يعتبر “التضخم” أكثر المشكلات الاقتصادية التي تتطلب تكاملًا بين السياستين النقدية ممثلة في البنك المركزي، والمالية ممثلة في وزارة المالية، لمواجهتها باعتبارها تمس حياة جميع المواطنين، وترتبط بالمستوى العام لأسعار السلع والخدمات.

ما هو التضخم؟

التضخم في أبسط مفاهيمه يعني “نقود كثيرة تسعى لشراء سلع قليلة”، أو بمعنى آخر وجود طلب كبير على سلع قليلة فيرتفع سعرها، أو بمعنى ثالث انخفاض القوى الشرائية للعملة أو عدد ونوعية السلع التي يمكن شراؤها بها، كالجنيه على سبيل المثال الذي تقلصت قيمته الشرائية إلى الربع خلال السنوات العشر الأخيرة.

أنواع التضخم

يتضمن التضخم أنواعًا كثيرة أشهرها في المنطقة العربية “التضخم الجامح”، ويحمل اسمه من الحصان الذي يجمح أي يصعب السيطرة عليه، وهو عبارة عن موجة ارتفاع في الأسعار، تضطر الدولة لرفع الرواتب لمواجهته، فيزيد إنفاق المواطنين وطلبهم على السلع، فيرفع منتجوها أسعارها مرة أخرى وهكذا.

أما النوع الآخر فهو “التضخم الزاحف”، وهو شبيه بالسلحفاة، عبر زيادة بطيئة ومستمرة في الأسعار، بسبب ارتفاع الأجور عن مستوى النمو الاقتصادي.


كذلك يوجد “التضخم المستورد”، وينتج ذلك النوع من التضخم بسبب الاعتماد على الاستيراد من الخارج، فمع ارتفاع أسعار السلع في بلد إنتاجه الأصلي، لابد أن ترتفع عند الدول المستوردة لها.

ثم ” التضخم الظاهر” وهو نوع من ارتفاع الأسعار لا تتدخل الدولة في مواجهته، فتترك السوق وفقا للعرض والطلب دون محاولة للتأثير عليها بزيادة السلع المطروحة أو زيادة الأجور.

يوجد أيضًا “التضخم الخفي”، وهو نوع من التضخم شائع عربيًا وينتج عن وجود ندرة في السلع وطلب كبير عليها، لكن دون ارتفاع واضح في الأسعار، بسبب سياسات اقتصادية حكومية تمنع ارتفاعها بصورة حقيقية عبر التسعير الجبري، أو إلزام التجار بهوامش ربحية.

كيف يؤثر التضخم على حياتك؟

يؤثر التضخم بقوة على دخل المواطنين أصحاب الدخول الثابتة، وفي مقدمتهم الموظفين، على عكس أصحاب الأعمال والحرفيين الذين يرفعون دخلهم وخدماتهم باستمرار بنسب تتجاوز مستوى ارتفاع الأسعار، خاصة في الدول كمصر التي يقدر فيها الحرفي دخله بسعر كيلو اللحم أو علبة السجائر.

يستفيد المدينون أو المقترضون من ارتفاع التضخم، على عكس الدائنين أو المقرضين بسبب انخفاض القوى الشرائية للعملة،  فمثلا لو اقترض شخص ألف جنيه وسط مستوى تضخم ١٠٪ وردها إلي صاحبها في مستوي تضخم ٢٠٪ يكون الأخير، قد خسر ١٠٪ من قيمة أمواله الحقيقة تمثل نفس مستوى ارتفاع التضخم.

على مستوى الاقتصاد الكلي، يحمل التضخم أضرارا متعددة، من بينها تقليل القدرة التنافسية لسلع الدولة في الخارج، ففي مستوى تضخم  ١٥٪ لا تستطيع الدولة منافسة المنتج الصيني المنافس في السوق الخليجية، لأن التضخم يرفع تكاليف إنتاج السلعة،  وسعرها وقدرتها على المنافسة.

المشكلة الأخطر للتضخم، هو ارتباطه بعلاقة عكسية مع البطالة، فكلما زادت معدلات التشغيل بما يقلل من معدل البطالة، ترتفع قدرة الأفراد على الإنفاق، فيزاحمون على شراء السلع، فترتفع أسعارها.

– ما أساليب مواجهة التضخم؟

تعتمد مواجهة التضخم على تكامل سياسات البنك المركزي ووزارة المالية، فاي قرار منفرد من احدهما يسبب ضررا كبيرا للآخر، وظهر ذلك واضحا في صدام وتصريحات متبادلة قبل سنوات، بين هاني قدري دميان وزير المالية، وطارق عامر، محافظ البنك المركزي، حول طرق مواجهة التضخم وتأثيراته .

يوثر البنك المركزي على التضخم عبر “سعر الفائدة”، الذي تحدده لجنة داخلية يشكلها تجتمع كل 45 يومًا تحدد سعر الفائدة للإيداع والاقتراض، وكلما رفع البنك الفائدة رفع معه العائد الذي يحصل عليه المواطن من وضع أمواله كوديعة في البنك، وبالتالي قدرته على الإنفاق فيزيد التضخم.

لكن رفع الفائدة يمثل في الوقت ذاته ضررا لوزارة المالية، لأنها أكثر القطاعات التي تقترض من البنوك ما يرفع عليها عبء الفوائد، ويؤدي إلي ارتفاع مصروفات الموازنة، فيزيد عجز الموازنة، وتضطر الوزارة لمواجهته بالاقتراض، كما يضر أيضا بقطاع المستثمرين الراغبين في الحصول على قروض للتوسع .

وعلى العكس، حال تخفيض الفائدة، تقل قدرة القطاع العائلي المعتمد على الدخل من وضع وديعة بنكية للحصول على عائدها على الإنفاق، لكن في الوقت ذاته، يزيد قدرة القطاع الاستثماري على الاقتراض، والتوسع وبالتالي تزيد معدلات التشغيل، وتحصل وزارة المالية على فرص أكبر في الحصول على فائدة منخفضة في الاقتراض.