروبية.
أما تنظيم داعش الإرهابي، فقد دمر ونهب آلاف القطع الأثرية، التي حولها فيما بعد، إلى مصادر لتمويله، وامتد بطش داعش للمتاحف والأضرحة والمعابد، وكل ما له علاقة بالهوية العراقية، فقد أقدم داعش على تدمير المنارة الحدباء التي بناها نور الدين زنكي، عندما أسس جامعه في القرن السادس الهجري والتي كانت تعد أحد أهم المعالم الآثرية بالعراق، بخلاف تدمير جامع النوري أو الجامع الكبير أو جامع النوري الكبير أحد مساجد العراق التاريخية والواقع في الساحل الأيمن (الغربي) لمدينة الموصل ويعود تاريخ إنشاؤه إلى عام 1172، على يد نور الدين زنكي، وكان يحتوى على خمس مآذن.
قام التنظيم الإرهابي أيضًا بتدمير مدينة النمرود وهي مدينة أثرية آشورية تقع جنوب شرق الموصل، ويعود تاريخها للقرن الـ 13 قبل الميلاد، وكانت تعرف باسم “كلحو”، حيث بناها الملك الأشوري شلمنصر الأول (1274 ـ 1245) على نهر دجلة وجعلها عاصمة لحكمه خلال الإمبراطورية الأشورية الوسيطة، وتضمنت المباني الملكية الضخمة المزينة بالمنحوتات، والنقوش، والبلاط المزجج، حيث دمرها داعش خلال احتلاله لمدينة الموصل ما بين 2014و 2016.
وتوالت ومآسي التدمير، بنهب وتدنيس مرقد النبي يونس، ونهب مسجد القديس جورج، وأيضًا حرق مكتبة الموصل ومرقد الأربعين، ومع احتلال محافظة نينوى، دمرت داعش قصرا للملك الآشوري سنحاريب، بخلاف هدم سور المدينة الأثري الذي يعود إلى أكثر من 2500 عام، فيما حولت مدينة الحضر التي كانت تحتوي على مباني تحمل الصورة الهندسية للحضارة اليونانية والرومانية والشرقية، إلى مواقع عسكرية وجرفت بنيتها ودمرت معالمها.
شملت أيادي العابثين من عناصر تنظيم داعش الإرهابي، العديد من الأضرحة الموجود بأرض العراق، فقامت بتدمير ضريح مرقد عمر بن الخطاب، والإمام السلطان عبد الله بن عاصم بن عمر، بمنطقة مخمور جنوب شرق الموصل، وكذلك تدمير ضريح «أرناؤوط» وضريح ومزار «أحمد الرفاعي» وضريح «الشيخ إبراهيم» الموجود بمدينة “تلعفر” بالإضافة إلى هدم مرقد «قبر البنت» الموجود بمدينة الموصل، كما استخدمت الأسلحة الثقيلة لهدم وتدمير مبنى «حسينية قدو» ومبنى «حسينية عسكر ملا» ومبنى «حسينية سعد بن عقيل» ومبنى «حسينية جواد»، ومبنى «حسينية القبة».
سوريا.. اقتلاع الحضارة وسرقة كنوزها
حين تبحث عن عبق التاريخ، لم يكن عليك سوى المرور على سوريا، والتجول داخل دمشق “مدينة الياسمين” أقدم عاصمة في التاريخ، حيث تأسست منذ أكثر من 9000 ألف عام ق.م، في حين لا تحمل الآن سوى رائحة البارود والدم، بعد تحالف المرتزقة والعناصر المسلحة لنهب وتدمير سوريا.
