تبحث وزارة المالية حاليًا مقترحات بالاستفادة من مركبات الـ”توك توك” التي تمتلئ بها شوارع القاهرة والمحافظات، في ظل جدل داخل الحكومة ذاتها حول قدرة خطتها لاستبدال تلك المركبات بسيارات “فان صغيرة” في القضاء على تواجده، خاصة مع نشاطه في المناطق النائية والشعبية ذات الشوارع الضيقة.

مصدر بوزارة المالية، يقول إن ترك مركبات الـ”توك توك” بوضعها الحالي دون إخضاعها ضريبيًا، يضيع على الدولة ملايين الجنيهات، ومحاولة مواجهتها عبر المصادرة شبيه بوضع الرؤوس في الرمال، موضحًا أن الحل الأمثل يكمن في “شرعنة” عمل تلك المركبات، وتحقيق عائد سنوي من ترخيصها.

عدد المركبات المرخصة

ويُقدر عدد مركبات الـ”توك توك” في مصر، والتي ظهرت لأول مرة منذ عقد ونصف، بأكثر من 3 ملايين مركبة، 99 ألفا منها مرخصة وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، لكن دراسات مستقلة ورابطة قائدي مركبات الـ”توك توك”، ترفع العدد إلى قرابة خمسة ملايين.

ويضيف المصدر، أن كل مركبة “توك توك” يتم ترخصيها تتكلف إجماليًا حوالي 3 آلاف جنيه، موزعة بين طلبات تأمين بإجبالي بـ 107 جنيهات، وما يفيد سداد الضرائب المستحقة عليها، ومستند يفيد بسداد التأمينات على السائق بقيمة 500 جنيه مع 100 جنيه ملف ضريبي، وحال ترخيص هذه المركبات وعددها في المتوسط 3 ملايين، فالدولة ستحصل على عائد يتراوح بين 3 و9 مليارات جنيه، بما يعادل 6 مليارات في المتوسط.

وحال ترخيص جميع مركبات الـ”توك توك” في مصر، فإن الحكومة سترفع دخلها من غرامات سيره بالشوارع والميادين الرئيسية ما بين 3 إلى 5 آلاف جنيه، وعائد من غرامة تأخير الترخيص يصل إلى 2000 جنيه، ورسوم تراخيص سنوية لا تقل عن 200 جنيه، ما يضيف قرابة مليار جنيه سنويًا إلى خزينة الدولة، بجانب تقليل التكلفة الاقتصادية للحوادث التي تتسبب فيها قيادة تلك المركبات من قبل أطفال صغار.

حماية من المطاردة

ويبدي عدد كبير من سائقي الـ”توك توك” رغبتهم في الحصول على مظلة شرعية للعمل، تحميهم من المطاردة التي يتعرضون لها وخوفهم المستمر من مصادرة مصدر رزقهم، وفي الوقت ذاته القدرة على استعادة مركباتهم حال تعرضها للسرقة مثلهم مثل المركبات العادية.

ويقول نبيل عرفان، سائق “توك توك”، إن المركبة التي يعمل عليها هي العائل الوحيد له ولأسرته المكونة من أربعة أفراد بعد توقف عمله نجار مسلح في أعقاب سقوطه من أسطح إحدى العقارات وتعرض ذراعه لإصابة حالت دون عودته إلى العمل الشاق مجددًا.

ويضيف “عرفان” أن غالبية السائقين لديهم استعداد لدفع المبالغ التي تطلبها الدولة فإيراد مركباتهم جيد، لكنهم يرفضون خطط استبدالها بسيارات “فان” في ظل تكلفتها المرتفعة وعجزها عن تحمل ظروف العمل الشاق في شوارع القرى الترابية واحتياجها لصيانة مكلفة على عكس الـ”توك توك” الذي يمكن للسائق استبدال القطع المتضررة فيه بسهولة، والمصمم للطرق غير الممهدة والضيقة، وفق قوله.

