تصاعدت الأحداث بشأن ملف سد النهضة، في الأيام الأخيرة، بشكل كبير، فبعد قرار الإدارة الأمريكية بوقف المساعدات لأثيوبيا وإعلان وزراء الري للدول الثلاث فشل المفاوضات، لا يزال مستقبل المفاوضات يحيطه الغموض وعدم التنبؤ، وبحسب المراقبين فأن خطوة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم تكن مفاجأة للكثيرين، ألا أن تأثيرها يتصف بـ”الضئيل”.
وقد وافق وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، على خطة لوقف الولايات المتحدة للمساعدات الخارجية لإثيوبيا، في إطار دور إدارة ترامب التوسط في المفاوضات بين مصر والسودان من ناحية وإثيوبيا من ناحية أخرى حول بناء الأخيرة للسد، بحسب مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية.
من جانبها، أعلنت وزارة الموارد المائية والري، أمس السبت، استمرار عدم التوافق في مفاوضات سد النهضة، بين الدول الثلاث، وتقديم كل دولة مسودتها الخاصة لجنوب أفريقيا، باعتبارها رئيس الاتحاد الأفريقي وراعية المفاوضات.
قرار الوقف
أشارت المجلة الأمريكية إلى أن هذا القرار الذي تم اتخاذه هذا الأسبوع، قد يحرم إثيوبيا ما يصل إلى 130 مليون دولار من المساعدات الأمريكية الخارجية لإثيوبيا، وقال مسؤولون في الكونجرس الأمريكي أنه لم يتم تحديد الرقم النهائي من المساعدات، ولكنه قد يصل إلى هذا المبلغ؛ مما قد يغذي وجود توترات جديدة في العلاقة بين واشنطن وأديس أبابا.
ووفق المراقبين، فإن تحرك الإدارة الأمريكية في هذا الصدد لا يمثل مفاجأة، إلا أن الخبراء من ناحية أخرى ذهبوا إن امتناع الولايات المتحدة عن المساعدة لإثيوبيا سيكون له تأثير ضئيل على إثيوبيا لأن هناك شركاء آخرين موثوق بهم مثل الاتحاد الأوروبي والصين، لاسيما أن علاقات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قد تكون معدومة في الوقت الراهن، بسبب التحديات التجارية التي تلوح في الأفق.
في المقابل أعرب العديد من الأكاديميين والدبلوماسيين الإثيوبيين عن قلقهم من تكليف وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الدولي في التوسط بين الدول الثلاث في المفاوضات بدلاً من وزارة الخارجية، متسائلين “لماذا الخزانة والبنك الدولي في هذا الوقت بالتحديد؟”، بحسب ما ذكرته صحيفة ” الأمريكية.thereporter”
وكانت الولايات المتحدة والبنك الدولي قد قامتا، منذ نوفمبر 2019، برعاية محادثات تهدف إلى التوصل إلى اتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان، بعد تسع سنوات من جمود المفاوضات التي بدأت مع إطلاق المشروع الإثيوبي.
لكن العملية الأمريكية فشلت بعدما دفعت الولايات المتحدة في اتجاه توقيع اتفاق أعدته واشنطن والبنك الدولي، وتعتبره مصر “عادلا ومتوازنا”، ما أثار غضب إثيوبيا التي اتهمت الولايات المتحدة بانها “لا تتصرف بشكل دبلوماسي.
جاء قرار الإدارة الأمريكية بعد يوم من سفر رئيس الوزراء أبي أحمد إلى السودان ومناقشة القضايا العالقة بشأن سد النهضة مع نظيره السوداني عبد الله حمدوك ورئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان، غير أن بعض التقارير أشارت إلى أن الهدف كان هو التقاء أبى أحمد مع وزير الخارجية الأمريكي لمناقشة قرار حجب بعض المساعدات، حيث أن الخرطوم كانت مجرد وسيط ومسهل لإجراء هذا اللقاء للصالح الأثيوبي.
