تسبب إعادة السلطات السعودية، البواخر المحملة بالمواشي السودانية من موانئها، ورفض استقبالها بسبب نقص المناعة، في نشوب أزمة بقطاع الثروة الحيوانية في السودان، وبحسب خبراء فإن الأمر تجاوز الخلافات التقليدية ليتحول إلى كارثة اقتصادية تهدد الخرطوم، نظرًا لأن السعودية هي أكبر مستورد لمواشي السودان.
ويقول خبراء إن إعادة البواخر المحملة بالمواشي، يكبد السودان خسائر كبيرة، وهو الأمر الذي دفع الجهات المسئولة إلى العكوف على دراسة الأسباب الحقيقية وراء الأزمة، ووضع حلول لها لتفادي استمرارها.
ليست المرة الأولى
هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها السعودية بإعادة المواشي السودانية، فالأمر تكرر بوتيرة متتالية في الآونة الأخيرة، حيث أعادت ما يفوق عن 60 ألف رأس ضأن خلال الفترة من 27 يوليو وحتى الأول من أغسطس الجاري.
وفي يوليو الماضي أيضًا، أعادت نحو 150 ألف رأس ماشية، وبعدها بعدة أيام أعادت 85 ألف رأس ماشية أخرى، وهو ما يعرض العلاقات السعودية – السودانية إلى أزمة مرتبطة بالتعامل مع المواشي والعلاقات والاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين.
دراسة الأسباب
وزارة الثروة الحيوانية السودانية، شكلت لجنة للتحقيق في أسباب إعادة الماشية المتكرر من السعودية، وكان أبرز ما تم الوصول إليه، هو أن الإعادة ناتجة عن أزمة المناعة الخاصة بالمواشي السودانية، نتيجة ثبوت عدم وجود مناعة تجاه بعض أمراض الحيوان.
اللجنة السودانية التي تم تشكيلها وفقًا لوكالة “سونا”، أكدت أن ملاحظة تدني المناعة لدى الماشية السودانية جاءت بعد وصولها لميناء جدة، وكانت أقل بنحو 25% عن المعدل المطلوب، لافتة الى أن المناعة المطلوبة في السودان تتراوح من 60 لـ 80% ومطلوب أن تصل إلى 30% عند وصولها لميناء جدة وفقًا للاتفاق المبرم بين السودان والسعودية.
وأكدت اللجنة، أن السعودية هي من حددت هذه النسبة بعد اكتشافها لمرض “حمى الوادي المتصدع” في بداية شهر أكتوبر عام 2019، وهو ما نتج عنه قرار تعليق تصدير المواشي السودانية، لفترة حتى تتمكن السودان من السيطرة على الأمر وهو ما كان له مردود سيء على الوضع الاقتصادي السوداني، خاصة أن السعودية من أكبر الدول التي تستورد المواشي السودانية، وفي مطلع مارس الماضي، عدلت الرياض عن قرار حظر استيراد المواشي القادمة من السودان.
حلول ومقترحات
الأزمة لم تكن عابرة، فالأمر أثار جدلًا في الداخل السوداني والذي راح بدوره يبحث ويطرح الحلول التي ارتبط بعضها بالتطوير الداخلي، والبعض الآخر بنص الاتفاق مع السعودية.
ومن أبرز الحلول التي تم طرحها لتجاوز الأزمة هي ضرورة مراجعة الاتفاق السوداني – السعودي، والبحث عن آلية لتقليل نسبة المناعة المشروطة من جانب السعودية، فضلًا عن ضرورة العمل على توحيد فحص العينات العشوائية من المواشي، مع البحث عن لقاح من خلال فتح المجال للمصدرين للمساهمة المالية لتجاوز أمر نسبة المناعة ومردودها السلبي على التصدير.
وأحد الحلول أيضًا التي تم طرحها في الداخل السوداني، العمل على تطوير نقاط الحجر في ميناء “ساكن” فضلًا عن العمل على تطوير البواخر التي تنقل المواشي وتوفير محطات تحلية لتوفير ماء شرب نقية للمواشي، وتوفير عدد أكبر من الأطباء البيطريين في معامل البحوث البيطرية السودانية، معتبرين أن العمل على معالجة نقاط الخلل يساهم في حل الأزمة واجتيازها.
عرقلة الصادرات السودانية
خالد محمد خير، مدير عام مؤسسة المواشي السودانية، أكد في تصريحات صحفية، أن أزمة المواشي تخضع لمؤامرة من الداخل السوداني والخارج، مؤكدًا أن هناك أيادٍ خفية تحاول عرقلة مسار الصادرات السودانية.
“خير” أكد أن الاشتراطات المعلنة من الجانب السعودي “كلمة حق يراد بها باطل”، لافتًا إلى أن وزارة الثروة الحيوانية السودانية، فحصت المواشي قبل تصديرها، موضحًا أن السعودية أكبر مستورد للمواشي وتحصل على ما يقرب من 65% من إجمالي صادرات السودان من الماشية، والتي تُقدر بنحو 7 ملايين رأس كل عام.
غير مبرر
فيما اعتبر عدد من المتخصصين والمسؤولين السودانيين، أن الاجراء الذي قامت به السعودية غير مبرر، معللين ذلك بأن نقص المناعة ليس سببًا كافيًا لإرجاع المواشي وتكبيد السودان هذه الخسائر، معتبرين تصدير هذا السبب غير منطقي وضعيف.
كما طالبوا بضرورة إرسال أطباء بيطرين سودانيين إلى السعودية لبحث حقيقة الأمر، مع إيقاف تصدير الماشية الحية واللحوم المذبوحة والمصنعة الى أن يتم التأكد والوصول للأسباب الحقيقية التي تدفع السعودية لإرجاع المواشي بشكل متكرر.
أبعاد سياسية
الدكتور عادل فرح إدريس، وزير الثروة الحيوانية المُكلّف في السودان، أعلن “أنه وبعد ما تم من إرجاع المواشي السودانية وما أسفر عنه من أضرار فسيكون تسليم المستوردين السعوديين للمواشي السودانية من خلال نظام فوب، وهو التسليم من فوق البواخر ليتحمل بذلك المستوردين مسؤولية سلامة الماشية”.
الوزير السوداني اتهم المصدرين بالتلاعب في عمليات الحقن، وأنهم أحد أسباب الأزمة القائمة باستخدامهم عقارات غير مطابقة للمواصفات، وهو ما لاقى استهجانًا كبيرًا في أوساط المصدرين الذين اعتبروا اتهام الوزير منافٍ تمامًا للواقع، وطالبوه بإزالة العقبات التي تواجه التصدير للخارج والعمل على توفير مناخ آمن للعمل وتحمل المسؤولية في تلميح إلى أن الأزمة لها أبعاد سياسية، وليست قاصرة فقط على مناعة المواشي.
يأتي هذا في الوقت الذي عقدت فيه لجنة الطوارئ العليا السودانية، اجتماعًا موسعًا للوقوف على ملابسات الأزمة القائمة وسبل تفادي تكرارها، مع إخضاع المتسببين فيها للمحاسبة والمحاكمة إن لزم الأمر، وتوصل المجتمعون إلى تشكيل لجنة تحقيق.