أثار صمت الأزهر الشريف بشأن إعلان دولة الإمارات إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل، جدلاً واسعًا على الساحة العربية والإسلامية، عن الأسباب التي دفعت المؤسسة الدينية الأكبر في العالم الإسلامي، إلى عدم إعلان موقفها سواء بالتأييد أو المعارضة، وطرح تساؤلاً بشأن تخلي الأزهر عن دعم القضية الفلسطينية كما كان في السابق.
ديسمبر 2017، رفض شيخ الأزهر أحمد الطيب لقاء نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس بالقاهرة
التحريم والتحليل
شيخ الأزهر الأسبق، جاد الحق علي جاد الحق، حرم تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، ورفض إجازة زيارة القدس، وقال قولته الشهيرة: “من يذهب للقدس من المسلمين آثم آثم”، مؤكدًا أنه “تجب عدم زيارة الأراضي المقدسة قبل تطهيرها من دنسِ المغتصبين اليهود وعودتِها لأهلها”.
جاد الحق، كان موقفه صارمًا من تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وكذلك شيوخ الأزهر، إذ رفض شيخ الأزهر السابق عبد الحليم محمود مرافقة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات في زيارته للقدس، كما رفض “جاد الحق” لقاء رئيس إسرائيل عيزرا وايزمان، أثناء زيارته للقاهرة في عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك.
وعلى نفس المنوال، رفض شيخ الأزهر السابق زيارة القدس، قائلاً: “أرفض زيارة القدس وهي مُكبّلة بسلاسل قوات الاحتلال الإسرائيلية، لأن زيارة أي مسلم لها يُعد اعترافًا بمشروعية الاحتلال الإسرائيلي، وتكريسًا لسلطته الغاشمة”، رغم إفتائه قبل 16 عامًا، بأنه ليس هناك ما يحرم التطبيع مع إسرائيل، مشيرًا خلال زيارته لمحافظة الشرقية في مصر بمناسبة عيدها القومي: إلى أن التطبيع يجب أن يكون مقصورًا على تبادل المصالح والاحتياجات مع إسرائيل، طالما أن منتجاتها أرخص من أي دولة أخرى.
“إعلان الدولة المصرية دعمها الكامل لتطبيع العلاقات الإماراتية- الإسرائيلية، وضع مؤسسة الأزهر في موقف صعب للغاية”.. مصادر من مقربة من شيخ الأزهر
ولم يختلف موقف شيخ الأزهر الحالي الدكتور أحمد الطيب، عن سابقيه في دعم القضية الفلسطينية، وتقديم الدعم لأصحابها رغم الخلافات السياسية بين مصر والسلطات في فلسطين “فتح وحماس” في الكثير من الأحيان، في ظل دعم الأخيرة لجماعة الإخوان الإرهابية، بل أن كان يسعى دائمًا إلى ترديد القضية الفلسطينية وأزماتها في كافة لقاءاته الدولية.
دعم فلسطين
الأزهر على مدار تاريخه كان داعمًا بشتى الطرق للقضية الفلسطينية، ففي نوفمبر عام 2011، أصدر الأزهر الشريف وثيقة عن القدس، والتي شددت على عروبة القدس، وكونها حرمًا إسلاميًّا ومسيحيًا مقدسًا عبر التاريخ، مقدمًا تفنيدًا تاريخيًا كاملاً لموقف القدس، وفترة وجود اليهود بها.
وفي ديسمبر 2017، رفض شيخ الأزهر أحمد الطيب لقاء نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس بالقاهرة، إثر اعتراف واشنطن بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، قائلاً: “كيف ليّ أن أجلس مع من منحوا ما لا يملكون لمن لا يستحقون”، ثم أصدر بيانًا أعلن فيه دعم الأزهر الكامل للشعب الفلسطيني في نضاله المشروع من أجل تحرير أرضه وحماية مقدساته.
وحذرت هيئة كبار العلماء في بيان رسميّ بعدها من “محاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني قبل انسحابه من الأراضي العربية المحتلة، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف”.
“أي شيء يدعوا إلى حل القضية الفلسطينية وإرجاع الحقوق الفلسطينية والمسجد الأقصى وإنشاء دولة فلسطينية يؤيده الأزهر الشريف”.. المتحدث الرسمي لجامعة الأزهر
وفي مطلع عام 2018، نظم الأزهر الشريف مؤتمر الأزهر لنصرة القدس، بهدف إعادة الوعي بالقضية الفلسطينية عامة وبالقدس خاصة، بحضور ممثلين من 86 دولة، ليكلل المؤتمر بإعلان الطيب عام 2018 عام القدس الشريف تعريفًا به، ونشاطًا ثقافيًا وإعلاميًا متواصلاً، تتعاهده المنظمات العالمية والمؤسسات الدينية والمجتمع المدني وغيرها.
ويحرص الأزهر على مدار السنوات الماضية، على تقديم الدعم المعنوي وغيره لفلسطين، من خلال إصدار بيان إدانة للانتهاكات الإسرائيلية، وتأكيد دعمه الدائم لفلسطين وشعبه، فضلاً عن إرسال قوافل مساعدات إلى قطاع غزة كان أبرزها إرسال 50 طنًا من المساعدات الغذائية والطبية إلى هناك.
