يعتبر الكاريكاتير بالون اختبار مستوى للحريات الصحفية، فكلما اتسعت أفق النشر، عرفت الريشة طريقها إلى النقد والسخرية تلقائيًا، لتمارس النقد للقرارات الحكومية، وتقصف جبهة العادات المجتمعية الخاطئة، أو تفتح مجالاً للضحك والتنفيس من واقع الحياة الصعب.    

على مدار السنوات الأخيرة، شهد فن الكاريكاتير تراجعًا على المستوى الكمي بالمساحات المنشورة في الصحف التي انزوت إلى رسمة أو اثنتين في المتوسط داخل العدد الكامل مقابل 5 رسومات قبل سنوات قليلة، أو في النوع بعدما اختفى الكاريكاتير السياسي والاجتماعي، والاكتفاء بفن النكتة فقط وعلى مضض.   

واضطر أحد رسامي الكاريكاتير في صحيفة قومية، أخيرًا، إلى العمل كرسام بورتريه يقدم خدماته لمن يريد تحويل صوره التقليدية إلى رسم، بعدما تقلصت مساحات النشر في الصحف الخاصة، التي كان يعتبرها نشاطا مكملاً يدر عليه عائدا لتحسين دخله.   

يقول الشاب، الذي لم يكمل 35 عامًا، إن الكاريكاتير يتراجع بقوة بسبب سياسات مسئولي التحرير التي تمارس نظريات “حارس البوابة” وترفض نشر أي مضمون يتضمن نقدًا حتى لو كان لمسئول صغير في الحكومة، ما جعل العثور على فكرة صالحة للنشر أمرًا شبه مستحيل.    

 لا يختلف الأمر كثيًرا عند ميله له في الجريدة ذاتها يعمل حاليا في تصميم الجرافيك لصالح وكالة إعلانية ناشئة يقول إن المسئولين لديهم قصور في التعاطي مع فكرة الرسم الساخر والإفراط في إظهار العيوب البشرية ويعتبرونها سبة، على عكس المسئولين في الحكومات السابقة الذين كانت لديهم سعة كبيرة في الصدر.   

يضيف الرسام أن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي لديه نفس طول الدكتور أحمد نظيف تقريبا والأخير طالما ركز الرسامون على طول سيقانه في رسوماتهم دون امتعاض منه، لكن لا يجرأ أحد حالًيا على الاقتراب من وزير بالرسم حتى لو كان من قبيل النقد.   

  امتلك فن الكاريكاتير بقدرات كبيرة على التلون طوال تاريخه بمصر وقدرته على التحايل على قيود النشر أو التضييق لكن الأزمة التي تطوله حالًيا تمكن في عدم الاقتناع به من الأساس حتى لو تم اللجوء إلى الأساليب غير الملتوية لنشره التي توصل الفكرة بطريقة غير مباشرة.   

وأصبحت صفحات التواصل الاجتماعي حاليًا نافذة للرسامين للتعبير ولجأ بعضهم إلى توظيف “الكوميكس” بمعناه الدارج باقتطاع مشهد من أحد الأعمال السينمائية، وتغيير الحديث الأصلي إلى عبارات تتضمن سخرية لاذعة من القرارات الحكومية.  

   ويؤكد بعض الرسامين أن مشكلة الكاريكاتير حاليًا في عدم جرأة مسئولي النشر الذين لا يريدون التورط في مشكلات أو اختبار مجرى تقبل المسئولين، ويسيرون بمبدأ “الباب الذي يأتيك منه الريح.. اغلقه وأستريح”.  

 قرر الفنان التشكيلي محمد عبلة، الذي يملك متحفًا للكاريكاتير في قرية تونس بالفيوم، إنشاء مدرسة متخصصة لتعليم فن الرسم الساخر للصغار بمشاركة مجموعة من الرسامين المعروفين لحفظ فن، يتم تصنيفه كملكية مشتركة بين الصحافة والتشكل، فهو فن تشكيلي ومقال صحفي مرسوم في الوقت ذاته.  

يضيف عبلة أن الكاريكاتير يعتبر مرآة عاكسة للأوضاع السياسية والاجتماعية عبر فنان يمتلك حس الدعابة والقدرة على الإضحاك، ويعتبر أن حفظ رسومات الرسامين المصرين بالذات ضرورة باعتبارهم هم الذين أسسوا ذلك الرسم الساخر وتباروا فيه وطوروه طوال تاريخهم.  

  ترجع نشأة فن الكاريكاتير إلى الفراعنة الذين خطوه على البرديات وجدران المعابد كوسيلة للتنفيس عن الغضب أو الانتقاد المبطن، فالعمال استخدموه لانتقاد الملكة حتشبسوت لعدم منحهم الأجر والطعام الكافيين، ورسموا قطًا يخدم فأرًا يرتدي زي كبار الدولة، وأسدًا يلعب مع فريسته للسخرية من ضعف الملكة.  

يقول فنانو الكاريكاتير إن التعامل مع رسوماتهم يرتبط في المقام الأول بمدى انفتاح المسئول وإيمانه بأن العمل إبداعي لا يتعمد الإساءة وأنه طبيعته هجومية لا تخلو من المبالغة، وأنه يمكن لكل شخص فهمه حسبما يشاء، ومنهم من دخل في أزمات حادة بسبب سوء تأويل لرسوم لا يقصدها مثل عمرو سليم رسام “المصري اليوم”.    

قبيل ثورة يناير، دخل عمرو سليم في أزمة مع نواب برلمان 2010، حينما رسم صورة لمرشح برلماني في هيئة كل وأمامه اثنين من الناخبين في صورة قطط يتحدثان عن محاولته إقناعهما بأنه خير من يمثل عشيرتهم وأنه يتحدث بنفس لغتهم، رغم الاختلاف الواضح بين الطرفين.  

لكن الرسام عمرو عكاشة يقول إنه تعرض لموقف مغاير تمامًا حينما خاض حملة على وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي، وفوجئ بالوزير يستدعيه إلى مكتبه بالوزارة، ويبدي إعجاًبا بالرسوم التي يملك نسخًا منها، ودخلا معًا في نقاش تناول بعض الأخطاء التي وقع فيها الفنان على مستوى المعلومات وبعض النقاط التي أسيء فهمها. 

يتفق رسامو الكاريكاتير على أن المحاذير في عهد مبارك كانت الابتعاد عن نقد مبارك وعائلته وما يتعلق بالأديان بالنسبة للصحف الحكومية، وبالنسبة للصحف الخاصة كانت تكاد لا تذكر طالما أن الفكرة غير مباشرة، وكان رؤساء التحرير أكثر تقبلاً لدوره ولديهم قدرات أكبر على المناورة غير موجودة لكثير من الجيل الحالي.