أثارت المظاهرات وأعمال العنف التي شهدتها مدينة مالمو جنوب السويد، بعد حرق بعض المتطرفين نسخة من “القرآن الكريم”، جدلاً واسعًا، كما أعادت هذه الصدامات ملف لجوء العرب للمدن الأوروبية من بوابة الاضطهاد الديني أو تغيير الديانة للواجهة مرة أخرى، وطرحت العديد من الأسئلة حول حقيقة نوايا هذه الطلبات من عدمها.
وأعلنت الشرطة السويدية عن اندلاع أعمال عنف واحتجاجات في مدينة مالمو، الجمعة، في أعقاب “أعمال معادية للإسلام”.
حرق القرآن
وقال المتحدث باسم الشرطة السويدية، إن المحتجين اشتبكوا مع الشرطة وأضرموا النار في إطارات السيارات بعد أن أقدم أنصار اليمين المتطرف على إحراق نسخة من “القرآن الكريم” في المدينة.
وشهدت المدينة مظاهرة لليمينيين المتطرفين بعد منع زعيم حزب “النهج الثابت” اليميني المتطرف الدنماركي راسموس بالودان من اجتماع مع أنصاره في مالمو ومنعه من دخول السويد عند الحدود، حسبما أفادت صحيفة “أفتونبلاديت” السويدية.
ووفقًا لوسائل الإعلام السويدية، كانت هناك عدة مسيرات مناهضة للإسلام، لذلك فرضت السلطات المحلية حظر دخول لمدة عامين على السياسي بالودان واعتقلته بالقرب من مالمو.
وكانت عدة دول أوروبية بينها السويد وهولندا وألمانيا، قد عبرت خلال الأشهر الماضية، عن قلقها من تصاعد الأعمال اليمينية المتطرفة ضد المسلمين والأجانب، وسط تزايد الحسابات ذات التوجهات اليمينية على مواقع التواصل الاجتماعي.
أعمال عدائية
وشهدت أوروبا عدة عمليات تم تصنيفها ضمن قائمة الأعمال العدائية ضد الأجانب والمسلمين، والتي كان آخرها في مدينة هاناو الألمانية، حيث أقدم متطرف يميني في فبراير الماضي على مهاجمة مقهيين تابعين لأكراد وأتراك في المدينة، ما أسفر عن مقتل 9 أشخاص، بالإضافة إلى منفذ الهجوم، الذي قالت الشرطة إنه قتل والدته وانتحر عقب ساعات من الهجوم.
رد الأزهر
من جانبه، أدان الأزهر الشريف بشدة حرق نسخة من المصحف الشريف ضمن تظاهرة عنصرية ضد الإسلام والمسلمين في مالمو.
وأكد الأزهر أن “الازدواجية في التعامل مع أتباع الأديان لن تكون إلا سببًا في ارتفاع وتيرة الإسلاموفوبيا وخطاب الكراهية، بما يتنافى مع مبادئ احترام حرية وحقوق الآخرين ومعتقداتهم”، مشددًا على “أن تلك الحوادث تؤجج مشاعر الكراهية بما ينعكس سلبًا على وحدة وأمن المجتمعات التي نسعى جميعا للحفاظ عليها”.
وطالب الأزهر الشريف بضرورة “اتخاذ المزيد من التدابير والإجراءات التي تكفل منع تلك الأفعال البغيضة والضرب على يد مرتكبيها بكل قوة، مع وضع الضمانات الكافية التي تكفل الحرية الكاملة للمجتمعات المسلمة في البلدان الأوروبية لممارسة معتقداتهم دون أدنى تهديد من الجماعات المتطرفة”.
أرض العرب
ورغم ذلك، كانت ولازالت السويد قبلة غالبية المهاجرين العرب، وبحسب أحدث الإحصائيات فقد بلغ عدد اللاجئين العرب في السويد نحو 400 ألف نسمة في عام 2018، بنسبة تبلغ 1.8% من عدد السكان، ويتصدر السوريون القائمة، يليهم العراقيون، كما تعتبر اللغة العربية اللغة الثانية هناك بعد اللغة الأم.
ويفضل اللاجئون العرب الإقامة في السويد؛ بسبب المزايا العديدة التي تمنحها للاجئين، من حيث السكن، والعلاج، والتعليم، والعمل، لذلك كانت وِجهة الكثير منهم.
ويقدر عدد سكان السويد بما يقارب 9 ملايين ونصف مليون نسمة، حيث يعيش في العاصمة ستوكهولم نحو مليون ونصف مليون نسمة، في حين أن ثانية وثالثة كبرى المدن هي جوتنبرج، ومالمو التي تقطن بها أغلب الجاليات العربية.
اللجوء الديني
ويعد “اللجوء الديني” للملحدين أو من يرغبون في تغيير دياناتهم من أكثر أنواع اللجوء الذي تقبله السلطات السويدية، بسبب أن طالب اللجوء يكون في خطر يهدد حياته، لذلك يتم التعامل مع ملفه بسرعة وبنوع من الجدية.
وتنص المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على “أن لكل شخص الحق في طلب اللجوء والتمتع به في بلد أخرى حتى لا يتعرّضَ للاضطهاد في بلده الأم”.
وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد ارتفعت طلبات العرب للجوء من دولهم إلى دول أخرى بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، لاسيما من قبل الشعوب الخليجية، وأهم الأسباب والدوافع كانت مرتبطة بعدم الأمان أو وجود تهديد على حياة الفرد بسبب ميوله أو افكاره أو اضطهاد ديني كالتخلي عن المعتقدات الدينية والإلحاد.
