اعتادت الهيئة الوطنية للانتخابات، على التلويح قبل أي استحقاق دستوري بتوقيع غرامة على الممتنعين عن المشاركة في العملية الانتخابية، وهو ما يقع تحت نظام التصويت الإجباري الذي يتم فيه إلزام الناخبين بالتصويت في الانتخابات أو الحضور لمكان الاقتراع في يوم التصويت، وإذا لم يحضر الناخب المؤهل لمكان الاقتراع، فربما يتعرض لعقوبات تأديبية مثل الغرامات أو خدمة المجتمع وربما الحبس.
وفي كل مرة، لم تُطبق الهيئة الوطنية للانتخابات تهديدها، إلا أنها أعلنت أمس الأربعاء، تطبيق القرار على الممتنعين عن التصويت في انتخابات مجلس الشيوخ التي جرت في 11 و12 أغسطس الجاري.
غرامة 500 جنيه
الهيئة الوطنية للانتخابات برئاسة المستشار لاشين إبراهيم نائب رئيس محكمة النقض، أعلنت أن الهيئة طبقًا لصحيح الدستور والقانون ستبدأ بتحصيل غرامة لا تتجاوز الـ 500 جنيه من كل ناخب تخلف عن الإدلاء بصوته فىي الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشيوخ.
وأوضح المستشار لاشين إبراهيم، أن الهيئة وجهت وقت دعوة الناخبين لانتخابات مجلس الشيوخ عدة رسائل لكافة الناخبين من الشباب والسيدات والمصريين في الخارج وحتى الاعلام لحثهم على أداء واجبهم الوطني والدستوري والإدلاء بأصواتهم في تلك الانتخابات، وطالبت الهيئة على مدار مراحل العملية الانتخابية في الجولة الأولى لشيوخ ووقت الاقتراع بعدم التقاعس عن المشاركة لما تمثله جريمة في حق الوطن.
وذكر أنه في ذات الوقت وفرت الهيئة كل ما هو كافي للحفاظ على أطراف العملية الانتخابية من جائحة كورونا وتم تعقيم اللجان صباحا ومساء ووفرت كمامات مجانية وألزمت الناخبين بالتباعد الاجتماعي في الصفوف أمام اللجان لحمايتهم، وهو ما لمسه الجميع القاصي والداني.
وأكد إبراهيم، أن مجلس إدارة الهيئة اجتمع وقرر حصر جميع أسماء من تخلفوا عن التصويت في الجولة الأولى من انتخابات الشيوخ من واقع كشوف الناخبين الواردة من اللجان الفرعية والعامة للبدء فى تحصيل الغرامة.
يبلغ المتخلفين عن التصويت في الانتخابات 53 مليونًا و981 ألف و130 شخصًا
54 مليون ناخب أمام النيابة
وكانت الهيئة، أعلنت أن عدد المشاركين في عمليات التصويت في انتخابات مجلس الشيوخ 2020، بلغ 8 ملايين و959 ألفًا و35 ناخبًا بنسبة مشاركة بلغت 14.23%، فيما يبلغ عدد المقيدين في قاعدة الناخبين 62 مليونًا و940 ألفًا و165 ناخبًا.
بذلك يبلغ المتخلفين عن التصويت في الانتخابات 53 مليونًا و981 ألف و130 شخصًا، وسيتم تحويلهم للنيابة العامة، بمقتضي المادة 57 من قانون مباشرة الحقوق السياسية الصادر برقم 45 لسنه 2014 وتعديلاته بمعاقبه الناخب المتخلف عن الإدلاء بصوته بغرامة لا تجاوز 500 جنيه.
“تحويل الشعب للنيابه في حق له يعد مخالفًا للدستور”.. المهندس باسل عادل، البرلماني السابق
الدستور لم ينص على وجوب الانتخاب
المهندس باسل عادل، البرلماني السابق، علق على قرار الوطنية للانتخابات، قائلًا: “أرجو أن يتسع صدر المحكمه لسماع دفوع الناس عن أسباب عدم مشاركتهم و جعل المحاكمه علنيه فقد تكون روشته لكل أمراضنا!”.
وأضاف عادل، أن الدستور في المادة ٨٧، نص على حق الانتخاب و لم ينص علي وجوبيته، لافتًا إلى أن حق الانتخاب تكفله الدوله للمواطن، ويُعد واجبًا عليها و حق للمواطن.
