تُعد ربة المنزل طاولة الطعام يوميًا بما لذ وطاب من الأطعمة الشهية بكميات كبيرة، خاصة في “العزومات” والتجمعات، وبعد الانتهاء من تناول الطعام الشهي، تتبقى كميات كبيرة من فائض الطعام، لا مكان لها، لتلقى في سلة المهملات، كما هي الحال في العديد من المطاعم الكبرى أو الفنادق التي تجد بنهاية اليوم كميات من “بواقي الأكل”.

“تكيّة”

“منة شاهين” شابة مصرية، أرادت تغيير تلك العادات اليومية في المنازل المصرية والفنادق الكبرى أيضًا، فلماذا لا يتم الاستفادة من فائض الطعام الصالح للتناول مرة أخرى وتوزيعه على الفقراء والمحتاجين.

سؤال طرحته “منه”، لتبدأ في رحلة البحث عن إجابة له، لتصل في نهاية الأمر لـ”تكية”، وهو تطبيق على الهاتف المحمول، وسيط بين المتبرعين والشركات والمطاعم والمحتاجين، لجمع فائض الطعام.

بنك الطعام المصري أصدر بيانًا العام الماضي، أكد خلاله أن مصر تعتبر من أعلى الدول المساهمة في نسب نفايات الطعام بواقع 73 كيلوجرام من إجمالي النفايات السنوية من الغذاء العالمي للشخص الواحد.

وطبقًا لدراسة أجراها مركز “Center for Food & Nutrition Barilla (BCFN)” عن إهدار الطعام، تأتي مصر في المركز السادس عشر من مجموعة 25 دولة بعد المملكة العربية السعودية.

3 أقسام

تروي “منة” الطبيبة الصيدلانية أنها كانت في زيارة لدولة لبنان منذ ما يقرب من 3 أعوام، ووجدت هناك فائضًا كبيرًا من الطعام يهدر بأحد المطاعم، وهنا بدأت تراودها فكرة كيفية الاستفادة من هذا الفائض.

وبما أن العالم أصبح قرية صغيرة بسبب استخدام الإنترنت، وهناك العديد من الأعمال التطوعية يجتمع القائمون عليها من خلال مواقع التواصل وغيرها من التطبيقات، فكرت “منة” في إنشاء تطبيق إلكتروني لتطبيق فكرتها بشكل عملي.

بدأت الشابة الثلاثينية بالفعل في إنشاء التطبيق الإلكتروني، بمساعدة متخصصين بهذا المجال التقني، وتم وضعه على المتجر المخصص لتحميل التطبيقات من الهواتف المحمولة المختلفة، ويضم بداخله ثلاثة أقسام، الأول لطعام يباع بأسعار أقل من أسعار المطاعم أو المحلات، وهنا يمكن شراؤه من قبل المتطوعين وتوزيعه على المحتاجين والفقراء.

والقسم الثاني يضم فائض الطعام من الفنادق الكبرى والمطاعم، بسعر رمزي يمكن الحصول عليه أيضًا وتوزيعه على المحتاجين، أما القسم الثالث فهو مخصص للطعام المجاني للجمعيات الخيرية، والتي يمكنها الحصول عليه وتوزيعه على المحتاجين بمناطق عدة.

أغذية صالحة للاستهلاك

بنك الطعام المصري أوضح في بيانه، أن نحو 1.3 مليار طن سنويًا من الأغذية الصالحة للاستهلاك تهدر على الصعيد العالمي، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو”، كما أن نسبة الطعام المهدر عالميًا من المواد الغذائية المهمة للتغذية السليمة تصل إلى نحو 42% سنويًا تقريبًا، بينما لا تتخطي نسبة الجوع 12%.

يعمل التطبيق الآن داخل مصر، إلا أن أحلام الشابة المصرية تمتد لتعميمه بباقي الدول العربية للقضاء على الجوع والفقر، وأيضًا للاستفادة من الطعام المُهدر، خاصة في المجتمعات التي تهتم كثيرًا بالطعام، وتُعد ولائم عدة يخرج منها فائض كبير من الأطعمة المختلفة.

تطبيق “تكية” متاح لجميع الأفراد، من مستخدمي الهواتف المحمولة، ليجمع المتبرعين بالطعام، أو الراغبين في شراء الوجبات بأسعار رمزية عقب الحصول عليها من الفنادق الكبرى أو المطاعم وتوزيعها على الفقراء، ليصل في النهاية للمحتاج في مكانه.

شبكة عمل

شبكة عمل بدأت عقب إطلاق التطبيق، فالعديد من المطاعم والفنادق الكبرى رحبت بالفكرة، وبدأت بالفعل بالتواصل مع التطبيق وإرسال الأطعمة الصالحة، وهناك مطاعم كبرى أيضًا بدأت في وضع إعلانات على قوائم الطعام الخاصة بها لتخصيص جزء من أرباحها بيوم معين للتطبيق ودعمه.

كما يسمح التطبيق لأصحاب المطاعم بعرض فائض الطعام بها للمستهلك، أو عرضه مجانًا للمحتاجين والفقراء، ليصبح بذلك مساهما في مساعدة الفقراء ومحاربة الجوع، ويساعد المطاعم والفنادق أيضًا في بيع الطعام بها بدلا من إلقائه في القمامة والاستفادة به.

الجمعيات الخيرية لها الدور الأكبر بهذا التطبيق، حيث إن “مندوبيها” يصلون للحصول على الطعام، كما يقومون بتوزيعه على المحتاجين حسب القوائم الموجودة لديهم، كما أن التأكد من صلاحية الطعام لتناوله هو أمر هام ويعد الخطوة الأولى في رحلة “تكيّة” لمساعدة الفقراء والمحتاجين.

التطبيق مقسم حسب المنطقة، ففي المنطقة الخاصة بك تجد المطاعم والوجبات المتاحة التي يمكنك من خلالها الشراء بأسعار بسيطة والتوزيع على الفقراء، وإن كنت صاحب مطعم أو فندق يمكنك مراسلة التطبيق وسيرسل مندوبه بالمنطقة الخاصة بك للحصول على فائض الطعام وعرضه للفقراء، فوجهة طعامك الأخيرة تكون لدى المحتاجين له، حتى أصبح للتطبيق مساهمون من مطاعم بعلامات تجارية معروفة وفنادق كبرى أيضًا، تساهم في صنع الخير وتساعد في التقليل من إهدار الطعام.

تحت شعارات “معا للحفاظ على النعمة.. لا لإهدار الطعام”، حلمت “منة شاهين” بمحاربة الفقر والجوع وبدأت بتنفيذ حلمها داخل مصر، مستمرة فيه لتتخطى الحدود وتصل لجميع أرجاء الوطن العربي، للاستفادة من نعمة الطعام.