وفي نمو خفي تزايد عدد الأشخاص الذي يقدمون اللجوء على أساس التخلي عن المعتقدات الدينية واختيار الحياة (بلا دين) أو الإلحاد، خاصة بين فئة الشباب، حيث يعد الاضطهاد الديني أحد أكثر الأسباب شيوعًا للجوء، ووفق بعض التقارير الدولية فإن بعض العرب الذين يختارون العيش بلا دين، يعانون من الاضطهاد ما يدفعهم إلى طلب اللجوء .
كما أن هناك مطالب من عدد من الجمعيات في أوروبا لتغيير قوانين تسمح للملحدين أو من يعانون من الاضطهاد الديني بسهولة اللجوء إلى بلد مضمون لا يُجرم الإلحاد.
ويُرجع المراقبون الأمر إلى أن الأوروبيين الآن أكثر استعدادًا لقبول اللاجئين الذين يمكنهم المساهمة في المجتمع، أو المضطهدين أو غير المسلمين، وبحسب دراسات حديثة فإن ميل الأوروبيين لقبول طالب اللجوء هو في المتوسط أقل بنسبة 10.7 نقطة مئوية إذا كان مقدم الطلب مسلمًا وليس مسيحيًا.
أما إذا كنت ملحدًا، فإن استعداد الأوروبيين لقبولك هو في المتوسط 3.7 نقطة مئوية أقل مما إذا كنت مسيحيًا.
وفي ألمانيا على سبيل المثال، تشير الإحصائيات إلى أن من بين 11430 طلب لجوء مقدمة من إيرانيين في العام الماضي، لم يحصل على اللجوء سوى 2619 إيراني فقط، وهو ما أثار انتقادات من قبل الكتلة البرلمانية لحزب اليسار، والتي أشارت إلى اضطهاد الذين يعتنقون المسيحية والملحدين في إيران، مضيفة أنه يُنظر إلى الإيرانيين الذين اعتنقوا المسيحية بعد مغادرتهم البلاد على أنهم يشكلون تهديدًا للأمن القومي الإيراني.
“الهروب، ثم التعميد ثم الاعتراف باللجوء؟.. تحت هذا العنوان، أشار تقرير للإذاعة الألمانية إلى أنه عندما جرى فتح الحدود مع أوروبا في خريف 2015، لم يصل إلى ألمانيا عبر طريق البلقان لاجئون فروا من الحرب من سوريا وأفغانستان والعراق فقط، وإنما جاء في الرحلة أيضًا كثير من الإيرانيين الباحثين عن الحماية فرارًا من نظام الملالي.
كشف النوايا
على الرغم من أن الكنائس في ألمانيا سعيدة بارتفاع عدد من تحولوا إلى المسيحية من بين طالبي اللجوء من إيران، إلا أن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين وكذلك سلطات الهجرة، في المقابل تنظر للمسألة بشكوك على الأغلب.
ورغم أن الاضطهاد الديني يعد أساسًا لطلب اللجوء، يُخفق التقييم من خلال جلسات الأسئلة والأجوبة في أن يعكس “الطبيعة الشخصية الداخلية الكامنة للديانة أو المعتقد”.
وتحت عنوان “الفرار من الاضطهاد.. طلب اللجوء بالمملكة المتحدة استنادًا للحريات الدينية”، أشارت صحيفة “الجارديان”، إلى أن من بين اللاجئين الساعين وراء اللجوء جراء الاضطهاد المسلمون الذين يعتنقون المسيحية، وهؤلاء الذين ينتمون للطائفة الأحمدية والهندوس ومعتنقو الديانات الأخرى أو الملحدون .
وأشارت الكنائس في المملكة المتحدة وأنحاء أوروبا، إلى ارتفاع أعداد طالبي اللجوء، خاصة الوافدين من الشرق الأوسط ووسط آسيا خلال السنوات الأخيرة.
وأكد التقرير، أنه في الواقع فإن هذا التوجه سيستمر في التزايد، فعدد الأشخاص الذين يسعون إلى اللجوء جراء الاضطهاد الديني لن يتراجع خلال السنوات القادمة.
وذكر جوف جلبرت، أستاذ القانون بجامعة إيسكس، أنه يسهل التعرف على عمليات الاضطهاد حينما ينطوي الأمر على عنف بدني، ومع ذلك يصعب للغاية إثبات عدم القدرة على ممارسة شعائر العقيدة التي يعتنقها أي شخص.
ولطلب اللجوء على أساس ديني، يُفترض أن يُظهر مقدم طلب اللجوء بشكل مقنع، أنه سيمارس شعائر دينه الجديد عند عودته إلى وطنه، وأنه سيواجه هناك بسبب ذلك اضطهادًا، ما يبرر نيل الحق في اللجوء، حيث إنه يجب أن يثبت مقدم الطلب بتغيير دينه مسألة لها أسباب تكتيكية بالنسبة للجوء، أو أنه فعل ذلك عن قناعة حقيقية.
دراسة الحالة
لكن يبدو أن هناك الكثير من الدول في العالم لا تقبل طلبات اللجوء بشكل عشوائي حتى وإن كانت وضعية طالب اللجوء مقلقة في بلده أو في البلد المضيف الذي قدمه فيه طلب اللجوء، إذ تعمد أغلب حكومات الدول المستضيفة للاجئين على دراسة حالة طالب اللجوء من جميع النواحي.
فتعمد دول مثل كندا والولايات المتحدة ودول إسكندنافية إلى تفضيل انتقاء طلبات لجوء الأفراد أو العائلات بسبب الاضطهاد الفكري أو الديني، حتى وإن كانت دولهم مستقرة، بينما تسعى سياسات دول مثل الولايات المتحدة أساسًا إلى قبول لجوء الكفاءات أو أصحاب الفكر أو الشخصيات السياسية أو الثقافية، بينما تتعاطف كندا مع حالات اللجوء الإنساني.