وتابع البرلماني السابق: “لكن إذا كان نص الدستور علي وجوبية الانتخاب وجب حينها عقاب المتخلفين عن التصويت، وهنا فرق واضح بين الحق والواجب، لذلك فإن تحويل الشعب للنيابه في حق له يعد مخالفًا للدستور، وإلا بالمثل لماذا لاتحول الجهات التنفيذيه للنيابه إذا لم تقم بواجب عليها!”.
“الكم الكبير من المخالفين ليس من شأنه أن يبيح المخالفة”.. الدكتور صلاح فوزي أستاذ القانون الدستوري
نص قانوني واجب الإنفاذ
الدكتور صلاح فوزي أستاذ القانون الدستوري، علق على قرار الوطنية الانتخابات، قائلًا إن إعمال نص القانون خير من إهماله، لافتًا إلى أن الامتناع عن التصويت يُعاقب عليه بالغرامة، وهذا نص واجب الإنفاذ.
وتابع فوزي: “الكم الكبير من المخالفين ليس من شأنه أن يبيح المخالفة، فمخالفات المرور الأعداد فيها بالملايين، لن يجعل منها فعلًا مباحًا”.
وأكد الفقيه الدستوري، أنه لا توجد صعوبات قانونية تحول دون توقيع الغرامة في حال توقيعها، موضحًا أنه في حال أصدرت النيابة العامة قرارها، فإنه يمكن تنفيذه خلال تجديد رخصة القيادة أو صرف المواد الكيماوية للمزارعين أو تجديد البطاقة الشخصية.
ولفت إلى أنه لو كان أحد مصابًا بفيروس كورونا وموجودًا في العزل، يُقدم الأوراق للنيابة أو للمحكمة، لكنه لا يمكن لأحد الادعاء أنه كان خائفًا، لأنه تم التأكد من الإجراءات الاحترازية.
واجب وطني
المادة 57 من قانون مباشرة الحقوق السياسية، تنص على أنه “يعاقب بغرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه كل من كان اسمه مقيدًا بقاعدة بيانات الناخبين وتخلف بغير عذر عن الإدلاء بصوته في الانتخاب أو الاستفتاء”.
كان رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، أكد أن الهيئة تدرس بجدية تطبيق الغرامة المقررة في قانون مباشرة الحقوق السياسية في حالة عزوف المواطنين عن المشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ.
ودعا لاشين، جميع الناخبين لضرورة المشاركة بكثافة في هذا الاستحقاق، لافتًا إلى أن تواجدهم رسالة للمجتمع الدولي بوعي المجتمع المصري ودوره وعدم التقاعس؛ لأن المشاركة في الانتخابات واجب وطني.
“النص الدستوري هو الأشمل ويجب أن تدور كافة القوانين في فلكه”.. المحامي الحقوقي ناصر أمين
قانون مباشرة الحقوق السياسة
ناصر أمين، المحامي الحقوقي وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، لم يتوافق على مصطلح التصويت الإجباري، لافتًا إلى أن المادة 57 بقانون مباشرة الحقوق السياسية دائمًا يتم إثارتها في الاستحقاقات التي تشعر فيها الإدارة السياسية بأن نسب التصويت ستكون قليلة أو غير مرغوب بها.
ويتابع أمين: “أتصور أنه لا يوجد إجبار للمواطن علي الإدلاء بصوته، وهذا النص غير دستوري، لأن الحق في المشاركة في الحياة العامة لصالح المواطن، وليس لصالح المؤسسات النيايبة، ولا يجوز التدخل في رغبته”، معقبًا: “هذا النص اعتداء على الحق في المشاركة وحرية الرأي وبالتالي نص غير دستوري”.
ويوضح المحامي الحقوقي، أن النص الدستوري هو الأشمل، ويجب أن تدور كافة القوانين في فلكه.
وينوه المحامي الحقويق، إلى أن أعلى نسبة مشاركة في الدساتير كان التصويت على استفتاء مارس 2011، وأعلى نسبة في الاستحقاقات البرلمانية كان في نوفمبر 2011، وكان أعلى نسبة في الانتخابات الرئاسية كانت عام 2013.
