يبدو أن سطوة الدولار على العالم قد شارفت على الانتهاء، خاصة مع ظهور عدة أسباب قد تعجل من الانهيار الحتمي للعملة الأمريكية.

وبحسب خبراء، فإن انتشار جائحة “كورونا” والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وما تؤججه من صراع بين العملات، يلعبان دروًا هامًا في إسدال الستار على عصر سيطرة الدولار على الاقتصاد العالمي، ولكن “ماذا سيحدث للعالم إذا انهار الدولار”؟.

ومنذ الحرب العالمية الثانية، يتم التعامل مع الدولار باعتباره عملة الاحتياطي النقدي العالمية إذ تستخدمه بعض الدول لدعم عملتها.

وتعود أصل تسمية الدولار إلى عملة معدنية ألمانية ظهرت في القرن السادس عشر، كانت تسمى “تولار” وتم استخدام الكلمة في أوروبا ومن ثم حملها البريطانيون إلى أمريكا، حيث تم تحريف الكلمة إلى دولار، بعد أن كان تداول العملات في أمريكا مقتصرًا على الريال الإسباني في كافة المقاطعات.

وفي منتصف الحرب الأهلية عام 1862، استطاعت وزارة الخزانة الأمريكية طبع أوراق الدولار، باللونين الأسود والأخضر، وهي ألوان استخدمت منعًا لتزييف العملة، ومنذ ذلك الوقت ظهر الدولار في عالمنا.

في الفترة الأولى لظهوره، تم ربط الدولار بالذهب حيث تقرر أن يكون مقابل كل 35 دولارًا أونصة واحدة من الذهب الخالص عيار 21، عقب ذلك تم فك هذا الارتباط وتحولت وجهته إلى النفط، ليتم تسعير هذا الأخير بالدولار، ومن هنا ظهرت تسمية “البترودولار” وأصبح هو العملة رقم واحد التي تُقيّم بها المعاملات.

وتشير التقديرات، في العام الماضي، إلى أن إجمالي الدولارات الأمريكية التي يتم تداولها اليوم في النقد تبلغ أكثر من 60 تريليون دولار.

هل بدأ الانهيار بالفعل؟

وتحت عنوان “هل بدأ انهيار الدولار؟”، نشر معهد “تشاتام هاوس” البريطاني، تقريرًا مطولًا حول تكهنات بعض المختصين بما أسموه بداية نهاية هيمنة الدولار في العالم، مشيرين إلى أن انخفاضه الحاد منذ أوائل الصيف مقابل صعود الذهب، يطرح التساؤلات حول ما إذا كانت ستستمر سيطرة الدولار على النظام العالمي في الأيام المقبلة، أم ستصعد عملة أخرى تقلب الموازين؟.

وتشير التقارير إلى أن احتياطي الفيدرالي من الذهب يمثل نحو ثلث احتياطي العالم، ولفت التقرير إلى أن هناك جانبين مختلفين لتقييم انهيار الدولار من عدمه، ويجب التفريق بينهما وهما: قيمة سعر صرف الدولار مقابل العملات الأخرى، لاسيما خلال فترة الصيف الراهن، والثاني هو تحريك الدولار بشكل هيكلي أو دوري، ولكن للحصول على قيمة عادلة يجب الجمع بين المعدلين معًا.

ونوه التقرير إلى أنه رغم ذلك، فإن النهج الأكثر شيوعًا لتقييم العملات هو ما يسمى “بتكافؤ القوة الشرائية”، والذي ينص على أن العملة في حالة التوازن ستعكس في النهاية الفرق في الأسعار بين بلدين أو منطقتين، فإذا كان التضخم أعلى باستمرار في الولايات المتحدة من منطقة اليورو، فإن قيمة توازن الدولار ستنخفض مع مرور الوقت.

وأوضح أن انخفاض استخدام الدولار في الأسواق العالمية، بحسب المختصين، غير مربوط بقيمته، حيث من الممكن أن ينخفض تداوله بشكل منتظم رغم ارتفاع قيمته أو أسعاره في الأسواق، وخير دليل، أن في العامين الماضيين أدت القرارات التي اتخذها صناع السياسات في الولايات المتحدة، كفرض عقوبات على دول أخرى بغرض هيمنة الدولار، إلى خفض تلك البلدان حصتها من احتياطيات الدولار من العملات، رغم ارتفاع قيمته وقتها، وهو ما سيؤثر سلبيًا في المستقبل بشكل أو بآخر، كاشفًا أن روسيا والصين تقومان بذلك منذ وقت .

أيام معدودة

ويؤكد البروفيسور الأمريكي، ستيفن روتش، أن أيام الدولار الأمريكي باتت معدودة، مبررًا ذلك بانخفاض حجم المدخرات الأمريكية، وأزمة جائحة كورونا، فضلاً عن الاحتجاجات التي أعقبت مقتل الأمريكي من أصول إفريقية جورج فلويد، والحرب التجارية مع الصين التي تلوح في الأفق.

