من بين أول خمسة قطاعات للتعاون الاقتصادي بين الإمارات وإسرائيل عقب توقيع اتفاق السلام وتطبيع العلاقات في منتصف أغسطس، كان القطاع الزراعي بداية من تطوير الأبحاث العلمية في مجالات زراعية مختلفة مثل الأسمدة والتربة، حتى التوسع في استخدامات التقنيات الزراعية الحديثة في الاستثمارات الزراعية القائمة حالياً والمستقبلية.

خلال أول زيارة لوفد اسرائيلي رسمي للإمارات، تم التوافق على دفع التعاون في المجال الزراعي، وأشار بيان مشترك لمكتبي الاستثمار في الإمارات واسرائيل، أنه يتم بحث فرص الشراكة في الاستثمارات بين الشركات الإماراتية والإسرائيلية، بعدما أعطى كذلك أعطى رئيس الإمارات، خليفة بن زايد آل نهيان، الضوء الأخضر لرجال الأعمال والمستثمرين لعقد الصفقات التجارية مع إسرائيل وفقاً لمرسوم صَدر في 29 أغسطس الماضي، يقضي بإلغاء قانون مقاطعة إسرائيل، ويسمح للشركات والأفراد بعقد اتفاقيات مع أفراد إسرائيليين الجنسية أو مقيمين في دولة إسرائيل على الصعيد التجاري والاقتصادي.

وفي أول لقاء بين وزير دولة الإمارات للأمن الغذائي والمائي، مريم المهيري، ووزير الزراعة والتنمية الريفية الإسرائيلي، ألون شوستر في 28 أغسطس، أكدا أن ملف الأمن الغذائي والمائي، تمثل أولوية كبيرة في كلتا الدولتين، بينما تم التوافق على التوسع في إطلاق مشاريع زراعية مشتركة باستخدام التقنيات والتكنولوجيا الزراعية الإسرائيلية.

 قطار التطبيع مع إسرائيل  تحرك من الإمارات و دول عربية أخرى في مقدمتها السودان قد تكون المحطة الثانية

وبينما بدء قطار التطبيع مع إسرائيل من الإمارات، فإن دول عربية أخرى في مقدمتها السودان قد تكون المحطة الثانية، فإلى جانب الدعم السياسي الذي تتطلع له السودان من وراء التطبيع مع إسرائيل بالانفتاح على المجتمع الدولي بعد سنوات من العزلة في عهد الرئيس عمر البشير، والمعاناة من فرض عقوبات دولية جراء وضع اسم السودان على القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، إلا أن الحكومة السودانية تطلع لمزيد من الدعم الاقتصادي، ومن المقدر أن يكون القطاع الزراعي من بين أهم القطاعات المدرجة على قائمة التعاون مع إسرائيل.  

تأمين غذاء الخليج من أفريقيا

حسب تقديرات البنك الدولي، فإن الأمن الغذائي والمائي من بين أهم التهديدات الأمنية الناشئة في الشرق الأوسط، حيث تستورد المنطقة العربية أكثر من 50% من السعرات الحرارية التي تستهلكها، بينما تعتبر أكبر مستورد للقمح في العالم، حتى أن المناطق الأكثر ثراء في الخليج العربي تزداد اعتماداتها على الأسواق العالمية لتأمين غذائها، إلا أنه في أعقاب أزمة أسعار الغذاء في 2008/2009، أصبحت دول الخليج أكثر حذراً من خطر نقص وانقطاع إمدادات الغذاء، وهو ما كان سبباً رئيسياً وراء السعي وراء عمليات الاستحواذ على أراضي زراعية في الخارج لتعزيز الأمن الغذائي والحد من الاعتماد على الأسواق العالمية في استيراد الغذاء.

بسبب المناخ الصحراوي، تعاني الإمارات من العديد من التحديات في القطاع الزراعي بسبب الحرارة الشديدة وملوحة التربة وقلة الإراضي الزراعية وشح المياه المتوفرة للري، في الوقت الذي تسعى فيه لتأمين احتياجاتها من الغذاء من خلال التوسع في الاستثمارات الزراعية بشكل خاص في دول أفريقية على رأسها دول حوض النيل مثل السودان وإثيوبيا الغنية بالمياه والأراضي الخصبة.

في السودان، بدأ صندوق أبو ظبي للتنمية بإقامة مشروع زراعي ضخم على مساحة تبلغ 70 ألف فدان، ويقع في ولاية نهر النيل، يركز على زراعة الأعلاف، بغرض تصديرها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى مشروعات أخرى تتصدرها شركة الظاهرة الزراعية القابضة الإماراتية، في مشروعات زراعية مروية وسط السودان.

حسب تقديرات محلية سودانية، فإن قيمة الاستثمارات التراكمية للقطاع الخاص الإماراتي تجاوزت 7 مليار دولار، حيث تستثمر 17 شركة إماراتية في السودان في مجالات الزراعة والسياحة والطيران والنفط والغاز.

في إثيوبيا، تفاوضت الإمارات مع الحكومة الإثيوبية السابقة في عهد رئيس الوزراء، هيلاماريم ديسالين، في أواخر عام 2016، على اتفاقية لحماية الاستثمارات الزراعية الإماراتية في الأراضي الإثيوبية، لتشجيع المستثمرين الإماراتيين من التوسع في السوق الإثيوبي دون تخوف، ومنذ ذلك الحين تم إطلاق ما يقرب من 31 مشروع زراعي ضخم على ألاف الأفدنة المعتمدة في الري المباشر من مياه النيل ومياه الأمطار، ضمن 92 مشروع إماراتي أخر بإثيوبيا في مجالات صناعية وصحية وفندقية وعقارية حسب هيئة الاستثمار الإثيوبية.

