منذ الإعلان عن سقوط القيادي الإخوانى والقائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان محمود عزت، في قبضة الجهات الأمنية، بات سؤالًا واحدًا يتردد داخل الأوساط السياسية، وداخل الجماعة نفسها، هو من سيدير دفة الإخوان خلال الفترة المقبلة، وما هي مهامه تحديدًا؟
في العادة كان هذا التساؤل يجد جوابًا حاضرًا بين أعضاء الجماعة، بإعلان اسم المرشد الجديد لها، لكن في ظل الظروف الحالية التي تمر بها الإخوان لأول مرة في تاريخها، أصبحت الأطروحات بين دول وليس أشخاص، فالمرشد العام بات اسمًا يختاره الممولين.
خلال السبع سنوات الماضية كان التنظيم يدار كليًا من خلال محمود عزت عدا المجموعات المتمردة التي رفضت تنفيذ أوامره
الجماعة تتشتت
على مدار 96 عامًا، هو عمر جماعة الإخوان، كان لقب “المرشد العام” هو الأكثر قوة داخل أروقتها، فهو الشخص الموكل له قيادة أكبر تنظيم إسلامي، وكان اختياره يتم وفقًا لأسس وضعها حسن البنا، وكانت الجماعة تُدار بمنهج واحد وطريقة واحدة تحت شعار “الولاية لمكتب الإرشاد”، فالمرشد هو الآمر الناهي في كل ما يخص الجماعة، لا تُرد له كلمة زالجميع مُلزم بتنفيذ قراراته، حتى أن مُناقشته خطيئة كبرى قد يصل عقابها للاغتيال.
ومع سقوط حكم الإخوان في مصر، والقبض على مرشدها محمد بديع، وأبرز قادتها مثل خيرت الشاطر وعصام العريان ومحمد البلتاجي ومحمد سعد الكتاتني وغيرهم، تعرضت الجماعة لهزة كبيرة، خاصة وأن البدائل المتاحة كان عليها الكثير من علامات الاستفهام ولم تكن هناك الشخصية القيادية التي تنطبق عليها شروط البنا في اختيار المرشد، فعانت لأول مرة في تاريخها من الانقسام مابين مجموعة القطبيون وهم الأكثر تشددًا داخل الجماعة، ومجموعة الإصلاحيون الباحثون عن اعتدال الجماعة ونبذ الأفكار المتطرفة فيها، والذين ظهروا عقب التحام الإخوان بالشارع، والسماح لهم بممارسة نشاطهم بشكل معلن، خلال الفترة الأخيرة لحكم محمد حسنى مبارك.
وبعد انقسام أعضاء الجماعة، والتخلص من قادة تيار الإصلاح على يد القطبيون مثل عبد المنعم أبو الفتوح، ومحمد حبيب، والتمرد ضد أهم القواعد الإخوانية وهي الولاء للمرشد وطاعته، باتت قيادة المرشد تحتاج ليد من حديد تُعيد للجماعة هيبتها، خاصة وهو منصب محصور في مصر فقط، ووقع الاختيار على ذئب الجماعة محمود عزت، ليتولى منصب القائم بأعمال المرشد العام، وهو الاختيار الذي لم يكن اختياره مصادفة، ولكن تداعيات المرحلة هي التي فرضته، أولًا كونه يدرك كافة خيوط الجماعة، وأنه أهم مخططي تحركاتها، كذلك طبعه الحاد الذي جعل له هالة خاصية يهابها أبناء الجماعة، وقدرته على إعادة تنظيم صفوف الإخوان وهي التجربة التي مارسها فعليًأ خلال مساعدة مشهور في تشكيل التنظيم الخارجي للجماعة.
وخلال السبع سنوات الماضية، كان التنظيم يدار كليًا من خلال محمود عزت، عدا المجموعات المتمردة التي رفضت تنفيذ أوامره، وسعت للتصالح مع الدولة دون جدوى، ورغم وجود المتمردين نجح عزت في الحفاظ على ما تبقى من الجماعة، وكان يُصدر التعليمات، ويتابع دورة حركة الأموال، ويطيح بمن يستشعر بأنه سيكون عائقًأ في تولى القطبيين مقاليد الأمور.
