حالة من الجدل انتابت الأوساط الفنية العالمية بعد إعلان إدارة مهرجان برلين السينمائي الدولي عن “المساواة الجندرية”، أو حق المساواة بين الرجل والمرأة في المناصب الإدارية بالمهرجان والجوائز، وإلغاء جائزة أفضل ممثل وممثلة لتفعيل مبدأ المساواة ليحل محلهما جائزة الدب الفضي لأفضل أداء رئيسي ومساند فقط.
اعتبر البعض أن هذه الخطوة، التي جاءت بناء على توقيع إدراة المهرجان على اتفاقية 5050، خطوة إيجابية في اتجاه حقوق المرأة التي لم تحصل على ما تستحق بالمهرجانات السينمائية، ليوجد هناك رأي آخر، بأن ما يحدث حاليًا قد يضر بحق المرأة أكثر من أن يكون في صالحها، وقد يضر بالعملية الفنية بشكل عام.
المهرجان الأول
كان عام 2018، هو بداية توقيع اتفاقية المساواة بين الجنسين، على الوثيقة التي أعدتها دولة فرنسا، والتي أطلقت عليها “5050 بور 2020″، نسبة إلى المناصفة، والتي تُلزم المهرجانات الفنية بتحقيق المساواة بين الطرفين في المناصب الإدراية العليا، وفي الجوائز الفنية التي يتم توزيعها بناء على النتائج النهائية للمهرجان، وتم إطلاق هذه الاتفاقية بدعم من جمعية “لو دوزييم روغار” التي تضم 300 شخصية من أوساط السينما، بعد كشف فضيحة المخرج الهوليودي هارفي واينستي، واتهامه بالاغتصاب والتحرش، تجاه أكثر من فنانة.
وبهذا أصبحت إدارة مهرجان “كان السينمائي الدولي”، هى الأولى في التوقيع على تلك الاتفاقية والبدء في تنفيذ ما جاء بها، والتزم الموقعون على الميثاق من الإدارة بإعداد جدول زمني لتعديلات في الطواقم الإدارية للمهرجانات من شأنها أن تحقق مساواة كاملة.
ومع توقيع إدارة “كان” على هذه الاتفاقية بدأت المهرجانات الأخرى تباعًا في السير على ذات النمط، لتقوم كل من إدارات مهرجان تورنتو بكندا وبرلين بألمانيا، بتعيين سيدات مديرات مشاركات للمهرجان لأول مرة في تاريخهما، ليحصل على تلك المناصب بالترتيب جوانا فيسنتي ومارييت ريسنبيك.
مهرجانات أخرى
بعد توقيع إدارة مهرجان “كان” بشكل رسمي على الاتفاقية التي تدعم المساواة بين الجنسين، واتخاذ بعض الإدارات العالمية الأخرى بعض الخطوات لتحقيق المساواة أيضًا، قامت إدارة مهرجان البندقية السينمائي الدولي في إيطاليا بتوقيع الاتفاقية في أغسطس 2018، بعد حملة أقامها عدد من الجمعيات والمؤسسات الداعمة للمرأة هناك.
وفي ذات الشهر من عام 2018، وقع أيضًا مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي في سويسرا، تعهدًا بالمساواة والدمج في البرمجة بين الجنسين، كما وقع مهرجان سراييفو السينمائي في شرق أوروبا، تعهدًا بذات الشروط التي تعمل على المساواة بين الجنسين.
لم تتوقف الجمعيات العالمية عن دعم اتفاقية 5050 بور 2020، لكي تحقق هدفها التي حددت مدته الزمنية وهو عام 2020، لكي يُصبح للمرأة نصف المناصب الرسمية والجوائز في المهرجانات، لتتوالى إدارات المهرجانات الفنية في التوقيع على برتوكول الاتفاقية، لنجد موافقة من المهرجان الدولي للأفلام الوثائقية بأمستردام (IDFA)، و مهرجان ميل فالي السينمائي الدولي وروما السينمائي الدولي، كما وقع مهرجان أنسي الدولي لأفلام الرسوم المتحركة على تعهد بتعزيز المساواة بين الجنسين والشفافية في المهرجان.