«معبد بل» أحد أعظم الآثار التاريخية لمدينة تدمر السورية، وبل هو إله بابلي أكادي الأصل، يمثل في الديانة البابلية رب الأرباب، وقد دمره تنظيم داعش الإرهابي عقب دخوله الأراضي السورية باستخدام العبوات الناسفة، نفس المصير الذي واجهه معبد “بعل شمين”، ويعود تاريخه إلى العام 32م، وهو مخصص لإله الكنعانيين بعل شمين، وقامت عناصر داعش بتفخيخه بالمتفجرات، بخلاف تدمير متحف تدمر وتحويله إلى سجن وتنفيذ عمليات إعدام فيه، وذلك بعد أن دمروا «أسد أثينا» الشهير الذي كان موجودا بمدخل المتحف تدمر.
طالت أيادي التدمير مدينة الرقة التي كانت عاصمة الدول العباسية ما بين 796ـ809
ووفقًا لليونسكو، فقدت سوريا الكثير من كنوزها ومعالم الحضارات التي قامت عليها، وكانت أكبر الخسائر بحلب، والتي كنت تضم القلعة التي يعود تاريخها للقرن الـ 13، والمسجد الكبير الذي تأسس في القرن الـ 12، بخلاف الكنائس المسيحية التي تعود للقرن الـ 16، وأيضًا المساجد والقصور العثمانية التي يعود تاريخها المعماري إلى العصر اليوناني والروماني.
ودمرت مئذنة «الجامع الأموي» أو بـ «جامع حلب الكبير»، وهو ضمن لائحة التراث الحضاري لليونيسكو، وتم نهب أساس المسجد الذي يعود تاريخه إلى القرن الثامن الميلادي وأعيد بناؤه في القرن الثاني عشر، بخلاف تعرض المسجد إلى أضرار كبيرة من الداخل، كذلك تأثر سور قلعة حلب وتعرض لانهيار كبير نتيجة للقصف الذي تعرضت له المدينة.
طالت أيادي التدمير، مدينة الرقة، التي كانت عاصمة الدول العباسية ما بين 796ـ809، والتي أنشئت عام 242ق.م، حيث استهدف داعش فور دخوله المدينة ثلاثة مزارات تاريخية لشخصيات إسلامية بمسجد عمار بن ياسر، وهو موقع للحج الشيعى، وبلغ حجم الخسائر والأضرار التي طالت الآثار في سوريا، حسب إحصائية المديرية العامة للآثار، حتى منتصف عام 2015، 140 مبنى تاريخي، من مجمل المباني التي تضمها المدينة، بخلاف 48 متحف وموقع سياحي منها متحف الرقة تضرر بصورة كبيرة، سواء من عمليات داعش أو قصف القوات النظامية، وأيضًا سرقة أكثر من 1000 قطعة اثرية وسرقة مستودعات “هرقلة” التي كانت تحفظ بها نتائج البعثات الأثرية بالمحافظة.
ما يقارب 12 متحفاً من متاحف سوريا الـ36 قد تعرضت للنهب
وفى ريف حمص تعرضت «قلعة الحصن» إلى التدمير بعد استهدافها من القوات النظامية، والقلعة واحدة من الحصون الباقية من زمن الحروب الصليبية، وكانت مقرا رئيسيا وترسانة ومركز إمداد لصلاح الدين الأيوبي في معاركه ضد الصليبيين، فيما يعود تاريخ معظم الأبراج الدفاعية الإثني عشر في القلعة والباحة الداخلية الواسعة إلى القرن الـ12، ووفقًا لجمعية حماية الآثار السورية» ، فإن ما يقارب 12 متحفاً من متاحف سوريا الـ36 قد تعرضت للنهب تضمنت نقوداً ذهبية وفضية تعود للعصر البيزنطي، وقطع فخارية وزجاجية رومانية، وكشفت الأمم المتحدة، عن تعرض أكثر من 300 موقع أثري سوري للأضرار أو التدمير أو النهب بسبب العمليات المسلحة.
