تسبب انفجار مرفأ بيروت، الذي وقع في الرابع من شهر أغسطس الجاري، في تدمير منشآت عدة بالعاصمة اللبنانية، وكان للقطاع التربوي النصيب الأكبر من تلك الخسائر، حيث ألحق الانفجار دمارًا جزئيًا أو شاملًا بنحو 70 مدرسة حكومية و50 مدرسة خاصة في المدينة وضواحيها، بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”.
ووفقًا لآخر تقرير أصدرته منظمة “اليونسكو”، فإن الدمار الذي لحق بالمرافق التعليمية يهدد بتعطيل العام الدراسي الجديد، وحرمان نحو 55 ألف طالب وطالبة من اللبنانيين وغير اللبنانيين من الحق في التعليم.
وأصدر وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال، طارق المجذوب، بيانًا أعلن فيه بدء العام الدراسي 2020 – 2021، ابتداء من الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر بشكل تدريجي، واعتماد التعليم المدمج الذي يجمع بين الحضوري وعن بُعد، وتقييم الوضع الصحي بعد ثلاثة أسابيع، وفي حال كان أسوأ فإن الاتجاه سيكون للتعلم عن بعد.
شرط استمرار العملية التعليمية
مدير مكتب “اليونسكو” الإقليمي للتربية في الدول العربية، الدكتور حمد بن سيف الهمامي، قال في بيان إنه قد بحث مع مسؤولين لبنانيين احتياجات القطاع التربوي ما بعد الانفجار.
“الهمامي”، ذكر أن إعادة تأهيل المدارس المتضررة من انفجار بيروت هي أحد الشروط الأساسية لضمان استمرار التعليم الابتدائي والثانوي، كما أنها تساهم في تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، أي حصول الطلاب على التعليم الجيّد، المنصف والشامل للجميع، وذلك حتى في أوقات الأزمات التي قد تؤدي إلى تعطيل خدمات التعليم.
وأكد مدير مكتب اليونسكو، أنه بناء على طلب وزير التربية، ستتكفل المنظمة الأممية، بإعادة تأهيل المدارس المتضررة من الانفجار كما ستقوم بتنسيق جهود الشركاء التربويين والجهات المانحة في هذا السياق، بتقديم الدعم الفني والمادي لوزارة التربية والتعليم العالي في لبنان، بهدف تطوير التعليم عن بُعد وضمان توافر وسائل التكنولوجيا الحديثة لجميع الطلاب، ليتمكنوا من استكمال الدراسة، نظرًا لإمكانية تبني التعليم عن بعد بسبب جائحة فيروس كورونا والأزمة المترتبة على تفجير بيروت.
وأوضح أن الدعم المقدم من اليونسكو سينقسم إلى جزأين، الأول هدفه ضمان وصول جميع الطلاب للتعليم عن بعد من خلال توفير أجهزة إلكترونية وموارد تعليمية رقمية لجميع الطلاب، والثاني هدفه ضمان جودة التعليم عن بعد من خلال تقديم الدعم التقني والفني لواضعي السياسات التربوية ومطوّري المناهج والمعلمين لتطوير برامج التعليم عن بعد.
فاتورة الإصلاح
وزير التعليم اللبناني، أشار إلى أن الوضع الحالي تعطلت معه القدرة على نهوض المؤسسات التعليمية مجددًا بقواها الذاتية، خصوصًا مع الأزمة الاقتصادية العنيفة التي يمر بها لبنان وتحول أكثر من نصف الشعب إلى فقراء.
وأوضح الوزير خلال المؤتمر الذي جمعه بمندوبي “اليونسكو” أمس، لمناقشة أوضاع القطاع التعليمي في لبنان، أن نحو 90 ألف طالب تعطلت دراستهم نتيجة انفجار ميناء بيروت البحري، وأُصيبت 30 مدرسة بأضرار جسيمة، كما أصيب ما يزيد عن 160 مدرسة بأضرار متوسطة، مشيرًا إلى أن احتياجات لبنان كثيرة وتشمل تجهيزات إلكترونية وأجهزة كمبيوتر محمولة لتطبيق التعليم المدمج أو التعلم عن بعد.
