“ممنوع للمطلقات منعا للإحراج.. الشقة متاحة للعائلات فقط”.. صدمت هذه العبارة “يسرا صبحي”، أثناء بحثها عن شقة للإيجار كي تعيش بها مع طفلتها بعد انفصالها عن زوجها، بالفعل عثرت على شقة مناسبة، في المكان والسعر والمواصفات التي تريدها، وفي نهاية الإعلان قرأت تلك الجملة التي أثارت حفيظتها، وجعلتها تهاتف صاحب الإعلان تسأله عن السبب.
مضايقات واستغلال
اتصلت “يسرا”، بصاحب الإعلان الذي ترك رقمه مع الإعلان المدون عبر شبكة الإنترنت، وسألته عن رفضه للمطلقات عند تأجير الشقة: “الراجل رد عليا وقالي هو حضرتك متطلقة فقلت له لأ كنت عاوزة أجيب آخره، فقالي طيب يا مدام وبتسألي ليه ما أنتي عارفة إن كلهم سمعتهم وحشة، أنا هنا تنحت ومبقتش عارفة أقوله إيه، بس قلت له إن مش كلهم ولا حاجة، وفي ستات متجوزة برضه سمعتهم وحشة، فرد وقالي بس المتجوزة ليها راجل تتكلمي معاه، لكن المطلقة مين كبيرها”، أغلقت الخط، وحلت عليها الصدمة: “أنا قعدت أسأل نفسي، هو بجد ليه أنا ممكن يتبص لي كده، وليه ممكن حد يقرر يصنفني من غير ما يعرفني أصلا أو يعرف ظروفي”.
الصدمة التي حدثت لـ”يسرا”، تعيشها العديد من السيدات المطلقات عند رحلة البحث عن شقة، فهناك العديد من مالكي العقارات يرفضون تسكين السيدات المطلقات، كما أن عددًا منهن يتعرضن لمضايقات قد تصل للاستغلال بسبب كونهن مطلقات.
“يسرا” ظلت تبحث عن شقة لتسكن بها مع طفلتها الصغرى بعد انفصالها عن زوجها، حتى وجدت شقة مناسبة بعد وقت طويل من البحث، وقالت لصاحبتها إنها منفصلة عن والد ابنتها، فطلبت منها السيدة ألا يحضر إليها رجال، والحفاظ على الشقة: “طلبت مني إنه ميجيليش رجالة وأنا طبعا الكلمة وجعتني أوي وحسيت إنها تعدي على خصوصيتي ولو ست متجوزة مش هتقولها كده”، وأصرت على عدم إخفاء طلاقها عن المحيطين بها، على عكس “عبلة عبد الله”، التي قررت التستر على الأمر وإنكاره واستبداله بعبارة “جوزي مسافر”.
إخفاء الانفصال
“عبلة” تبلغ من العمر 33 عاما، تعمل بإحدى الصحف المصرية، قررت الانفصال عن زوجها، بعد 6 سنوات من الزواج، ومع قرار الانفصال قررت عدم إبلاغ زملائها في العمل بالخبر: “قررت إني مش هقول لأصحابي في الشغل، علشان يفضلوا يعاملوني زي ما أنا، لو قلت إني اتطلقت عارفة اللي هيحصل يا الستات هتخاف على إجوازها مني أو الرجالة هتحاول تقرب مني بزيادة، وأنا عاوزة أفضل في حالي الناس تحترمني زي منا، فأنا فضلت لابسة الدبلة، ومقلتش لحد حاجة”.
بدأت “عبلة”، رحلة البحث عن شقة جديدة، للانتقال للإقامة بها مع طفليها، وقررت أيضا إخبار مالكي العمارات، والسماسرة أن زوجها مسافرًا للعمل بالخارج، وستسكن هي وطفليها في الشقة لحين قدومه: “السماسرة بقوا بيتعاملوا معايا على إني غنية وجوزي في الخليج، وأصحاب الشقق كمان، بس ده كان أرحم من إن هما يستغلوني، أو ميرضوش يأجروا لي الشقة، وأنا وعيالي نتبهدل”.
نساء سيئات السمعة
ترى كل من “يسرا”، و”عبلة”، أن المجتمع ينظر للمطلقات على أنهن نساء “سيئات السمعة”، بالرغم من أن الطلاق هو من الأمور التي حللها الله عند استحالة العشرة بين الزوجين، ولا يعني أن أحدهما شخص فاسد أو منحل، ولكن من الممكن أن يكون شخص جيد، ولكن لم يحدث بينه وبين الشخص الآخر توافق، وفقا للدكتورة هناء أبو شهبة، أستاذ علم الاجتماع والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر، التي أوضحت أن هذا الأمر هو موروث ثقافي، يحتاج إلى بذل مجهود كبير لمحوه.