أدى غياب مرشد الإخوان إلى إحداث خلل في التنظيم على المستوى المحلي داخل مصر والمستوى العالمي في تونس والجزائر وليبيا
معضلة الإرشاد وبدائل الحكم التاريخي للمرشد
عقب سقوط معظم القطبيون في قبضة الجهات الأمنية، وآخرهم الذئب محمود عزت، وقعت الجماعة في أزمة كبرى، حول اختيار البديل لإدارة مكتب الإرشاد، وتولي شئون الجماعة، التي أدى غياب مرشدها إلى إحداث خلل في التنظيم على المستوى المحلي داخل مصر، وعلى المستوى العالمي في تونس والجزائر وليبيا وعدة دول أخرى، خاصة وأن الانقسام داخل الجماعة في زيادة مستمرة، بخلاف افتقاد الجماعة لأول مرة في تاريخها لإسم يصلح لقيادتها.
ورغم تلك المشكلات التي يواجهها التنظيم، إلا أن الأعين ذهبت لبعض الأسماء التي يمكن أن تتولى المنصب، لتنحصر في شخصين فقط هما، إبراهيم منير القيادي الهارب في تركيا، والذي يشغل منصب نائب المرشد العام للجماعة، إلا أنه يواجه تحفظات كبيرة بسبب رفضه التمسك بشرعية محمد مرسى، وتصريحه “موضوع مرسى مات بموته”، بخلاف ضعف شخصيته مقارنة بالمرشدين السابقين للجماعة، وعدم قدرته على السيطرة على الجماعة، أو إدارة شئونها المالية، أو الإدارية، وهو ما يُضعف احتمالات فوزه بمنصب القائم بأعمال المرشد.
الاسم الثانى هو القيادي محمود حسين، الذي يشغل منصب أمين عام الجماعة، ويقيم في تركيا، ويعتبر الأقرب للمنصب، كونه أكثر حنكة من منافسه إبراهيم منير، كما أنه أكثر إلمامًا بالأمور المالية للجماعة، والتي تعتبر عائقًا كبيرًا وتحتاج إلى شخص على دراية بتفاصيلها السرية والمعقدة.
ورغم عمليات البحث والاستشارة والاجتماعات التي يعقدها بقايا تنظيم الإخوان لاختيار مرشدهم، والتي تمثلت في عدة اجتماعات تمت في تركيا خلال الأيام الماضية، إلا أن الاختيار يختلف تلك المرة عن المرات السابقة التي اعتادت عليه الجماعة الإٍسلامية الأكثر تنظيمًا بين نظيراتها من جماعات الإسلام السياسي، كون إدارة الشأن الإخوانى باتت غير متروكة للمرشد وأعضاء مكتب الإرشاد في خطواتها، وانتقلت بفعل الظروف الاستثنائية التي تمر بها الجماعة إلى دول بعينها هي قطر وتركيا وإيران وبريطانيا، لتتحول مهام المرشد لتلك الدول التي باتت تُخطط وتُنفذ وتقود وتُمول تحركات الجماعة.
“تركيا هي التي تقود تحركات جماعة الإخوان حاليًا وتُدير شئونها بداية من اختيار القائم بأعمال المرشد”.. ياسر فراويلة
اليد العليا لتركيا وقطر
وكشف الباحث في شئون الجماعات الإسلامية ياسر فراويلة، أن تركيا هي التي تقود تحركات جماعة الإخوان حاليًا، وتُدير شئونها بداية من اختيار القائم بأعمال المرشد والذي سيخضع تلك المرة لشروط يحددها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالتوافق مع أمير قطر تميم بن حمد، باعتبارهما الممولين للجماعة بشكل أساسي في الفترة الحالية والأوين لأعضائها على أراضيهم.
