يمثل الدين العام أهم المؤشرات الاقتصادية التي تحظى باهتمام المسئولين عن المالية العامة والمواطنين على حد سواء، ويعتبر مؤشرًا للحالة الاقتصادية للبلاد باعتبار أن نسبته يتم حسابها بالقياس إلى حجم الناتج المحلي الذي يمثل القيمة السوقية لكل السلع النهائية والخدمات التي يتم إنتاجها في الدولة خلال عام، والدين العام في أبسط تعريفاته هو حجم ديون الدولة لجهات خارجية وداخلية سواء أكانوا أفرادًا أو شركات أو مؤسسات وحتى حكومات أخرى.

لماذا تقترض الحكومات؟

تلجأ الحكومات للاقتراض حال حدوث أمور طارئة غير مخطط لها، مثل وباء كورونا أو نشوب حروب أو ثورات، أو تعرضها لموجات طقس غير طبيعي كالأعاصير والفيضانات، لتغطية تضرر الإيرادات العامة أو حاجتها إلى إنفاق أكبر.

وتقترض الحكومات في الغالب بسبب نقص مصروفاتها العامة عن مواردها التي تتضمن الإيرادات، لمواجهة الاحتياجات التقليدية كشراء السلع الأساسية، أو دفع الرواتب أو لتمويل أغراض استثمارية كعمليات التنمية.

مخاوف الدين العام

يدور جدل حول أضرار الدين العام بين الاقتصاديين، فمنهم من يرى أنه يمثل مزاحمة من الدولة للقطاع الخاص الراغب في التمويل من أجل تدشين مشروعات جديدة أو التوسع في الحصول على التمويل من البنوك، على اعتبار أن القطاع المصرفي يفضل أكثر إقراض الجهات الحكومية عن الأفراد لتقليل المخاطر، وتجنب إمكانية تعثر المقترضين التقليديين.

ومنهم من يرى أن الدين العام يحمل ضررًا أيضًا على الأفراد، فحاجة الحكومة إلى التمويل يجعلها تقبل بفائدة مرتفعة، ما يؤدي في النهاية إلى رفع بند فوائد الديون في الموازنة وزيادة العجز داخلها، وفي النهاية قد تضطر الحكومات لزيادة الضرائب لتقليل العجز.

متى يكون الدين العام ضارًا؟

يرى قطاع كبير من الاقتصاديين والمسئولين الحكوميين، أن الدين المحلي لا يعتبر أمرًا غير مرغوب فيه على المطلق، فالأمر مرتبط بكيفية الصرف، فإذا تم توجيهه نحو النمو الاقتصادي والتشغيل بما يحقق زيادة في الإنتاج والتصدير، فيعتبر أمرًا حميدًا أما إذا تم إنفاقه على سد عجز الموازنة أو أنشطة استهلاكية صرفة فيصبح أمرًا ضارًا.

أنواع الدين العام

ينقسم الدين العام إلى عدة أقسام، أولها الدين العام المحلي، ويمثل إجمالي المبالغ التي تقترضها الحكومة من قطاعات الاقتصاد الداخلي، وغالبًا من القطاع المصرفي، ويكون تقديرها بالعملة المحلية عبر آليتين أولهما أذون الخزانة وهي أدوات دين قصيرة الأجل تتراوح بين 91 و364 يومًا ويحصل خلالها المُقرض على فائدة على أن يتلقى أصل الدين في نهاية المدة، والثانية هي “سندات الخزانة” وهي أدوات دين طويلة الأجل تمتد من عام وحتى 7 أعوام وميزتها في أن الفائدة عليها منخفضة عن أّذون الخزانة.

وثانيًا الدين العام الخارجي، وهو يمثل المبالغ التي تحصل عليها الدولة من جهات أجنبية سواء أكانت دولة أجنبية أو هيئة حكومية أو صندوق حكومي أو دولي أو منظمة دولية أو أفراد في الخارج، ويتم الحصول عليه وسداده بالعملة الصعبة.

أزمة الديون السيادية

تنشب أزمة الديون السيادية، عندما تعجز الحكومة عن تدبير العملة اللازمة لسداد الالتزامات المستحقة عليها، وحال وصول الدولة لتلك النقطة فتتعرض خلالها لمخاطر من بينها تخفيض تصنيفها الائتماني وعجزها عن الاقتراض مجددًا من السوق الدولية.

خدمة الدين

خدمة الدين تعني جميع المبالغ التي يتم سدادها مقابل الحصول على القرض، وتشمل فوائد الأقساط والعمولات، والفوائد تمثل نسبة مئوية يدفعها المدين إلى الدائن، وتظهر في الموازنة العامة السنوية للدولة، ضمن بنود الإنفاق الجاري.

أما أقساط سداد الدين فتمثل مبالغ يتم سدادها بصورة دورية في الغالب كل ستة أشهر من أصل الدين إلى الدائنين حسب شروط الاقتراض، وتظهر في موازنة التحويلات الرأسمالية.

هيكل الدين العام

يتضمن هيكل الدين العام وفقًا للجهة التي تقوم بالاقتراض إلى

1 ــ الدين الحكومي وهو مستحق على الخزانة العامة للدولة (وزارة المالية) ويشمل أذون وسندات الخزانة والاقتراض من بنك الاستثمار القومي وأموال التأمينات وشهادات الاستثمارات وصناديق توفير البريد، والفرق بين أرصدة الحكومة لدى الجهاز المصرفي وبين ما تنفقه.

2 ــ مديونية الهيئات العامة الاقتصادية التي تضم جهات عامة لها ميزانياتها الخاصة لكنها تحصل على دعم من الدولة حال حدوث عجز لها، أو تحول الفائض منها إلى الموازنة وتتضمن 48 جهة أشهرها الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، وهيئة البنك الرئيسي للائتمان الزراعي، والهيئة العامة للتنمية الصناعية، والهيئة المصرية العامة للبترول، والهيئة العامة لتنفيذ المشروعات الصناعية والتعدينية، وهيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء، والهيئة القومية لسكك حديد مصر، وهيئة النقل العام بالقاهرة،، والهيئة القومية للبريد، والجهاز القومي  لتنظيم الاتصالات، وهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، والهيئة العامة للسلع التموينية، والهيئة المصرية العامة للمعارض والمؤتمرات، والهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، والهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، والهيئة العامة للتامين الصحي، وهيئة الأوقاف المصرية، والهيئة العامة لبنك ناصر الاجتماعي.

كيف يؤثر الدين العام على المواطن؟

يؤدي التنافس بين القطاعين الحكومي والخاص للحصول على تمويل من البنوك، إلى تقليل حجم القروض المتاحة أمام المستثمرين وفرصهم في التوسع، وبالتالي توفير فرص عمل في ظل تخلي غالبية الحكومات عن التعيينات الحكومية، كما يرفع إقبال الحكومات على الاقتراض الداخلي من سعر الفائدة الذي يمثل ارتفاعه أيضًا الاستثمار الخاص، فكلما ارتفع سعر الفائدة زادت تكلفة الدين.

عندما ترتفع خدمة أعباء الدين في الموازنة (تنتمي إلى بند المصروفات) تضطر الحكومات للبحث عن موارد لسدها تكون في الغالب عبر زيادة الضرائب وربما تلجأ إلى الاقتصاص من أبواب أخرى في المصروفات مثل تقليل الدعم أو التوقف عن رفع الأجور، وهو ما ينعكس على حياة المواطن بشكل أساسي.