انهيار الصناعة الحرفية

وتواجه مركبات الـ”توك توك” اتهامات من قبل أصحاب شركات القطاع الخاص، لا تتعلق بالعشوائية المرورية فقط، ولكن بأنها كانت سببًا في انهيار الصناعة الحرفية بمصر، بعدما هجر عمال المصانع الصغار العمل الشاق لصالح قيادة المركبة التي لا تتطلب مؤهلات ولا قدرات خاصة، كما أنه يحقق عائدًا ماليًا أعلى.

لكن وحيد محمود، سائق “توك توك”، يقول إن المشكلة في العائد الضعيف الذي يقدمه أصحاب المصانع للعاملين، وليس في الـ”توك توك” ذاته، فهو عمل لمدة 15 عامًا في صناعة النسيج بمصنع صغير في المحلة الكبرى، كان دخله الشهري لا يتجاوز 1700 جنيه، يستطيع تحقيق أضعافها في قيادة الـ”توك توك” دون أي تحكم من رب عمل أو إهانة.

حل في مواجهة البطالة

ويقول نادي عزام، الخبير الاقتصادي، إن مركبات “الـ”توك توك” تتضمن حلًا لمشكلة البطالة في مصر، فالمركبة الواحدة يعمل عليها اثنان في المتوسط، وتضم قطاعًا عريضًا من حملة المؤهلات العليا، وتعول عدة أسر بشكل كامل، أو تمثل وسيلة شرعية لتعزيز دخلها ومساعدتها على تحمل أعباء الحياة.

وتبنت الحكومة قبل أشهر مبادرة تتعلق باستبدال الـ”توك توك” بسيارات “ميني فان”، والتي تقل 6 أفراد وتم تكليف وزراء التنمية المحلية والمالية والصناعة والداخلية بالخطة، لكنها اصطدمت بحاجتها إلى تمويل ضخم حيث إن تكلفة السيارة “ميني فان” 120 ألف جنيه، ما يعني أن عملية الإحلال والاستبدال ستتكلف 360 مليار جنيه، وهو رقم ضخم لا تستطيع الموازنة تحمله في ظل تداعيات أزمة كورونا على الاقتصاد.

ويضيف “عزام” أنه حال الترخيص “التوك توك” فإنه “سيتم إلزامه بالسير في أماكن بعينها، وترقيمه ومعرفة سائقيه والحد من الفوضى المرورية التي يسببها، وكذلك استخدامه في عمليات السرقة والتحرش، وبالتالي المشكلة في عدم تقنين المركبة وليس في وجودها من الأساس بعدما أصبحت أمرًا واقعًا”.

وتظهر سلسلة من التصريحات الصادرة عن شركات السيارات استشعارها بعوائق أمام ترخيص الـ”توك توك”، حيث طالبت العديد من كبريات الشركات العاملة بالسوق بضرورة إدراجه في مبادرة تحويل المركبات للعمل بالغاز، حتى تَشمل المبادرة الجديدة جميع وسائل المواصلات في البلاد، لتقليل الضغط على ميزانية الدولة.

وأصبحت صناعة الـ”توك توك” شبه محلية حاليًا، فمكوناتها المحلية تصل إلى 65%، ولا تتجاوز المدخلات المستورة 35% مثل الموتور، ويبلغ حجم تلك الصناعة 10% من حجم الصناعات المغذية للمركبات والدراجات النارية والسيارات، وفقًا لغرفة الصناعات الهندسية.

ولاتزال مجموعة “غبور أوتو”، أكبر الشركات التي تعمل في تجميع مركبات “التوك توك” محليًا، وإحدى أكبر الشركات سدادًا للضرائب بمصر، تنتظر تطبيق القرار الحكومي لتقدير الضرر الواقع عليها حال تطبيق خطط استبدال الـ”توك توك”، في ظل امتلاكها مخزونًا كبيرًا من الإنتاج لديها.