ولفت “روتش” إلى أن جذور المشكلة تعود لعام 2020، حيث انخفض حجم المدخرات الأمريكية الوطنية إلى 1.4% من الدخل القومي، ويمثل ذلك أقل انخفاض منذ أواخر عام 2011، وخُمس المعدل 7% من عام 1960 إلى 2005.

وبعيدًا عن الحرب التجارية، فقد بدأت بكين تفكر جديًا بشأن تخفيض استثماراتها في سندات الخزينة الأمريكية.

3 أسباب

بينما ذكرت كيمبرلي أمادوا، الخبيرة الاقتصادية، في وقت سابق، أن هناك ثلاثة أسباب قد تدفع بانهيار الدولار، أولها أن تضعف قيمته، أما السبب الثاني يتعلق بوجود بديل للعملة يمكن استخدامه، فقوة الدولار ترتكز على استعماله كعملة الاحتياطي النقدي العالمي.

ويجدر بالذكر، أنه بدأ استخدام الدولار كاحتياطي في 1973، عندما تخلى الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، عن استخدام الذهب وبدأ بطبع الدولار، وإذا خسر الدولار مكانته، فستحل عملة أخرى مكانه، وكان اليورو الأوفر حظا لذلك، لكنه لا يشكل سوى 30% من احتياطي البنك المركزي الأمريكي، فضلًا عن أنه ضعف بعد الأزمة منطقة اليورو.

أما السبب الثالث الذي قد يدفع إلى انهيار الدولار، فيتمثل في تدمير الثقة في العملة، ووفقاً لمكتب الموازنة في الكونجرس، فمن المرجح أن يرتفع عجز الموازنة الفيدرالية إلى رقم قياسي في زمن السلم يبلغ 17.9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، قبل أن يتراجع إلى 9.8 بالمئة في عام 2021

آثار كارثية

يقول خبراء إن الانهيار المفاجئ للدولار سيخلق اضطرابًا اقتصاديًا عالميًا، ولهذا ينصح البعض بعدم الادخار بالدولار واستبداله بالذهب، وهذا ما أثبته أزمة كورونا بالفعل.

ويتوقع الخبراء أن انهيار الدولار القادم بلا شك سيخلق اضطرابًا في النظام العالمي، ما يدفع المستثمرين إلى استبداله بعملات أخرى لاسيما الرقمية، وأيضًا الأصول مثل الذهب والبضائع، كما سيتراجع الطلب على سندات الخزانة وسترتفع معدلات الفائدة، وستزيد أسعار الواردات الأمريكية لأعلى مستوى ليتسبب ذلك في تضخم غير متوقع.

وعلى المدى الطويل سيخنق التضخم وارتفاع معدلات الفائدة أي فرصة للنمو، فضلًا عن ارتفاع مستوى البطالة، الأمر الذي سيعود بالولايات المتحدة إلى فترة الكساد العظيم، وسيؤثر الانهيار أيضًا على ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، وقد يسفر عنه ندرة في المواد الغذائية، بسبب ارتفاع أسعارها، الأمر الذي قد ينتهي بحالات شغب وخلل اجتماعي.

أما على مستوى القطاعات الاقتصادية، يعد قطاع العقارات أكثر من سيتضرر بينما سيعاني قطاع العقارات في الوقت الذي سيزيد فيه سعر البضائع المستوردة.

تأثير الجائحة

وعن تأثير “كورونا” على قيمة الدولار واقتصاديات منطقة اليورو، لفت تقرير المعهد البريطاني، إلى أن تأثير “كورونا” واضح على الاقتصاد الأمريكي وقيمة الدولار، حيث إن بعد عودة الاحتياطي الفيدرالي إلى السياسة النقدية بجانب انخفاض أسعار الفائدة، بدا أن انخفاض الدولار أمر لا مفر منه، وقد يستمر في الانخفاض في المستقبل القريب.

في أواخر الثمانينيات ومنتصف التسعينيات من القرن الماضي، وصل الدولار إلى مستويات منخفضة للغاية، ومع سياسات الولايات المتحدة الراهنة والتأثيرات الاقتصادية بسبب “كورونا”، فان الظروف أكثر من ملائمة لنشهد فترة طويلة من ضعف الدولار، وهو ما يعكس في كواليسه أيضًا سرعة تعافي أوروبا والصين ومعظم دول آسيا بشكل أفضل من الولايات المتحدة بعد أزمة كورونا.

واختتم الموقع تقريره، بأنه “في نهاية المطاف لا يمكن لهيمنة الدولار باستمرار أن تفوق التراجع النسبي للاقتصاد الأمريكي في العالم، والذي يحدث منذ 20 عامًا، ففي مرحلة ما سيبدأ استبداله بشيء آخر، كاليورو أو البيتكوين، أو حتى عودة الذهب، كل هذا ممكن، لكن ذلك لا يجعلنا نخلط بين اتجاه سعر الدولار مقابل العملات الأخرى في الأيام المقبلة أو حتى لعام 2021.