“مادة الغرامة في قانون مباشرة الحقوق السياسية، تُشجع المواطنين على الانتخاب واستخدام حقهم في التصويت”.. المستشار خالد القوشي
زيادة القاعدة الانتخابية
المستشار القانوني والدستوري، خالد القوشي، يوضح أن مادة الغرامة في قانون مباشرة الحقوق السياسية، تُشجع المواطنين على الانتخاب واستخدام حقهم في التصويت طبقًا للدستور.
ويضيف القوشي، أن المادة لها إيجابيات منها زيادة القاعدة الانتخابية في التصويت، واختيار المرشح المناسب دون تكتل لفصيل غير مرغوب به أو تشجيع فصيل أو إثبات رؤية ينتظرها المتربصين، كما أنه يعطي إشارة للعالم بأن لدينا وعي انتخابي ونظام سياسي قويم.
ويشدد القوشي، على أن بعض الأحزاب القديمة أو الجماعات المتطرفة تستغل ضعف التصويت ويحولونها إلى لُعبة سياسية يحاولون من خلالها الإساءة للنظام والمجتمع.
زيادة معدل المشاركة
وفقًا للمُنظر السياسي أريند ليبهارتز، فإن هناك معلومات تشير إلى أن التصويت الإجباري يُزيد معدل المشاركة في الانتخابات الوطنية بنسبة 7-12%، وبمعدل أعلى في الانتخابات المحلية وانتخابات البرلمان الأوروبي، وكانت الزيادة في معدل المشاركة موجودة حتى في الدول التي تكون فيها الإجراءات التأديبية بسيطة جدا.
ويشير ليبهارتز إلى أن وجود واجبات مدنية أخرى مثل دفع الضرائب، والالتحاق بالمدرسة، وفي بعض الديمقراطيات التجنيد العسكري والمشاركة في هيئات المحلفين، وكل هذه الالتزامات تتطلب وقتا وجهدًا أكثر بكثير من التصويت، ولهذا فإن التصويت الإجباري يشكل انتهاكًا بسيطًا للغاية للحريات الشخصية بالمقارنة بنشاطات أخرى كثيرة.
وذكر ليبهارتز، ميزات أخرى للتصويت الإجباري بالإضافة إلى زيادة أعداد الناخبين، أولا زيادة معدل المشاركة قد يكون محفزا للمشاركة والاهتمام بنشاطات سياسية أخرى، ثانيًا، يقل دور المال في الحملات الانتخابية، فلا حاجة لجمع تبرعات مالية كبيرة من أجل إقناع الناخبين بالتصويت، ثالثا، يلعب التصويت الإجباري دورا تعليميا ويقوم بالتحفيز للمشاركة السياسية، مما يخلق شعبا أكثر اطلاعا، رابعا، معدلات المشاركة المرتفعة تقلل من خطورة عدم الاستقرار السياسي الذي قد تسببه الأزمات أو يسببه القادة السياسيين الخطيرين أصحاب الكاريزما.
“على الدولة إما أن تكون جادة في تطبييق الغرامة، أو تستخدم مُحفزات لحث المواطن علي المشاركة”.. المحامي الحقوقي أيمن عقيل
مخالفة دستورية
أيمن عقيل، المحامي بالنقض ورئيس مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، يقول، إن المشاركة الانتخابية حق وواجب على المواطنن، ولكن لم نسمع مطلقًا علي تنفيذ غرامة عدم المشاركة، وهذا نوع من الإجبار في ممارسة حق ديمقراطي.
ويتابع عقيل، أنه على الدولة إما أن تكون جادة في تطبييق الغرامة، أو تستخدم مُحفزات لحث المواطن علي المشاركة، من خلال منافسة حقيقية وتوفير فرصة مناسبة للمواطن لكي يطلع على المرشحين وبرامجهم، موضحًا أن أمر مادة الغرامة بقانون مباشرة الحقوق السياسية غير دستوري من الأساس.
وبسؤال عقيل، عن هل طعن أحد على تلك المادة، أشار إلى أنه عند إثارة تلك المادة منذ سنوات لم يستخدم أحد طرق الطعن الثلاثة لأنها لم تطبق من الأساس وهي: “إما الدفع بالطعن على القانون وذلك حال تطبيق الغرامة على أحد وهذا لم يحدث مجرد تهديد، أو الإحالة من المحكمة الدستورية بعدم دستورية تلك المادة، أو التصدي لها عن طريق تقديم دعوى للمحكمة الدستورية”.