رغم التغير الواضح في السياسة الإقليمية وديناميكيتها، لكن لا شك في تأثير اتفاقية تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات وإسرائيل في المناخ السياسي بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفتحها عددًا من السيناريوهات الجديدة في المنطقة.
وبحسب دراسة صادرة عن المعهد الإيطالي للدراسات السياسية والدولية (ISPI)، فإن الاتفاق قادر على إحداث تغييرات في “الاصطفافات” الإقليمية، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات بين إسرائيل والدول العربية في الشرق الأوسط الكبير.
خطوات مماثلة
الدراسة استعرضت محاور الاتفاقية، مؤكدة أنه بالإضافة إلى تبادل السفراء، فقد تم توقيع بروتوكولات ثنائية مهمة على مستوى التجارة الدولية والبحرية والأمن والسياحة والتكنولوجيا والاتصالات، كذلك في قطاعات الزراعة والدفاع والصحة والطاقة.
وأكدت الدراسة أن الاتفاق قادر على إحداث تغييرات في الاصطفافات الإقليمية، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات بين إسرائيل والدول العربية في الشرق الأوسط الكبير، ومن المرجح أن تقود الاتفاقية الأعضاء الآخرين في مجلس التعاون الخليجي (البحرين في المقام الأول، في حين أن التطبيع مع السعودية أقل معقولية على المدى القصير) والجهات العربية الإفريقية (السودان والمغرب) لتبني حلول مماثلة، ولكن دون الإخلال بالنماذج الإقليمية للصراع والتعاون التي حددتها بالفعل خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015.
ليس وليد الصدفة
تعود المحاولات الأولى للتقارب والتعاون غير الرسمي بين الإسرائيليين والجهات الفاعلة في الخليج العربي إلى سنوات المفاوضات النووية “الصفقة الإيرانية”، لدرجة أن بعض المعلقين السياسيين ظلوا في حالة ذهول أثناء الاجتماع العام الذي نظمه مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن (يونيو 2015) نتيجة مناقشة الجنرال السعودي أنور عشقي والسفير الإسرائيلي لتحديات وتهديدات مستقبل الشرق الأوسط ، فالاتفاق مع الإمارات لا يمثل عاملاً جديدًا مطلقًا ، لأن العلاقات الثنائية بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة متينة بشكل غير رسمي لمدة عقد على الأقل ، كما أن التقارب التكتيكي والاستراتيجي بين البلدين متساوٍ.
وهناك اتفاق إماراتي – إسرائيلي في عدد من الملفات الإقليمية، كمعاداة ايران وتشكيل جبهة معادية لتركيا وكذلك حساسية الدولتين تجاه الإسلام السياسي، ومع ذلك، فإن الاتفاقية تقدم سلسلة من الآثار والنتائج مقسمة في مجموعات متتالية، مما يؤثر على أبعاد متعددة والتي تأتي في مقدمتها عملية السلام في الشرق الأوسط .
القضية الفلسطينية
على الرغم من أن القضية الفلسطينية – الإسرائيلية، هي قضية حيوية للغاية وصادقة في الرأي العام في الشرق الأوسط، حتى في السنوات التي تلت اتفاقيات أوسلو (1993)، إلا أنها وبعد فشل اتفاقيات كامب ديفيد الثانية (2000)، لم تحرك سوى القليل من الأجندات السياسية للمستشارين الإقليميين الرئيسيين .
الخطاب الرسمي يشير دائمًا إلى الاهتمام بأوضاع الفلسطينيين، وهي اليوم الفائزة في رؤى النظام الثنائي السعودي – الإماراتي، وقد تم طرحها بشكل واضح من قبل الموقعين على اتفاقية 13 أغسطس، وتم استخدامها من قبل الإسرائيليين والإماراتيين كـ “ورقة مساومة” لتحديد النقاشات الأخرى والجوانب الأكثر بروزًا في أجندات السياسة الخارجية ذات الصلة.
ومن حيث الجوهر، فقد تم طرح عملية السلام في الشرق الأوسط مرة أخرى كأداة للشرعية السياسية وليس كهدف نهائي لضمان وحماية الطموحات الفلسطينية العادلة، وبالنسبة لإسرائيل، كانت هناك لعبة دبلوماسية أوسع على المحك شملت الاقتصاد العربي بشكل مباشر ولاعب عربي مهم في دعم استراتيجيات تل أبيب في الشرق الأوسط، علاوة على ذلك، كانت الاتفاقية مفيدة أيضًا للإمارات، والتي ضمنت الوصول المميز إلى بعض الأصول من بينها (الأمن والتكنولوجيا والاتصالات) التي تعتبر فيها إسرائيل القوة الإقليمية الحقيقية، وفي كلتا الحالتين كان الاستخدام الوظيفي للعقدة الفلسطينية ضروريًا للغرض المعني.
