انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، شهادات نُسبت لعدة فتيات حول تعرضهن لحوادث تحرش، وفي الجهة المقابلة خرج بعض الأشخاص مبدين اعتذارهم عن وقائع تحرش ارتكبوها بحق أخريات، ليصبح السؤال، هل تسقط جرائم التحرش بالتقادم، سواء من الناحية القانونية أو الاجتماعية؟، هل يمكن للفتيات قبول هذه الاعتذارات في قضايا التحرش التي مرت عليها سنوات عدة.
امتناع عن الإبلاغ
هالة عيد، شابة مصرية تبلغ من العمر 28 عامًا، تقول إنها تعرضت لواقعة تحرش منذ 5 سنوات من مديرها في العمل، ومع الشهادات التي بدأ عدد من الفتيات الإدلاء بها عبر مواقع التواصل، وبيانات المجلس القومي للمرأة والنيابة، بالترحيب بالإبلاغ عن حوادث التحرش والاغتصاب مع حماية سرية بيانات الضحية، تذكرت الواقعة مجددًا: “افتكرت اللي حصل من مديري في الشغل اللي كان قد أبويا، واللي هو عنده ولاد ومتجوز كمان، وبسبب الواقعة دي سبت الشغل”.
“بعت له رسالة إني فاكرة اللي حاول يعمله وإني مش مسامحاه، لقيته رد عليا برسالة كاتب فيها سامحيني يا بنتي والله أنا بلوم نفسي من وقتها، وأنا مش عارفة هي فعلا رسالة علشان مقولش لحد ولا هو ندمان فعلا، بس أنا مقدرتش أسامحه علشان الأذى بتاع محاولة التحرش معلم فيا، لكن قررت مفضحوش علشان بيته ومكونش سبب في خراب البيت”.
تسقط.. ولكن
المحامي عاصم قنديل يقول، إن قضايا التحرش تسقط بعد 3 سنوات من تاريخ معرفة الجاني أو من تاريخ علم المجني عليها بالجاني، ولكن ليس من تاريخ الواقعة، أما قضايا الاغتصاب فتستمر لعشر سنوات، وهنا تسقط المسؤولية القانونية عن المتهمين بقضايا التحرش بعد 3 سنوات.
محفورة في الذاكرة
تسقط قانونًا لكنها لم تسقط من ذاكرة الفتيات، أو ما يطلق عليهن “الناجيات” كما روت نورهان علي، البالغة من العمر 38 عامًا، والتي تعرضت للتحرش منذ 8 سنوات.
تروي “نورهان”، أن بطل الواقعة التي حدثت في منزل أسرتها كان صديق شقيقها أثناء زيارة، لكنها لم تستطع إخبار أحد بالواقعة في وقتها: “وقتها مقدرتش أحكي لحد ولا حتى أخويا اللي فضل مصاحب الولد ده بعدها بسنتين وبعد كده مبقوش يتقابلوا زي زمان، بس عمري ما نسيت اللي حصل وطول الوقت حاسة إني قصرت في حقي، لحد ما لقيت بنات بتحكي اللي حصل لها، أنا كمان اتشجعت أحكي لأخويا اللي حصل من صاحبه من سنين وإنه لسة معلم فيا ومش ناسياه”.
حكت “نورهان”، لشقيقها ما حدث من صديقها، فثار وذهب لمنزله: “الولد دلوقتي متجوز ومخلف بس أنا كنت حاسة إني محتاجة أخد حقي، ومش هيكفيني كلمة معلش ولا اعتذار، ولو فكرت في إن بيته يتخرب ما أنا حياتي اتخربت بسبب اللي عمله واللي شوه جزء كبير من نفسيتي وخلاني أشك في ناس كتير حواليا وعايشة في تروما وقت طويل، هو لازم يدفع تمن عملته اللي عمرها ما تسقط مع الوقت”.
لا تسامح مع الاغتصاب
قضايا التحرش في مصر بدأت تأخذ منحنى جديدًا في الآونة الأخيرة، وبدأت فتيات في نشر شهادات عن حوادث تحرش واغتصاب، وهنا ترى “عبير سامي” المعلمة البالغة من العمر 46 عامًا، أنه يجب التفرقة بين حوادث التحرش والاغتصاب: “التحرش ممكن يتنسي مع الوقت والواحد يقبل فيه الاعتذار لو الشخص فعلًا قام وقتها بفعل أهوج ولا كان صغير في السن، لكن الاغتصاب ده اللي عمره ما يمكن يسقط مع الوقت، ده زيه زي القتل كده جريمة لازم صاحبها يتعاقب ويكون عبرة”.
