تسعى الدولة خلال الفترة المقبلة للانتهاء من مشروع “الرقمنة” في مختلف جهاتها الحكومية، وتباينت الآراء حول القدرة على تنفيذه وعوائده المباشرة على المواطنين، ولكنها اتفقت جميعًا على قدرته على محاصرة الفساد في الجهات الحكومية والمحليات، فضلًا عن تفعيل الشفافية وتسهيل إجراءات الحوكمة الأشمل والأعم في إدارة شؤون الدولة بما يدعم وجود نُظم شفافة وواضحة تحكم إجراءات العمل وتحقق العدالة.

ماهي الرقمنة؟

“الرقمنة” هي أحد المفاهيم الاقتصادية التي طفت على السطح مؤخرًا، وتُعد من أولوية أعمال الحكومة والتي سخرت لها مختلف أدوات الدولة الممكنة لتحقيقها وهي عبارة عن إجراء تغييرات جذرية في الإجراءات من خلال تطبيق التحول الرقمي ومن ثم تحويل كامل المعاملات والخدمات الى التقنيات الرقمية.

“تحويل المجتمع إلى المنظومة الرقمية يعنى أن كل الأمور والمعاملات المخفية ستظهر على سجلات إلكترونية”.. الدكتور شريف الدمرداش الخبير الاقتصادي

محاربة الفساد

يقول الدكتور شريف الدمرداش الخبير الاقتصادي، إن الميكنة والرقمنة هي أدوات الوصول للحوكمة والتي تساعد على تنفيذ المبدأ العام، مؤكدًا أن أحد أهم فوائد الرقمنة تتمثل في محاصرة الفساد فمن المعروف أنه كلما تم العمل على تقليل العنصر البشري في المعاملات يقل في المقابل حجم الفساد ويتم التوجه في مسار الحوكمة والشفافية وتحقيق العدالة في إحدى صورها.

ويضيف أن تحويل المجتمع إلى المنظومة الرقمية يعنى أن كل الأمور والمعاملات المخفية ستظهر على سجلات إلكترونية وبالتالي يتضح من أين تكونت وتتكون الثروات، حيث تسيطر الحوكمة على جميع نواحي الحياة، وهو الأمر الذي سيساهم في اتضاح البيانات بشكل أكبر أمام أجهزة الدولة المحاسباتية والتي تأتى على رأسها الضرائب.

ويلفت إلى أن ما يجب ألا يتم إغفاله عند مناقشة عوائد الرقمنة، هو أن الإصلاح الحقيقي يتطلب إصلاح البشر أنفسهم، لأنه ومهما تم تقليل عددهم فالفاسد سيعمل على إفساد أي منظومة مهما كانت مفيدة ومحكومة بضوابط، ورغم ذلك فإن الرقمنة ستساهم بشكل كبير في تقليل حجم الفساد، مضيفًا أن المجتمع فيه نحو 30 مليون شخص تستطيع الرقمنة أن تحد من فسادهم وتكشف معاملاتهم الخفية وهو ما ستتحقق من ورائه أكبر فائدة ممكنة وهى تقليص الفساد وتحجيمه”.

“الرقمنة مفهوم عالمي عظيم، ولكن أكثر ما يُقلق بشأنها هو التعامل معها بعشوائية”.. وائل النحاس الخبير الاقتصادي

أكبر المخاوف

وائل النحاس الخبير الاقتصادي، يؤكد “أن الرقمنة مفهوم عالمي عظيم، ولكن أكثر ما يُقلق بشأنها هو التعامل معها بعشوائية لأن النتيجة ستكون مخيفة، فحتى الآن لازالت الجهات الحكومية تطلب مستندات وأوراق أثناء المعاملات والمقلق أن يتم التعامل معها على غرار الميكنة فنجد أنه رغم وجود الكمبيوتر في مختلف المصالح الحكومية  التي تتعامل مع المواطنين إلا أن الراغب في إتمام معاملة ما كثيرًا ما يسمع عن البرينتر بايظ، السيستم واقع، وكذلك الرقمنة فالمستهدف هو التمكن من إتمام كل ما قد يحتاج إليه المواطن فقط باستخدام بطاقته الشخصية دون الذهاب إلى أي جهة لاستخراج أوراق وإتمام إجراءات إضافية”.

ويضيف أن “الاعتماد على الرقمنة يتطلب أيضًا استعداد تقني للاجتياح الفيروسي الإلكتروني المقبل، لأن وجود جميع البيانات على الشبكة العملاقة يعرضها لمخاطر قد لا نتمكن من مواجهتها في حال عدم دراسة الأمر، حتى يصبح دائمًا وغير مهدد في أي لحظة مع التطور التكنولوجي الكبير الذي يسيطر على العالم”.

ويقول إن “أحد الحلول أن يتم إنشاء خط ربط موحد عازل عن شبكة الإنترنت العادي داخل الدولة، وهو ما يشكل حماية حقيقية للبيانات ويؤمن عملية الرقمنة المرتقبة في مختلف قطاعات الدولة”.

ويؤكد “النحاس” أن للرقمنة العديد من الفوائد، فبالإضافة إلى الشمول المالي وتأهيل العاملين معها على استخدام التكنولوجيا تستطيع الرقمنة أن تجعل متخذ القرار يستند على أسس سليمة ويتمكن بشكل أكثر وضوحًا من اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب”.

ويلفت أيضًا إلى أن “أهم فوائد الرقمنة تتمثل في تحقيق أكبر استفادة للمواطن من موارد الدولة، وستتمكن من القضاء على الفساد بمختلف أنواعه، كما سينتج عنها الرضاء من مقدم الخدمة ومتلقيها وتزول معها جميع المشاكل التي يتم رؤيتها في القطاعات الحكومية التي تقدم خدمة للجمهور، فضلا عن توفير الوقت الناتج عن البيروقراطية وإنجاز مختلف الخدمات في وقت قياسي”.

“جاري العمل على ربط 5300 مبنى حكومي بشبكة الألياف الضوئية”.. وزير الاتصالات

4 خدمات حكومية

الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أكد أن الدولة ستتيح 4 حزم من الخدمات الحكومية الرقمية وهي ” خدمات المرور، والتوثيق والدعاوى القضائية، والتموين، والاستثمار”، وتتضمن 36 خدمة حكومية رقمية في جميع أنحاء الجمهورية، من خلال بوابة الحكومة الإلكترونية ومكاتب البريد وتطبيقات الهاتف المحمول وسيتم العمل التجريبي بها قبل نهاية الشهر الجاري في جميع المحافظات.

وأضاف في تصريحات صحفية، أن أبرز مشاريع التحول الرقمي هي ميكنة التأمين الصحي الشامل وذلك في إطار التعاون مع وزارة الصحة، ومنظومة إنقاذ القانون بالتعاون مع وزارة العدل، فضلًا عن التوجه للتحول الرقمي في الجامعات بالتعاون مع وزارة التعليم العالي.

وقال إن هناك نحو 5300 مبنى حكومي جاري العمل على ربطها من خلال شبكة الألياف الضوئية ضمن خطة الحكومة لربط المباني الحكومية والتي يُقدر عددها بـ 32 ألف مبنى في جميع أنحاء الجمهورية خلال عامين وتم رصد تكلفة لإتمام عملية الربط تُقدر بنحو 6 مليار جنيه لتقديم خدمة رقمية مميزة دون الاعتماد على شبكة الإنترنت.