وتابع “فراويلة”، أن إدارة الجماعة لم تعد كسابق عهدها، نتيجة للأحداث الجديدة التي طرأت عليها، فأصول اللعبة تغيرت واتخذت أبعاد أخرى، ولكن هذا لا يمنع أن الجماعة سوف تُحافظ على هيكلها التنظيمي، من اختيار مرشد عام لها، أو قائم بالأعمال، وسيكون شخص مصري، ولن يبعد عن إبراهيم منير ومحمود حسين كونهما الأكثر خبرة بالجماعة حاليًا، وذلك حرصًا لإمكانية حدوث أي تغيير في المعادلة السياسية الحالية يمكنها تهديد كيان الجماعة بالدول الحليفة لها وعلى رأسها تركيا.
وأوضح “فراويلة”، أن طرفي التوافق سواء الجماعة أو الدول التي تديرها يعملون وفقًا لمصالحهم الشخصية، فبينما تتلاعب تلك الدول بالجماعة، مُقابل الإيواء وتقديم الدعم المالي لها، وتستغلهم كورقة تهديد مستغلين القلق العالمي من الجماعات الإرهابية، يحرص الإخوان على استغلال قادة تلك الدول لخلق ظهير قوي يضغطون به على الحكومة المصرية، ويحصلون من خلاله على مكاسب تبقيهم على قيد الحياة، وربما تعيدهم للمشهد السياسي من جديد.
وعن المتحكم في إدارة شئون الجماعة خلال الفترة المقبلة، قال فراويلة، إنها شكليًا ستكون للقائم الجديد بأعمال المرشد، حفاظًا على الصورة المعهودة للجماعة، وهيكلها التنظيمي، بينما التحكم الفعلي سيكون للرئيس التركي والأمير القطري “بشخصيهما”، وهو تحولًا جذريًا في إدارة شئون الجماعة، التي كانت تتمتع بالسرية في قيادة شئونها منذ عام 1924.
وأفاد “فراويلة”، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يميل لاختيار محمود حسين مرشدًا جديدا للجماعة، حيث تربطه علاقات قوية بسياسيين ورجال أعمال في تركيا، وبالتالي سيكون مجرد منفذًا لتوجيهات أردوغان.
“تبعية الإخوان للدول هو سبب انشقاقات الشباب حاليًا عن الجماعة”.. صبرة القاسمي
منصب المرشد وفقدان الهيبة
الدكتور صبرة القاسمي، مؤسس الجبهة الوسطية، يرى أن سقوط هيبة منصب مرشد الإخوان، وتبعيتها لدول بدلًا من قادة الجماعة، أمرًا ليس وليد اللحظة، حيث يوجد أكثر من 3 مكاتب استخباراتية في العالم تقود هذا التنظيم، والمرشد مجرد منفذ لأوامرهم هي تركيا وقطر وبريطانيا.
وأضاف “القاسمي”، أن تبعية الجماعة للدول، هو سبب انشقاقات الشباب حاليًا عن الجماعة، بعد إدراكهم ومعهم قادة الصف الثاني والثالث بالجماعة لحقيقة تخلي الإخوان عن القيادة الوطنية واعتمادها على تنفيذ التعليمات الخارجية، وتحويل المرشد لمجرد صورة فقط.
وأكد “القاسمي”، أن الإخوان أنفسهم كشفوا هذا الأمر، ودليل ذلك تصريحات عصام تليمة، التي قال فيها إن حلقات الوصل بين محمود عزت في مصر وبين أعضاء الجماعة بالخارج، كانوا ينقلون رسائل مغلوطة غير تلك التي كان يقولها “عزت” وكانوا ينقلون رسائل أخرى يحصلون عليها من الأتراك والقطريين واصفًا إياهم بالمدلسين، الأمر الذي يؤكد اختراق الجماعة، وقيادتها حسب إرادة الراعي وليس المرشد.
وتابع “القاسمي”، أن اختيار القائم بأعمال المرشد حاليًا ليس بيد الأعضاء، وإنما هو صراع دائر بين كل من الإدارة التركية والقطرية والبريطانية، وبالنسبة لقطر وتركيا فهما يبحثان على توافق بينهما لاختيار القائم بأعمال المرشد في مواجهة الطرح الأوروبي بقيادة بريطانيا لاسم المرشد، وإن كانت الأخيرة تميل لإبراهيم منير، ولكن يتوقع أن يكون الاختيار بيد الإدارة القطرية والتركية كونهما يضمان الهاربين من الجماعة ولهما تأثير قوى بها.