وبعد زيارة “أبي”، أصدرت الحكومتان الإثيوبية والسودانية بيانًا مشتركًا قالت فيه إن الجانبين “سيبذلان قصارى جهدهما للتوصل إلى نتيجة ناجحة للمفاوضات الثلاثية الحالية”.
وتساءل هاني رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والمتخصص في الشأن السوداني، عن سر تزامن زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي للخرطوم في نفس توقيت زيارة وزير الخارجية الأمريكي، لافتًا الي أن هذا الأمر بدوره يثير القلق حول موقف حكومة حمدوك وأين تقف بالضبط في مفاوضات السد، لاسيما أن ما تم الإعلان عنه من مقترحاتها داخل المفاوضات يصب في اتجاه تخفيف الضغط على الطرف الإثيوبي وليس العكس”.
ووصلت الأعمال المدنية في سد النهضة 89 %، بينما وصلت الأعمال الكهرو ميكانيكية الي 47%، بحسب تقرير صادر عن شركة “كيفل”، الأسبوع الماضي.
واشنطن تريد ارسال إشارة فقط إلى إثيوبيا وإلى الأطراف المتصارعة
اتجاه الصين
وتواصل رئيس الوزراء الاثيوبي مع بعض المسئولين في البيت الأبيض بشأن قرار وقف المساعدات، معبرًا عن غضبه من توقيع عقوبات ضد بلاده بسبب مفاوضات سد النهضة، بحسب تقارير أمريكية. ألا أنه أبلغ الإدارة الأمريكية بتعهده بالسير قدما في المفاوضات دون الإضرار بمصالح مصر والسودان معربا عن أمله في وقف العقوبات.
ويقول “رسلان” أنه من “الواضح أن واشنطن تريد ارسال إشارة فقط إلى إثيوبيا وإلى الأطراف المتصارعة بأنها تدعم الوصول إلى تسوية، ولكنها لا تضغط بالدرجة التي يمكنها إحداث تأثير حقيقي في الموقف الإثيوبي، إذ ربما تخشى اتجاه إثيوبيا إلى الارتماء أكثر في اتجاه الصين”.
وأشار إلى أن “الخطوة الأمريكية هي امتداد لما تم تسريبه سابقا، في تقرير لمجلة فورين بوليسى نفسها، من أن هناك اتجاها داخل إدارة ترامب لحجب بعض المساعدات عن إثيوبيا، كتعبير عن رفض واشنطن لتعنتها في المفاوضات وإن كانت الإشارة حينها لحجب ما قد يصل إلى ٤٠٠ مليون دولار”.
حول تأثير هذا القرار على الموقف المتعنت لأثيوبيا، تساءل “رسلان” إذا كان سيأخذ في الاعتبار أم سيتم صبه في صالح زيادة شعبية آبي أحمد، وإعلان المزيد من التحدي بشأن المفوضات، لاسيما أن المبلغ الذي أعلن أنه سيتم حجبه ليس كبيرًا، ويمكن تعويضه بطرق ملتوية، فضلا عن وضع إدارة “ترامب” مع اقتراب الانتخابات الرئاسية وفرص الفوز بولاية ثانية”.
يذكر أن المفاوضات الثلاثية بين السودان ومصر وإثيوبيا بشأن ملء وتشغيل سد النهضة والمشروعات المستقبلية على النيل الأزرق بمشاركة وزراء الري والموارد المائية في الدول الثلاث وبرعاية الاتحاد الإفريقي وبحضور الخبراء والمراقبين من قبل الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، لم تقدم أي جديد.
وهو ما دفع وزير الري والموارد المائية السوداني ياسر عباس، أمس السبت، للقول بإن التوصل لاتفاق في مفاوضات سد النهضة يحتاج إلى قرار من القيادات السياسية العليا في البلدان الثلاثة أعلى من الوزراء وأن مواصلة التفاوض بالصيغة الحالية لن يكون مجديا، بحسب وكالة “سونا” السودانية.
