تعد “كلية العلوم” من أكثر الكليات غير المطلوبة في مصر رغم أهميتها ومكانتها في الدول المتقدمة، مجموعة من الأسباب والمشكلات أحاطت بتلك الكلية جعلتها دائما تتذيل قائمة اهتمام الطلاب الذين يتقدمون لملء استمارة الرغبات بعد نتيجة الثانوية العامة.

ما بين افتقارها لاحتياجات سوق العمل وموادها التي تتسم بالصعوبة، وتراجع دور البحث العلمي والتصنيع والتطور التكنولوجي في مصر، تتعدد الأسباب التي تجعل الطلاب غير مقبلين على هذه الكلية، وفي الأغلب يلجأ إليها الطالب بعدما تفشل محاولاته في الالتحاق بكليات القمة من طب أو هندسة أو صيدلية أو ما شابه.

كلية العلوم

في العام الأول من الالتحاق بالكلية، ترى الآلاف الذين لم يحالفهم الحظ في الالتحاق بكليات القمة، يملئون مدرجات كلية العلوم، لكن مع بداية العام الثاني لنفس الدفعة قد تتفاجأ بأن الكثير قد أقدم على ترك الكلية والبحث عن غيرها عبر التحويل، نظر لصعوبة المواد التعليمية في مقابل سوق العمل الذي لا توفره كلية العلوم سوى في تخصصات معينة أبرزها التدريس وشركات الأدوية “مندوب مبيعات”، ومعامل التحاليل، حتى الذين حالفهم الحظ وتم تعينهم بالكلية لم يستطيعوا أن يصمدوا في مسيرة العلم والبحث العلمي وخاصة مع تدني المرتبات.

يروي الدكتور محمد همام، أستاذ الفيزياء بكلية العلوم جامعة أسيوط، تجربته قائلا:” تم تعيني في كلية العلوم عام 2014، ومن ثم اتجهت لعمل الماجستير والدكتوراه اللذان استغرقا ما يقرب من 14 عاما، وخلال تلك الفترة كانت طاقتي في التعليم والبحث قد استنفذت”.

وأضاف:” أثناء فترة الدكتوراه قمت بتصنيع عددا من الأجهزة الهامة كان من بينها “سيميوليتور-وهو جهاز محاكي لأشعة الشمس” وهو جهاز يستطيع من خلاله الحصول على طيف مماثل لطيف أشعة الشمس، وغيره من الأجهزة واستمريت في كتابة المقالات البحثية على الكثير من الموضوعات كان من بينها نظرية تحليل حراري ونشرت أبحاث عنها في مجلات انترناشونال، وتم قبولها كمرجع وطبقت في كثير من الأبحاث”.

أستاذ جامعى: تفرغت للتدريس في الكلية وقمت بفتح محل للمأكولات الجاهزة من أجل رفع العائد المادي

وتابع:” لكن مع الأسف بعد كل هذا تفرغت للتدريس في الكلية فقط، وقمت بفتح محل للمأكولات الجاهزة من أجل رفع العائد المادي الذي لا يتعدى 6 آلاف جنيه بعد 15 عاما من الدراسة والبحث والعمل”.

ويضيف أستاذ كلية العلوم في جامعة أسيوط: “شغفي قد انتهي بالبحث والمعرفة، خاصة أن سوق العمل في مصر لا يتفهم هذا، فمجال البحث والتطوير في مصر معطل منذ سنوات طويلة”.

وأنهى أستاذ كلية العلوم في جامعة أسيوط حديثه قائلًا: “قليل جدا من الشركات الموجود في مصر يقومون بعمل أبحاث لتطوير منتجاتها، والأغلبية العظمى يقومون باستيراد التكنولوجيا من الخارج، رغم أن التطور والبحث وظائف خريجي كلية العلوم، لكن الشركات تلجأ لاستيراد التكنولوجيا نظرا لقلة التكلفة لأن البحث والتطور تكلفته باهظة، بالإضافة إلى عدم الثقة في جريجي كلية العلوم نظرا لضعف مستواهم العلمي”.

يعاني خريجي كلية العلوم في الوطن العربي، من شبح البطالة رغم أن وظائفها تُعتبر من أفضل الوظائف في الولايات المتحدة الأمريكية، والعديد من الدول الأوربية، ليس فقط لأجرها العالي، بل لكونها أيضا واحدة من الوظائف التي تكفل التطور والترقية السريعة، وتفتح مجالات علمية وبحثية واسعة للحاصل على درجة علمية عليا في تخصصات هذه الكلية.