وفي فبراير 2019، قامت إدارة مهرجان برلين بالتوقيع على اتفاقية المساواة بين الجنسين، مُعلنة منذ أيام عن طريقة تطبيقها لتلك الاتفاقية، ومن المُفترض أيضًا أن يقوم مهرجان جوتبورج السينمائي، بالتعاقد على تلك الاتفاقية هذا العام.
وعلى المستوى العربي، أعلن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي خلال دورته الماضية عن توقيع اتفاقية 5050، على أن يتم تطبيقها بداية من عام 2020، ليكن هو المهرجان العربي الوحيد الذي قام بتوقيع تلك الاتفاقية.
جوائز المهرجان
اعتقد البعض أن جوائز مهرجان برلين السينمائي الدولي سيتم الاقتصاد بها، لتعلن الإدارة أن الجوائز ستكون كالآتي:
جائزة الدب الذهبي لأفضل فيلم .. تُمنح لمنتجي الفيلم
جائزة الدب الفضي الكبرى للجنة التحكيم
جائزة الدب الفضي لأفضل مخرج
جائزة لجنة تحكيم الدب الفضي
الدب الفضي لأفضل أداء رائد
الدب الفضي لأفضل أداء داعم
الدب الفضي لأفضل سيناريو
الدب الفضي للمساهمة الفنية البارزة
غير منطقي
وعن القرارات التي أصدرها مهرجان برلين السينمائي الدولي والخاص بإلغاء جائزة أفضل ممثلة وممثلة واستبدالها بالدب الفضي، قال الناقد الفني عمرو شاهين:” هذا القرار يعبر بشكل واضح وصريح عن اتجاه العنصرية المضادة الذي أصبح سائدًا في العالم كله.. فلو كان هناك تطرف في وقت من الأوقات في مسألة التمييز بناءً على الجنس في عالم السينما فإن القرارات والأحداث الأخيرة تشير بوضوح إلى تطرف مضاد ليتحول الموضوع إلى شيء سخيف”.
وأضاف “أن هذه القرارات الغرض منها، إما توفير النفقات بتقليل عدد الجوائز، أو ركوب آخر للموجة السائدة حاليًا ولكن فنيًا هذا القرار غير منطقي وسئ ومضر بالحالة الفنية، ليس لأن التمثيل مختلف من الرجل إلى المرأة، ولكن لأسباب أخرى مثل توسيع حيز المنافسة بين عدد كبير من الممثلين والممثلات وهو ما يشكل عبئًا كبيرًا على لجان التحكيم لاختيار الأفضل”.
وأوضح “شاهين” “أنه من الممكن أيضًا أن يؤدي إلى عدم تكافؤ الفرص بين الجنسين.. فمثلًا أن تكون كل الجوائز هذا العام للممثلين الرجال سواء جائزة أفضل ممثل أو أفضل ممثل مساعد، أو تكون الجائزة للنساء، أو يتم مراعاة التوازن بين الجنسين مثل أن تذهب جائزة أفضل ممثل لرجل بينما أفضل ممثل مساعد لسيدة وهو قد يحرم ممثلين آخرين لهم الأحقية”.
وتابع: “في رأيي أن هذا القرار يحمل الكثير من الأبعاد والمشكلات والآثار السلبية ولا يحمل أية منافع أو آثار إيجابية”.
ظلم للمرأة
وشاركه الرأي الناقد الفني أندرو محسن، الذي أوضح “أن هذا القرار سيؤدي إلى ظلم المرأة أكثر من ذي قبل، وذلك عن طريق حصد الرجال لجائزة لجنة تحكيم الدب الفضي وأفضل أداء مساعد، ولم تحصل أي امرأة على شئ، وبالتالي تكون قد عززت إدارة المهرجان من العنصرية بشكل أكبر”.
وأضاف، “أن هذا القرار به ظلم للحالة الفنية العالمية بشكل عام، ويجب أن تكون هناك فرص للحصول على الجوائز بناء على الموهبة والمهارة وليس على أساس الجنس، فالأمر سيحولنا إلى عنصرية من نوع آخر ومساوئه ستكون أكثر من إيجابياته”.