السيطرة على الموارد الطبيعية

رغم تدفق الاستثمارات الزراعية الخليجية بشكل خاص الإماراتي على الدول الأفريقية وحوض النيل، إلا أن هناك تحديات تواجه تأمين هذه الاستثمارات، خاصة مع تزايد حملات المعارضة المحلية في بعض البلدان ضد الظاهرة التي عرفت بالاستحواذ على مساحات شاسعة من الأراضي “land grabbing“،والذي فسره بعض الباحثين بأنه شكل جديد من الاستعمار، دون مراعاه مصالح الشعوب القبلية في المناطق المقام عليها هذه الاستثمارات، حيث واجهت بعض الشركات مقاومة من المزارعين والسكان المحليين من إقامة مشروعاتهم وصلت إلى حد قتل موظفي هذه الشركات، مثل ما تعرضت له شركة العمودي السعودية بعد مقتل 5 من موظفيها في مشروع جامبيلا، الذي كان يضم آلاف الأفدنة لزراعة الأرز وتصديره لدول خليجية.

واجهت بعض الشركات الإماراتية  فى شمال السودان حملات من المعارضة بين السكان المحليين

في السودان، واجهت بعض الشركات الإماراتية مثل شركة أمطار التي تدير مشروعاً على مساحة 25 ألف فدان، لإنتاج الأعلاف والمحاصيل الاستراتيجية مثل الحبوب في شمال السودان، حملات من المعارضة بين السكان المحليين بعد حصولها على امتيازات غير مسبوقة من خلال عقد امتياز لاستغلال الأراضي لمدة 99 عاماً قابلة للتجديد، إضافة إلى اعفاءات بنسبة 100% من أرباح الأعمال والضرائب.

يرى باحثون أنه رغم تصنيف دول حوض النيل من بين أعلى الدول في مؤشرات الفقر ومعاناة نسب كبيرة من السكان من تدهور الأمن الغذائي والمائي، إلا أن مؤشرات تصدير المياه عبر المنتجات الزراعية والغذائية فيما يعرف بالبصمة المائية أو المياه الافتراضية بلغت معدلات عالية.

كان تصدير المحاصيل التي يرويها النيل من دون استفادة المجتمعات المحلية منها، أحد أسباب اندلاع الثورة السودانية ففي بعض القرى الجافة في منطقة عطبرة، مع تضاعف أسعار الخبر، أشعل متظاهرون غاصبون النيران في مزارع تصدر محاصيلها إلى الخليج حيث رفع المتظاهرون حينها لافتات تقول “المزارع تحيط بنا.. ولا نأكل من ثمارها”، بينما تزيد أرباح الشركات الزراعية الخليجية في المنطقة بالاعتماد على مياه النيل والعمالة السودانية الرخيصة.

السياسات الإسرائيلية الزراعية في حوض النيل

قد يكون الدافع الإسرائيلي في الدفع باستثمارات في القطاع الزراعي في دول حوض النيل متشابهة كثيراً مع دوافع دول الخليج في تأمين الغذاء وتعزيز التواجد في بناء شراكات استراتيجية بالاستحواذ على مشروعات وأراضي في دول أفريقية بعد تصاعد الأهمية الجيوسياسية لبعض الدول الأفريقية بخاصة دول حوض النيل، إلا أن التواجد الإسرائيلي دائماً ما يظهر في صورة الطرف الصديق الذي يقدم يد العون والمساعدة لنقل التكنولوجيا الجديدة والنهوض بالقدرات المحلية في القطاع الزراعي.

رصد التواجد الإسرائيلي في دول مثل إثيوبيا يظهر في الرسائل الدبلوماسية التي تروجها صفحات البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في أديس أبابا والإعلانات المكثفة عن مشروعات التعاون وورش العمل للمزارعين المحليين التي تستهدف تعزيز القدرات الزراعية واستغلال المياه المتاحة، والترويج بأن الهدف وراء استيراد السلع الإثيوبية هو دعم الاقتصاد الإثيوبي.

عدد الشركات الإسرائيلية في إثيوبيا يبلغ 187 شركة بحسب هيئة الاستثمار الإثيوبية

وفقاً لتقديرات هيئة الاستثمار الإثيوبية فإن عدد الشركات الإسرائيلية في إثيوبيا يبلغ 187 شركة، وتستورد إسرائيل بضائع ومنتجات زراعية بقيمة 46 مليون دولار، بينما تصدر لإثيوبيا بقيمة 18 مليون دولار، ومن بين أهم المنتجات المستوردة من إثيوبيا المنتجات الزراعية والتبغ والزهور.

ويتوقع مراقبون أن تمتد الشراكة الإماراتية الإسرائيلية الجديدة إلى دول أفريقية بخاصة دول حوض النيل، من خلال البناء على التواجد والاستثمارات الزراعية القائمة لكل من الدولتين في بعض الدول الإفريقية، لخدمة المصالح المشتركة بتصدير التكنولوجيا الإسرائيلية من جانب، ودعم احتياجات الإمارات الغذائية والاستثمارية من جانب آخر، وظهرت أولى مؤشرات هذا الاتجاه في الترحيب الذي لاقاه اتفاق السلام الإماراتي الإسرائيلي من دول أفريقية مثل إثيوبيا التي رحبت بالاتفاق أملاُ في أن تمتد تداعياته على مزيد من التعاون والشراكات الاقتصادية والتجارية.