نصيب العالم العربي من المنشورات العلمية فقد بلغ 29944 بحثاً منشوراً في عام 2014

الانفاق على البحث العلمي

وفي تقرير العلوم لليونسكو في نسخته الأخيرة في الذي أصدر في نوفمبر 2015، أفاد بأن نسبة الانفاق المحلي الإجمالي للدول العربية كلها على البحث والتطوير بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي لا تزال واهية جداً. فعام 2013 لم تبلغ هذه النسبة واحداً في المئة من الإنفاق المحلي الإجمالي العالمي إلا بعد جهد بالغ. أي ما مجموعه 15 مليار دولار من أصل إنفاق عالمي بلغ 1477 مليار دولار.

ورغم أن عدد الباحثين في البلدان العربية كلها قد شهد ارتفاعاً من 122900 باحث عام 2007 إلى 149500 باحث عام 2013، لكن نسبتهم من عدد الباحثين في العالم بقيت نفسها أي 1.9%. بينما بلغ عدد السكان العرب 358 مليون نسمة في السنة نفسها، أي نحو خمسة بالمئة من سكان العالم.

أما نصيب العالم العربي من المنشورات العلمية فقد بلغ 29944 بحثاً منشوراً في عام 2014، لكن هذه النسبة لم تتجاوز 2.45% عالمياً. كما بلغ عدد المنشورات العلمية نسبة إلى كل مليون نسمة 82 بحثاً عام 2013، لكنه ظل أقل من نصف المعدل العالمي البالغ 176 بحثاً منشوراً لكل مليون نسمة.

البحث العلمي

وفي تصريحات صحفية قال فهد العرابي الحارثي، مدير مركز إسبار للدراسات والبحوث والإعلام، إن “عدم الاهتمام بالبحث العلمي والعلم والتعليم هو أهم أسباب الانهيار الشامل الذي يعيشه الوطن العربي اليوم، وكل الحروب والجهل والانهيارات التنموية”. مشيرا إلى أن “إسرائيل بنت قوتها بسبب أنها تخصص أكثر من 3 بالمئة من دخلها القومي لتنمية مجالات البحث العلمي في حين لا تتجاوز مخصصات العالم العربي واحد في الألف من الدخل القومي وأحيانا تذهب 80 بالمئة من ميزانيات مراكز البحوث كرواتب للعاملين بها”.

من الكلية إلى مندوبة مبيعات

ترى آية محمد، خريجة كلية العلوم جامعة عين شمس، تعمل حاليًا مندوبة مبيعات في إحدى شركات أدوات التجميل، “أن هناك أقسام عديدة داخل كلية العلوم تفتقر ربطها بسوق العمل رغم أهميتها، لذلك يلجأ الكثيرون داخل الكلية إلى الالحاق بقسم الكمياء على أمل الحصول على فرصة عمل بعد التخرج سواء في معمل تحاليل أو شركات الأدوية أو شركات أدوات التجميل”.

وتتابع قائلة: “لكن أجواء فترة الدراسة في كلية العلوم نفسها منفرة نظرا لقسوة تعامل المعيدين والدكاترة مع الطلبة، وصعوبة المواد، لكن خريجي الكيمياء أيضا يقابلهم أزمة مهمة بعد التخرج وهو أنه ليس من حقه فتح معمل تحاليل باسمه وفقا للقانون، الذي يشترط بعمل دبلومة عقب التخرج حتى يصرح للكيميائي فتح معمل تحاليل باسمه”.

وأضافت أن هناك تدني في رواتب خريجي كليات العلوم، الأمر الذي يدفعهم للعمل داخل شركات الأدوية كمندوبين مبيعات بحثا عن العائد المادي.

خريجو كلية العلوم

في يوليو من العام الماضي، تصدر هاشتاج #علوم_بتطالب_بحقوقها قائمة الأعلى تداولا على موقع التواصل الاجتماعي تويتر في مصر، حيث اقترب عدد التغريدات أكثر من 200 ألف تغريده.

جاءت تلك الخطوة من خريجي وطلاب، كلية العلوم، في محاولة منهم للتعبير عن مطالبهم، والتي انحصرت من خلال المنشورات بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر” بين “إنشاء ورش عمل للبيولوجيين في المصانع الحكومية والمستشفيات-بالإضافة إلى تحديث بطاقات الوصف الوظيفي، الإشراف العلمي على المعامل”.

كما طالبوا خلال منشوراتهم عبر صفحاتهم بموقع التواصل الاجتماعي ” تويتر”، بتكليف العلميين كل على حسب قسمه، وإنشاء إدارة علمية بوزارة الصحة، وإصدار قانون لمعاقبة كل من يتعدى على المهن العلمية كما أن العلوم الأساسية مقتصرة فقط على العلميين، بالإضافة إلي زيادة سنة تدريبية تكافئ سنة”.