أما الإمارات العربية المتحدة فقد كان على الاتفاقية أن تُظهر صورتها كدولة لا تهيمن عليها إسرائيل، ولكن في نفس الوقت جهة فاعلة حازمة قادرة على بناء سرد إيجابي محلي وإقليمي للاتفاق لصالح التطلعات الفلسطينية، وبالعكس، فقد حقق هذا الاتفاق نجاحًا كبيرًا خاصة من وجهة نظر إسرائيل الداخلية، من أجل صرف الانتباه عن المشاكل القانونية لبنيامين نتنياهو وعن التوترات القائمة في الحكومة بعد التوقف المؤقت لمشروع ضم أراضي الضفة الغربية الذي كان من المقرر أن يتم قبل توقيع الاتفاقية وتجميده أثار غضب اليمين الإسرائيلي المتطرف، باتفاق يتواصل إلى حد ما مع جميع تجارب الماضي الأخرى ، حيث يكون الفاعلون الإقليميون والدوليون هم من يثقلون المصالح الحزبية ، وفي نفس الوقت يقررون مصير الفلسطينيين الذي يتشتت بشكل متزايد داخلهم.
ومن الواضح أن الفلسطينيين نظروا إلى الاتفاقية الإسرائيلية الإماراتية على أنها خيانة، ولمسوا تلاشي إمكانية الاعتراف بإقامة دولة مستقلة حقيقية في الضفة الغربية، كما رأوا أن هذه الاتفاقية تعترف بشكل قاطع بتطبيع الوضع الراهن، أي الاحتلال العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية، ورغم أن الإسرائيليين والإماراتيين عبروا في خطابهم عن وجود إعادة قراءة منحازة في مسألة الضم، ووفقًا للإماراتيين فإن إسرائيل لن تنفذ المزيد من عمليات الضم، إلا أن الاتفاق مع أبو ظبي لا يدعو للتشكيك في مشروع ضم 30-40٪ من الضفة الغربية، وهنا لا يمكن استبعاد الفرضية القائلة بأن الاتفاقية الموقعة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة يمكن أن تفسح المجال لفرضية دولة ثنائية القومية ونموذج فيدرالي (ورد ذكرهما أيضًا في المسودات الأولى لخطة ترامب) في الماضي، ورغم أنه مرفوضًا كثيرًا في العالم العربي ، لكنه يُعتبر اليوم خيارًا.
التأثير على الشرق الأوسط
اتفاق 13 أغسطس وفقًا للدراسة الصادرة عن المعهد الإيطالي للدراسات السياسية والدولية، يرحب ترحيبًا كاملًا بالدليل غير المباشر للمشروع الأمريكي المتمثل في “تقسيم الجبهة العربية، وتعزيز الترابط بين الدول المتقاربة لواشنطن وتل أبيب، بما في ذلك من خلال سلسلة من الاتفاقات الاقتصادية، وخلق سياق إقليمي جديد مع “الجبهة العربية البراجماتية” كأول درع عسكري ضد أعداء الولايات المتحدة وإسرائيل.
وأكدت الدراسة أنه بالرغم من وجود تحالف بين الدوحة وأنقرة مع للولايات المتحدة، وكلاهما لديه علاقات متذبذبة مع تل أبيب، فإن مواقفهما الجيوسياسية ومصالحهما لن تخاطر بالوقوع في صراع مع إسرائيل والولايات المتحدة، ولهذا السبب أيضًا، من المهم جدًا بالنسبة لواشنطن وتل أبيب إنشاء سيناريو جديد للتحالفات الإقليمية، حيث تدعم أهم الدول العربية (مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) المبادرات الإسرائيلية من خلال المزيد من تقسيم جبهة عدم الانحياز (كما هو الحال في الموقف الأردني الحساس المخالف لخطة ترامب)، وبشكل غير مباشر في (الاتفاق بين أبو ظبي وتل أبيب)، إلا أنه يدعم أيضًا أوجه التآزر الإسرائيلية – الإماراتية غير العادية في البحر الأبيض المتوسط، وبين لبنان وقطاع غزة.
وتهدف إسرائيل بشكل متزايد إلى إلزام نفسها بالإمارات العربية المتحدة أيضًا، مستهدفًة احتواء النفوذ التركي القطري والإيراني في قطاع غزة، حيث أقامت أنقرة والدوحة وطهران علاقات قوية مع حماس على مر السنين، وترى إسرائيل في الإمارات إمكانية اختراق حماس بطريقة فعالة لمصالحها الأمنية، مما يزيد من انقسام المعسكر الفلسطيني ويسمح لأبو ظبي بلعب دور مهم في حوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأدنى.