مع تزايد حالات العنف الأسري في الدول العربية، طالبت عدة منظمات حقوقية سواء محلية أو دولية، بضرورة إقرار قوانين تجرم العنف الأسري بشكل خاص، ورغم تفاوت الإحصائيات بين هذه الدول، إلا أن ثقافة رفض العنف الأسري لا تزال غائبة، مما أثر على إصدار التشريعات الخاصة به، فضلًا عن إثارة الملف ذاته جدلًا كبيرًا.

العراق.. جدل حول القانون

بعد سنوات من الترقب، وصل مؤخرًا قانون مناهضة العنف الأسري إلى البرلمان العراقي للتصويت عليه، لكن يبدو أن هذا القانون لم يُكتب له الخروج للنور، حيث احتدم الجدل بين كتل سياسية ومنظمات حقوقية بشأنه، وانقسمت الآراء والتصورات بين من يرونه ضامنًا لحقوق الفئات الضعيفة في المجتمع مثل الأطفال والنساء، وبين من يرون أنه يزيد من تفكك الأسرة.

كانت الحكومة العراقية قد أعلنت في الخامس من شهر أغسطس الماضي، إقرارها قانون “العنف الأسري”.

وقال المتحدث باسمها أحمد ملا طلال، إن “الحكومة أرسلت مشروع القانون إلى البرلمان لمناقشته وتمريره ليصبح نافذاً”.

وحسب المادة الأولى من القانون، يعرف العنف الأسري على أنه “كل فعل أو امتناع عن فعل أو التهديد بأي منهما، يُرتكب داخل الأسرة، يترتب عليه ضرر مادي أو معنوي”.

وبحسب بنود القانون، فإنه يحمي “الشرائح الضعيفة في المجتمع”، مثل الأطفال والنساء، ويُعاقب الرجال الذين يمارسون العنف والضرب والقتل، ويأتي إقرار القانون بعد سنوات من مطالبات منظمات محلية ودولية، وفي ظل ارتفاع معدلات العنف الأسري، التي زادت نسبتها خلال الحجر المنزلي ضمن إجراءات الوقاية من فيروس كورونا خلال الأشهر الماضية، ووثقت وزارة الداخلية العراقية أكثر من 5 آلاف حالة عنف أسري في البلاد خلال النصف الأول من العام 2020.

وعن سبب تأخر إقرار القانون، قال نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، قصي عباس الشبكي إن “سبب ترحيله من دورات سابقة كان الاعتراضات من بعض القوى الإسلامية في مجلس النواب”، مبينا أن “القانون تعمل عليه عدد من اللجان من بينها لجنة المرأة والأسرة ولجنة حقوق الإنسان البرلمانية”.

وأكد “الشبكي” في تصريحات لفضائية عراقية، أن “الجميع يعلم أن الخلاف حول القانون سياسي ويخص الشرع والدين الإسلامي في بعض فقرات القانون، الذي ترى فيه القوى السياسية الإسلامية أنه يمس الشرع الديني”.

ولفت إلى أن “القانون تم مناقشته في ورش عمل داخل المجلس وخارجه وبمشاركة منظمات مجتمع مدني وقانونيين لكنه حتى اللحظة لم يصل إلى مرحلة النضوج الذي يجعل الجميع يتوافقون عليه”.

ويأتي إقرار مشروع القانون بعد مناشدات من منظمات محلية ودولية واسعة النطاق، عقب تزايد وتيرة حوادث العنف الأسري خلال فترة الحجر المنزلي، حيث وثقت وزارة الداخلية العراقية 5 آلاف و292 حالة عنف أسري في العاصمة بغداد وبقية محافظات البلاد خلال النصف الأول من العام الجاري.

ونادت المنظمات الدولية بضرورة إقرار قانون العنف الأسري، بعد استنكارها ما يتضمنه قانون العقوبات من (عقوبات مخففة) على الأفعال العنيفة، بما في ذلك القتل، بسبب (بواعث شريفة)، أو إذا ما وجد الرجل زوجته أو إحدى قريباته متلبسة بالزنا في علاقة جنسية خارج إطار الزواج.

وفي نفس الوقت، كان للمنظمة انتقادات لبعض المواد، مثل المادة 20، في الفصل الخامس من نص مشروع القانون.

وقالت رئيسة “منظمة نساء من أجل السلام” شذى ناجي “ضحايا العنف الأسري في العراق نادرًا ما يقدمن شكاوى جنائية من خلال الشرطة، بدلا من ذلك تلعب الشرطة المجتمعية دور الوسيط بدلا من دور إنفاذ القانون، وتركّز على المصالحة بين الضحية والمعتدي بما يتماشى مع ممارسات المجتمع”.

فلسطين.. عقوبات تحت الدراسة

لا توجد إحصائيات واضحة عن العنف الأسري في فلسطين رغم تعدد الضحايا، وبالمقابل يتم إنكار وجود عنف أسري في المجتمع الفلسطيني، ويتم الاستخفاف بالمعاناة والويلات التي تواجهها آلاف النساء بسبب ما تعانيه من العنف الأسري.

ووفقًا لدراسة أعدتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة، والتي هدفت إلى توصيف واقع النساء في فلسطين، ومساعدة صناع القرار في الحكومة ومؤسسات العمل الأهلي في مراعاة النساء، فإن جرائم القتل ضد النساء، ارتفعت بشكل ملحوظ في فترة كورونا، فالأرقام متضاربة ولكن المتوسط هناك ما بين 15-17 امرأة وفتاة فقدن حياتهن في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإن كان الرقم غير دقيق، لأسباب مختلفة منها عنف جسدي، ومنها ما ادعى أنه قتل على خلفية الشرف، ومنها بسبب الميراث أو أسباب اقتصادية.

يذكر أن فلسطين ليس لديها قوانين تحد من العنف الأسري، ولا زال مشروع قانون حماية الأسرة من العنف تحت الدراسة من قبل الحكومة الفلسطينية، وفي يونيو الماضي، نشر وكيل وزارة التنمية الاجتماعية، داوود الديك، عبر حسابه على “فيس بوك” عددًا من الملاحظات حول مسودة قانون حماية الأسرة من العنف.

وبدأ الحديث عن قانون حماية الأسرة من العنف عام 2004، أي قبل 10 أعوام من انضمام دولة فلسطين إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو”، وتم طرح أكثر من مسودة على مدار الحكومات المتعاقبة وحتى الآن لم يتم إقرار القانون رغم تزايد ضحايا العنف الأسري.

السعودية.. قانون حديث

لا يوجد إحصائيات رسمية على العنف الأسري الموجود بين عائلات المملكة العربية السعودية، لكن على مدار السنوات الماضية كانت هناك شواهد كثيرة تدل على التعنيف الذي يطول الفتيات والنساء داخل منازلهن.

تمثلت تلك المأساة في رهف القنون التي تمكنت من الهروب من أسرتها العام الماضي 2019 ومنحتها كندا حق اللجوء بسبب ما تعرضت له من تعنيف أسري دون حماية قانونية.

وفي أغسطس من عام 2013 أقرت السلطات السعودية قانونًا لمناهضة العنف الأسري، ووفقًا للقانون يمنع كافة أشكال العنف الجنسي والبدني سواء داخل المنزل أو في مكان العمل.

وتتضمن العقوبات عقوبة السجن لمدة عام وغرامة تصل إلى ما قيمته 13 ألف دولار.

مصر.. إفلات من العقاب

دراسة المجلس القومي للمرأة، أوضحت أن نحو 1.5 مليون امرأة مصرية يتعرضن للعنف الأسرى سنويًا، وأن نحو 70 % من حالات الاعتداء على الزوجات سببها أزواجهن، و20 % من الآباء تجاه بناتهم، و10% من الأخوة.

وتشير الدراسة إلى أن الدستور اعترف ضمنيًا بوجود عنف يمارس ضد المرأة في مجتمعنا، ما يتطلب حماية المرأة منه، من خلال إصدار تشريعات تتوافق مع مقتضيات الدستور، وما يتوافق مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر في مجال حقوق الإنسان.

ولا يوجد في مصر أيضًا قانون واضح يجرم العنف الأسري بشكل مباشر، وحسب المادة 60 من قوانين العقوبات المصري “لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملًا بحق مقرر بمقتضى الشريعة”.

ويرى مركز “نظرة” أن تلك المادة كثيرًا ما تستخدم للدفاع عن المتهمين في قضايا العنف الأسري، ما يساعد كثيرًا من الأزواج على الإفلات من العقاب.

لبنان.. قانون ولكن

في أبريل من عام 2014، أقر مجلس النواب اللبناني قانونًا لحماية النساء من العنف الأسري، ووصفت بعض المنظمات الحقوقية الخطوة بالمتقدمة في مجتمع محافظ ومتجذر في الطائفية.

ووصفت منظمة “هيومان رايتس ووتش” المدافعة عن حقوق الإنسان إقرار القانون بـ “التاريخي” بالنسبة إلى لبنان، و”خطوة إيجابية إلى الأمام”، مع الإشارة إلى ضرورة تطويره في المستقبل.

إلا أن القانون لم ينل رضا جمعية “كفى” التي تقدمت بنص مشروع القانون الأساسي حول هذه المسالة من البرلمان، إذ اعتبرت أن القانون بصيغته الحالية استخدم تعابير دينية ولم يكن حاسما في تخصيص النساء بالحماية، علمًا أنهن يشكلن الفئة الأكثر تعرضًا للعنف الأسري في لبنان.