صمت اضطراري
“مصر 360” تواصلت مع المكتب الإعلامي لمشيخة الأزهر لاستبيان الموقف، ولم يستجب، في الوقت الذي “تحجج” عضو هيئة كبار العلماء ووكيل الأزهر الشريف السابق، الدكتور عباس شومان؛ على الرد على الأسئلة المطروحة عليه بشأن الحكم الشرعي لتطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية.
“إعلان الدولة المصرية دعمها الكامل لتطبيع العلاقات الإماراتية- الإسرائيلية، وضع مؤسسة الأزهر في موقف صعب للغاية فلم يعد يمكنها إصدار أي مواقف تخالف الرؤية الرسمية، ما جعل الصمت هو الاختيار الوحيد المتاح بالنسبة لها”، بحسب تصريحات مصادر مقربة من “المشيخة”، لـ”مصر 360″، وتقارير إعلامية في ذات الشأن.
الرئيس عبد الفتاح السيسي أيد اتفاق السلام بين إسرائيل والإمارات، من وجهة نظر أن ذلك يؤدي إلى هدوء الأوضاع
وشدّدت المصادر على أنه لا ينبغي أبدًا إغفال موقف الأزهر الداعم للقضية الفلسطينية ومناهضة كافة أشكال التطبيع على مدار العقود الماضية، والتي تعد أحد ثوابته التاريخية- لافتًا إلى أن الأزهر لم يعد بحاجة إلى الدخول في صدمات جديدة مع مؤسسات الدولة المصرية، في ظل الأزمات المستمرة التي يتعرض لها.
وأوضحت أن العلاقات بين شيخ الأزهر ومسؤولي الإمارات وتحديدًا ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، وتكريمه في العديد من المناسبات، والدعم المالي الإماراتي الكبير لمؤسسة الأزهر كان لها دور أيضًا في أن يؤثر الأزهر الصمت، ولكنه لم يكن السبب الرئيسي في ذلك، مبينًا أن المشيخة لن تغير موقفها من رفض التعاون مع الكيان الصهيوني، وإدانة كل الانتهاكات التي يقوم بها ضد الفلسطينيين.
ورغم الصمت الأزهري الأخير، إلا أن المؤسسة الدينية الأبرز في العالم الإسلامي حافظت على خطها الداعم لكل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فأصدرت الثلاثاء الماضي بيانًا لإدانة اعتداء قوات الاحتلال الإسرائيلي على مسن فلسطيني، أثناء قمع وقفة منددة بالاستيطان على أراضي بلدتي جبارة وشوفة بمحافظة طولكرم شمالي الضفة الغربية المحتلة.
اتفاق سياسي
ورأى المتحدث الرسمي لجامعة الأزهر، الدكتور أحمد زارع أن موقف الأزهر بشأن القضية الفلسطينية معروف للجميع، والمشيخة أصدرت العديد من البيانات في هذا الشأن سابقا، متابعًا: “أي شيء يدعوا إلى حل القضية الفلسطينية وإرجاع الحقوق الفلسطينية والمسجد الأقصى وإنشاء دولة فلسطينية يؤيده الأزهر الشريف، خصوصًا الطرق السلمية التي قد تؤدي إلى ذلك أفضل بكثير من الحروب”.
وتابع في تصريحات لـ”مصر 360″: “الرئيس عبد الفتاح السيسي أيد اتفاق السلام بين إسرائيل والإمارات، من وجهة نظر أن ذلك يؤدي إلى هدوء الأوضاع، وإقامة سلام في المنطقة، وهو المطلوب”، مستدركًا: “لو لم يكن هناك اتفاق سلام بين مصر وإسرائيل كانت الأوضاع في غزة ازدادت سوءًا، لأن تدخل النظام المصري في التهدئة ينقذ الفلسطينيين من مآسٍ كثيرة، ويحقق لهم أنواع من الأمن ودخول المعونات”.
حذرت هيئة كبار العلماء في بيان رسميّ من “محاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني قبل انسحابه من الأراضي العربية المحتلة
وبينّ أن عدم تعليق الأزهر على الاتفاق الأخير يرجع لكونها اتفاقية سياسية خاصة بالسياسيين في المقام الأول، مردفًا: “الأزهر ليس جهة سياسية ولكنه جهة دعوية تعليمية، وهو يؤازر القيادة السياسية المصرية في مواقفها وأي اتجاهات سياسية صالحة للمجتمع، ولا يتناقض أبدًا مع اتجاهات الدولة على الإطلاق، لأنه جزء من مؤسسات الدولة”.
“أينما تكون المصلحة فثم شرع الله”
وبشأن الفتاوى بين تحريم التطبيع مع الكيان الصهيوني وإباحته، قال: “الأزهر مؤسسة وسطية، وتمثل أهل السنة والجماعة، ولا تنحاز لطرف على حساب طرف في كافة القضايا التي تطرح، ويعتمد على قاعدة أساسية موجودة في الدين تتخلص في (أينما تكون المصلحة فثم شرع الله)، فالأزهر يجمع ولا يفرق وينشد أن تكون الأمة العربية والإسلامية واحدة بعيدة عن التشرذم والانهزامية، والسلوك غير المنضبط.
وأوضح أن الأزهر يتصدر دومًا القضايا التي تجمع صفوف الأمة، وينأى بنفسه عن القضايا التي قد تؤدي إلى تفرقة الصفوف، وخصوصًا في ظل أن اتفاق السلام الأخير يعد قضية سياسية في المقام الأول، مشددًا على ضرورة أن توظف الدول العربية علاقتها مع الكيان الصهيوني توظيفًا جيدًا لصالح القضية الفلسطينية.