وأضافت أن وسائل الإعلام عليها دور كبير في تسليط الضوء على السيدات المطلقات، وعلى المعاناة التي يعشن فيها، والضغوط اللاتي يتعرضن لها، وتصحيح الصورة الخاطئة عن المطلقات، وأنهن نساء يمكنهن بداية حياة جديدة مع شريك جديد، ولا يعني الطلاق نهاية الحياة، أو أنهن نساء سيئات السمعة، كما أنه يجب التأكيد على أن السيدة المطلفة ليست موصومة أو مذنبة أيضًا.
ضغوط الأهل
الضغوط التي تعرضت لها “يسرا”، و”عبلة” كانت خارجية، ولكن الضغوط التي تتعرض لها “سماح السيد”، التي تبلغ من العمر 39 عامًا، جاءت من الأسرة، التي عادت تتعامل معها وكأنها قاصر من جديد بحسب قولها: “قررت الانفصال عن جوزي من سنة، ومعايا منه 3 أطفال، بعد استحالة العشرة بينا، وللأسف المشاكل اللي بدأت مع الجواز مستمرة لحد دلوقتي ورافض يدفع مصاريف الولاد أو النفقة، فلقيت نفسي بحارب علشان أجيب مصاريف ولادي، وبحارب كمان علشان أثبت لأهلي إني مش قاصر ومفيش حته مني نقصت لما اتطلقت”.
طلبت أسرة “سماح”، الإقامة معها، وبدأ والداها وشقيقها في فرض ما وصفته بالقيود عليها: “أهلي أصروا ييجوا يعيشوا معايا عشان كلام الناس، وأنا فعلا كنت محتاجة أكون مع ولادي لوحدي، بس رفضوا وقالوا مينفعش تقعدي لوحدك، ولما أقولهم أنا مش طفلة أنا عندي 39 سنة، يقولوا لي بس متطلقة، وكأن الطلاق ده وصمة عار”.
تدخلات في الحياة، وفي الملابس، وفي مواعيد الخروج تعيشها “سماح” مع أسرتها: “أخويا الأصغر مني بقى بيقولوا متلبسيش ضيق علشان الناس متبصش عليكي وأنتي ماشية، ولو خرجت أشتري حاجة بابا يحدد لي ميعاد أرجع فيه، ولما اتكلم معاهم يقولوا انت متطلقة وكلام الناس، وفعلا مبقتش عارفة أحارب أيه ولا أيه أحارب أبو ولادي علشان حقوقهم، ولا أحارب أفكار أقرب الناس ليا اللي قرروا فرض وصاية عليا لمجرد إني اتطلقت”.
السينما المصرية والدراما، قدمت العديد من الأعمال التي تبرز معاناة المرأة المطلقة، والتي كان آخرها مسلسل “ونحب تاني ليه”، الذي عرض في شهر رمضان الماضي، وكان يتحدث عن الضغوط التي تتعرض لها المطلقات، بداية من مضايقات الرجال المحيطين بها سواء في العمل أو المحيط الأسري، وأشار المسلسل إلى أن تلك الضغوط تتعرض لها أبناء الطبقة الثرية أيضًا، كما جسدت بطلة المسلسل ياسمين عبد العزيز.
وفي السينما قدمت سيدة الشاشة العربية، فاتن حمامة، فيلم “أريد حلا”، عام 1975، لمناقشة المشاكل التي تتعرض لها السيدة عند الطلاق، ويبدو أن المرأة المطلقة تعاني من مشاكل عدة منذ عشرات السنوات، كما قدمت أيضًا الفنانة شمس البارودي، فيلم “المطلقات”، الذي سلط الضوء على معاناتهن، وأيضًا تحكم الأهل فيهن، ونظرة المحيطين لهن، وما تتعرض له المطلقة من مشاكل وأزمات نفسية.
عبء اجتماعي
الدكتور عادل عامر، المتخصص في الشأن القانوني وخبير في القانون العام ورئيس مركز المصريين للدراسات، يقول في كتابه “المرأة عبء اجتماعي”، إن المرأة المطلقة تتعرض لضغوط من أسرتها ومن المجتمع أيضًا، فمشكلة المجتمع أنه ينظر للمطلقة على أنها امرأة غير مسؤولة وتفكر في ذاتها فقط أكثر من أبنائها، وربما تكون امرأة لعوب وغير جديرة بالاحترام، وما إلى ذلك من صفات، فهي نظرة مشينة وسلبية، وجميعها أمور غير صحيحة، كما تواجه المرأة مشاكل أيضًا عند تفكيرها في الزواج مرة أخرى، فيرى المجتمع أنه من الأجدر العودة لزوجها القديم، بدلا من إقامة حياة جديدة.
“عامر”، يرى أن تلك الموروثات المجتمعية غير الصحيحة في حاجة للتغير، فلابد من تغيير عبارة “ضل راجل ولا ضل حيطة”، وهي عبارة مجتمعية، مرتبطة بالموروثات التي تحتاج إلى تغيير، حتى تتخطى المرأة المطلقة تلك العقبات، وتُعامل على أنها سيدة عادية، لها نفس الحقوق والواجبات، مثلها مثل باقي السيدات.