“مش حاسة أني ممكن بعد كام سنة أروح أهدم بيت أو أسرة بسبب التحرش، بس المهم أن الشخص يعتذر فعلا وميكررش ده، لكن لو كرره وكان شخص متعود يبقى يستاهل يتفضح، ولكن الاغتصاب فده لازم يتفضح حتى لو المتهم ده عدى على جريمته 100 سنة”.
اعتذار مقبول
الاعتذار مقبول في قضايا التحرش لعدد من الفتيات، بشرط أن يكون صادقًا، أما قضايا الاغتصاب، فهي كما أوضحن “خط أحمر”، وهي أيضًا عقوبتها أغلظ من عقوبة التحرش في القانون، فوفقا للقانون المصري تسقط قضايا الاغتصاب بعد مرور 10 سنوات على وقوع الجريمة، وتصل عقوبتها إلى الإعدام بعدما كانت العقوبة السجن المؤبد، وذلك بموجب نص المادة 267 من قانون العقوبات المستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 11 لسنة 2011، والنيابة هي من تحدد درجة العقوبة.
وتم تشديد عقوبة التحرش في عام 2014 والتي باتت تراوح بين الغرامة 3 آلاف جنيه، كحد أدنى والحبس 5 سنوات مع غرامة 20 ألف جنيه كحد أقصى إذا ما كان المتحرش له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليها.
ووفقًا للمادة 306 مكرر (أ) والتي تنص على أن يُعاقب المتهم فيها بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه، ولا تزيد عن خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية.
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن الحبس سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه وبإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجنى عليه، وفي حالة العودة تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى.
كما تنص المادة 306 مكرر (ب) على أنه يعد تحرشًا جنسيًا إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة 306 مكرر (أ) من هذا القانون بقصد حصول الجاني من المجني عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، ويعاقب الجاني بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، فإذا كان الجاني له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه أو ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهما على الأقل يحمل سلاحًا تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات والغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه.
ونصت المادة 268 من قانون العقوبات على أن كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع في ذلك يُعاقب بالأشغال الشاقة من ثلاث سنين إلى سبع، وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ست عشرة سنة كاملة، أو كان مرتكبها ممن نص عنهم في الفقرة الثانية من المادة 267، يجوز إبلاغ مدة العقوبة إلى أقصى الحد المقررة للأشغال الشاقة المؤقتة. وإذا اجتمع هذان الشرطان معًا يحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة.
ليست مكانا للاعتذار
الإعلامية لميس الحديدي، قالت في برنامجها الذي يعرض على شاشة قناة “الحدث”، إن قضايا التحرش يجب ألا تسقط بالتقادم، مشيرة إلى أن هذا الأمر متبع في العديد من الدول، ويجب تشجيع الفتيات على الإبلاغ عن قضايا التحرش، وعدم لومهن عند التأخر في الإبلاغ، بل مساندتهن، حتى يستطعن مواجهة الأمر، ومواجهة العقبات التي تقف أمامهن خوفًا من نظرة المجتمع أو تحولهن إلى جناة أو متهمات بدلا من مجني عليهن.
في الفترة الماضية، وردت العديد من الاعتذارات عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما ورفضته العديد من الفتيات، ورأين أن الاعتذار لابد أن يوجه للضحايا بشكل مباشر وعليهن قبوله أو رفضه، كما تقول مروة عادل: “إزاي يعني واحد يتحرش بكذا واحدة وييجي يكتب بوست طويل يقول فيه أنا آسف كدة وخلاص، الاعتذار مش في بوست، الاعتذار لازم يكون للبنت اللي اتأذت علشات تحس إنه اعتذار حقيقي وإحساس بالغلط بجد، وهي اللي تقرر تقبل ده أو لا”.
ووافقتها الرأي إيمان محمود، التي ترى أن صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ليست مكانا للاعتذار: “الاعتذار مش مكانه فيس بوك أبدا بالعكس أنا شايفة ده شو واستعراض جديد، الاعتذار لازم يكون للضحية ومن حقها تقبله وكمان تطلب معاه العقوبة المناسبة، علشان في ضحايا من كتر الأذى اللي شافته مش هيرضيها غير المحاسبة على الجريمة”.