وأكد الوزير أن تكاليف الأضرار التي قدرت بصورة أولية لإعمار المباني المدرسية تقارب 22 مليون دولار، دون النظر إلى ما ستتكلفه الأجهزة الإلكترونية.
أوضاع متردية
لم يكن انفجار مرفأ بيروت هو ما تسبب في أزمات خانقة لقطاع التعليم فقط، بل كان لانتشار فيروس كورونا نصيب في انهياره، حيث قال اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة في لبنان في بيان حول انفجار مرفأ بيروت، “إنه في الوقت الذي كانوا ينتظرون فيه نجاح المبادرات لمعالجة الأوضاع الاقتصادية المتردية، والحلول المناسبة لمواجهة خطر انتشار الوباء العالمي، والتحديات التي تواجهها المدارس الخاصة، وفي مطلع الشهر المفصلي الذي كانوا يأملون فيه وضوح الرؤية حول البروتوكول الصحي التربوي الذي وعدت وزارة التربية الوطنية به، وإمكان العودة إلى المدارس في شهر سبتمبر المقبل، دوى الانفجار الكارثي في بيروت ليعلن واقعًا مأسويًا جديدًا في البلاد”.
عبر اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة في لبنان، عن الصدمة التي أصابت الوطن وشعبه ومؤسساته، وألقت بثقلها على القطاع التربوي كذلك، بما أصابت من مدارس وما أحدثت من ألم وما خلفت من خراب، وطالب المجتمع الدولي المتعاطف مع لبنان بإعادة الروح إلى التعليم الخاص لتمكينه من الاستمرار في أداء رسالته والمساهمة في إنقاذ الأجيال وإعادة بناء الوطن.
الكهرباء والإنترنت
فادي عكوم، الباحث في الشأن اللبناني، قال إن قرار عودة المدارس اعتمادًا على نظام التعليم المدمج غير سليم في الفترة الحالية، مؤكدًا أنه لا يمكن للبنان تأمين خدمة الإنترنت للطلاب مجانًا والسعي إلى تأمين الكهرباء بصورة أفضل، لكي تنجح عملية التعليم بشقيها المدمج أو عن بعد، خاصًة بعد إضافة أعداد جديدة من التلاميذ في المدارس والمعاهد الفنية الرسمية.
وأضاف “عكوم”، أنه حتى المساعدات الخارجية لن تفي بتجهيزات مئات آلاف الطلاب، ولا تأمين خدمة الإنترنت أو تحسين التغذية الكهربائية، في بلد عجز شعبه عن تحقيق هذين المطلبين البديهيين ودفع دماء وأرواح لأجلهما منذ 17 أكتوبر 2019، بالإضافة إلى خطورة تفشي كورونا بين الطلبة.
“يشهد لبنان أزمة اقتصادية منذ أشهر بسبب تراكم الديون العامة التي وصلت بنهاية أبريل الماضي إلى نحو 93 مليار دولار، أي أكثر من 170 في المئة من الناتج المحلي الإجمالين وانهيار الليرة اللبنانية بأكثر من 80 في المئة من قيمتها أمام الدولار الأمريكي في شهور قليلة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بأكثر من 3 أضعاف”.
“عكوم”، اختتم حديثه مؤكدًا أن قدرة المواطنين الشرائية باتت معدومة، عقب تقهقر قيمة رواتبهم لأكثر من 70 في المئة، لذا أغلبهم يعجزون عن شراء الألواح الذكية لأبنائهم، التي لا يقل سعر الواحدة منها عن 200 دولار أمريكي، وكذا شراء الكتب المدرسية.