اليمن.. التاريخ الضائع بين متاهات الاقتتال
اليمن كغيرها من البلدان العربية العامرة بالتراث والكنوز الآثرية التي يضاهيها ثمن، تأثرت اليمن بالصراعات والتداخلات العسكرية على أراضيها، ودفعت من تراثها الثقافي ثمنًا للحرب الأهلية على أراضيها، بخلاف قصف قوات التحالف العربي لحضارتها، واقتتال الجماعات المسلحة.
وكان من أبرز خسائر اليمن نتيجة لقصف التحالف العربي، سد مأرب العظيم، الذي يعود تاريخه إلى بدايات الألفية الأولى، ويعد من أهم المعالم الأثرية اليمنية.
كذلك خسرت اليمن جامع الهادي في صعدة، وقلعة القاهرة في تعز، وجرف أسعد الكامل في إب، وقلعة باجل الاثرية بالحديدة، بعد تعرضهم لأضرار كبيرة نتيجة للقصف المتكرر، بخلاف تعرض المدينة القديمة في صنعاء، عاصمة اليمن، للتدمير، ومدينة صعدة القديمة، المدرجة في قائمة اليمن المؤقتة للتراث العالمي، وكذلك الموقع الأثري لمدينة براقش المحصنة، التي يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام تعرضت لأضرار كبيرة.
وشهدت مدينة صنعاء تدمير 4 مدن أثرية وقلعة وحصنين و5 مبان تاريخية و3 مساجد وضريح ومتحفين، وفي عدن تم تدمير قلعة ومبنيين تاريخيين ومسجدا وضريحا وكنيستين ومتحفا، في مأرب تم تدمير 3 مدن ومعبدين وسد وقلعة، بينما شهدت مدينة تعز تدمير مدينة وقلعة ومبني تاريخي ومسجدين و3 أضرحة، وفي الحديدة تدمرت مدينة أثرية و5 قلاع وحصنا و4 مبان تاريخية ومسجدين، في شبوة تعرضت قلعة للتدمير وحصنين وضريح ومتحف، وفي محافظة عمران تم تدمير مدينة ومبنيين تاريخيين ومسجدين، وفى حضرموت شهدت تدمير مدينة و6 أضرحة.
ووفقًا للإحصائيات، فإن إجمالي ما تم تدميره 13 مدينة أثرية ومعبدين وسدًّا و15 قلعة و9 حصون و15 مبنى تاريخيا و13 مسجدا و15 ضريحا وكنيستين و5 متاحف، وهذه إحصائيات مبدئية، حيث لا يوجد حصر كامل للخسائر الاثرية باليمن حتى اللحظة.
الانتقام وهدم التماثيل
فى أفغانستان قامت حركة طالبان الإرهابية بتدمير رؤوس تماثيل بوذا الضخمة في باميان بحجة أنها “أصنام”، عام 1998، وتماثيل بوذا، هما تِمثالان أثريان ضخمان منحوتان على منحدرات وادي باميان سوط أفغانستان، يعود تاريخ بِنائها إلى القرن السادس الميلادي، حيث كانت منطقة باميان مركز تجارة بوذياً، وتعبر التماثيل على الفن الهندو-أغريقي الكلاسيكي في تلك الحقبة.
ومؤخرًا تم تدمير فريدريك دوغلاس، الذي عاش في القرن التاسع عشر، وكان ناشطًا من أصحاب البشرة السمراء، وذلك ردًا على هجمات استهدفت نصب تذكارية مرتبطة بالعبودية، وفى بريطانيا، أسقط متظاهرون تمثالًا لتاجر رقيق في مدينة بريستول، يعود تاريخه إلى 1895، حيث أن التمثال يعود لتاجر رقيق بارز يدعى إدوارد كولستون، كان يعيش بالقرن السابع عشر، وكان ينتمى لأسرة ثرية، فيما كان يعمل بصناعة المنسوجات، بخلاف عمله فى مجال تجارة الرقيق، ويشار إلى انه باع حوالى 1000 شخص، من غرب افريقيا، وتم الاعتداء على التمثال والقاؤه فى النهر تعبيرا عن رفض العبودية.