ورقة ضغط
في حين، ذهب البعض الي أن قرار حجب المساعدات عن إثيوبيا قد يكون ردا من إدارة ترامب على الانتقادات التي وجهت إليه بسبب فقدها قوتها الناعمة في إفريقيا لصالح الصين وأوروبا، وذلك من خلال تغيير طريقة التعامل مع الأزمة، باستخدام وسائل أكثر حدة لإثبات أن واشنطن لا تزال تمتلك أوراقا تساعد في إنهاء الأزمة ومنع وصولها لمواجهة عسكرية.
ويري طارق فهمي، أستاذ العلاقات الدولية، أن توقيت قرار وقف المساعدات يثبت صورة الولايات المتحدة كوسيط مؤثر في قضية حيوية في المنطقة، مشيرًا إلى أنها خطوة قد تجري بعدها خطوات مماثلة من جهات دولية كالبنك الدولي، ووقف مساعدات ومنح آخري، وهو ما يؤثر بالسلب على علمية تمويل السد، وهو ما سيدفع إثيوبيا لزيادة حملات التبرعات الداخلية من قبل الاثيوبيين.
قرار الإدارة الأمريكية سيكون ذو تأثير اذ استمرت التوترات الداخلية في اثيوبيا،
وأشار أستاذ العلاقات الدولية إلى أن قرار الإدارة الأمريكية سيكون ذو تأثير اذ استمرت التوترات الداخلية في اثيوبيا، مع تراجع شعبية حزب الازدهار وتأجيل الانتخابات بسبب وباء كورونا وتأثيرها اقتصاديًا، اما بالنسبة لتوتر العلاقات بين البلدين فهو أمر غير وارد ولكن اذ حدث سيكون له تأثير ايضًا على إدارة آبي أحمد بالتأكيد.
وقال طارق رضوان، رئيس لجنة الشئون الأفريقية بالبرلمان، إن قرار الإدارة الأمريكية يستهدف منه تحفيز الجانب الاثيوبي لمواصلة المفاوضات، موضحا أن ذلك يظهر بشكل ملموس في حرص القيادة السياسية بأمريكا على رعاية مفاوضات “سد النهضة” بين مصر والجانب الأثيوبي والتي تجمدت في فبراير 2020.
بفشل المفاوضات الأخيرة تكون مرحلة المفاوضات الفنية قد انتهت
مستقبل المفاوضات
ومع ذلك لايزال “مستقبل المفاوضات” يحيطه العديد من علامات الاستفهام، إذ يري المراقبين أن بعد فشل المفاوضات الأخيرة تكون مرحلة المفاوضات الفنية قد انتهت، ولابد من بدأ مفاوضات سياسية لوضع حد لهذه الأحداث، إذ تريد إثيوبيا حصة من مياه النيل وعدم الالتزام بأي اتفاقيات لفض المنازعات أو بشأن المشروعات المائية المستقبلية.
وعلق “رسلان”، عن فشل الجولة الثانية من مفاوضات الاتحاد الأفريقي حول سد النهضة قائلًا عبر حسابه علي الـ “فيس بوك”: “بعد الديباجة؛ انتهى البيان إلى فقرة ختامية، بدأها بطريقة كاذبة، “فباستخدام عبارة ” في الطريق إلى الإمام ” حاول البيان إعطاء انطباع زائف بأن هناك تقدما وبأنه سيستمر، في حين أن الموقف الأثيوبي في هذه الجولة نسف بشكل تام كل ما جرى النقاش أو التفاهم حولة في وقت سابق”.
وتابع: “اختتم البيان، أنه من المتوقع أن يعقد الاجتماع مرة أخرى في 14 سبتمبر 2020، بشرط تأكيد السودان للموعد، وهذا يعنى أن إثيوبيا حريصة على الظهور بصورة الطرف الحريص على التفاوض، ولكن على طريقة “الثعلب فات فات.. وفى ديله سبع لفات ” .”
ويأمل في أن يحسم الاتحاد الأفريقي هذا الأمر بطريقة توافقية، وألا تُترك إثيوبيا على هواها، لأن الاتجاه إلى مجلس الأمن الدولي يُعد من الخيارات البعيدة.