كشف تقرير للبنك الدولي عن أن انفجار مرفأ بيروت ألحق الضرر بالأصول المادية تراوحت قيمتها ما بين 3.8 إلى 4.6 مليار دولار، في حين قدرت الخسائر، متضمنة التغيرات في التدفقات الاقتصادية نتيجة لانخفاض ناتج القطاعات الاقتصادية، بما يتراوح من 2.9 إلى 3.5 مليار. وكانت أكثر القطاعات تضرراً قطاعا الإسكان والنقل والموجودات الثقافية الملموسة وغير الملموسة، بما في ذلك المواقع الدينية والأثرية، والمعالم الوطنية، والمسارح، ودور المحفوظات، والمكتبات، والآثار.
وقدر البنك الدولي احتياجات إعادة إعمار القطاع العام وتعافيه، لهذا العام والعام المقبل، بما يتراوح من 1.8 إلى 2.2 مليار دولار، مشيرا إلى أنه من الضرورة توفير ما بين 605 و760 مليون دولار حتى شهر ديسمبر كانون الأول 2020، ومن 1.18 إلى 1.46 مليار دولار على المدى القصير لعام 2021. وتُعد احتياجات قطاع النقل هي الأعلى بين سائر القطاعات، يليه الإرث الثقافي والإسكان.
وتمثلت الآثار الاقتصادية الرئيسية الثلاثة للانفجار في: الخسائر التي لحقت بالنشاط الاقتصادي جراء تدمير رأس المال المادي؛ وتعطل الحركة التجارية؛ والخسائر في إيرادات الموازنة العامة. وحتى قبل الانفجار، كان لبنان يواجه أزمات مضاعفة، حيث كانت توقعات ما قبل الانفجار تشير إلى نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في عام 2020 نمواً سلبياً بنسبة تزيد على 10%، مدفوعاً بالتأثيرات غير المباشرة للصراع في سوريا.
أكبر نسبة من الاجئين
وأشار التقرير إلى أنه لا يزال لبنان يستضيف أكبر نسبة في العالم من اللاجئين مقارنة بعدد السكان؛ في ظل معاناته من أزمة مالية واقتصادية تنطوي على ضعف أداء القطاع المالي، فضلاً عن أزمة العملة، ومعدلات تضخم شديدة الارتفاع، وعجز القطاع العام عن سداد الديون؛ والتأثيرات الناجمة عن جائحة كورونا.
وقال التقرير أن كارثة انفجار بيروت لن تتسبب في تفاقم الانكماش في النشاط الاقتصادي فحسب، ولكنها ستؤدي أيضاً إلى تفاقم معدلات الفقر، التي كانت تبلغ بالفعل 45% قبيل الانفجار.
وتشمل احتياجات التعافي العاجلة، في الأشهر الثلاثة القادمة وحدها، ما يتراوح بين 35 و40 مليون دولار، لتقديم تحويلات نقدية فورية واسعة النطاق؛ تلبيةً للاحتياجات الأساسية لتسعين ألف متضرر، وخلق وظائف قصيرة الأجل لصالح 15 ألف فرد. كما تشمل توفير المأوى للفئات الأشد ضعفاً من الأسر المشردة المنخفضة والمتوسطة الدخل؛ وإصلاح المساكن التي لحقتها أضرار طفيفة وجزئية للأسر منخفضة الدخل.
وتقدر الاحتياجات الفورية للإسكان بما يتراوح من 30 إلى 35 مليون دولار، بينما تتراوح الاحتياجات على المدى القصير لعام 2021 من 190 إلى 230 مليون دولار.
وبالإضافة إلى ذلك، يلزم على الفور تقديم دعم مالي يتراوح من 225 إلى 275 مليون دولار لاستعادة خدمات 5200 شركة صغرى، و4800 شركة صغيرة توظف الآلاف من اللبنانيين. وهذه المنح والقروض الميسرة التي تستهدف تعافي مؤسسات الأعمال تغطي احتياجات إعادة الإعمار، والمعدات، ورأس المال العامل، ليتسنى إعادة فتح الأنشطة، والحفاظ على قوة العمل.
إعادة بناء المؤسسات
ولن تتطلب جهود إعادة الإعمار إصلاح المباني والبنية التحتية المتضررة وإعادة بنائها فحسب، ولكنها تستلزم أيضاً إعادة بناء المؤسسات وهياكل إدارة الحكم. ففي قطاع المرافئ على سبيل المثال، يوصي التقرير، فضلاً عن الأعمال العاجلة اللازمة لضمان استمرار الواردات الحيوية إلى لبنان، بأن يُعاد بناء المرفأ بطريقة شاملة وحديثة، وبمستوى أفضل من حيث الموقع والحجم، وإدارته وفقاً لممارسات عالية الكفاءة والشفافية.
ويوصي التقييم السريع للأضرار والاحتياجات باتباع نهج “إعادة البناء على نحو أفضل” ضمن إطار من الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار؛ يجمع بين تدخلات تُعطي الأولوية لاحتياجات الشعب، وخاصة الفقراء والفئات الأكثر ضعفاً، إلى جانب الإصلاحات الهيكلية المعنية باستقرار الاقتصاد الكلي وإدارة الحكم وبيئة تشغيل القطاع الخاص، وضمان الأمن البشري. وينبغي لهذه الإصلاحات أن تمنع الفساد وأن تركز على كسر هيمنة النخبة، التي احتكرت الموارد الخاصة والعامة على حد سواء، وأدت إلى تفاقم معاناة الشعب اللبناني.
وأكد التقرير إنه نظراً لحالة الإفلاس التي يمر بها لبنان وافتقاره إلى احتياطيات كافية من النقد الأجنبي، فإن المساعدات الدولية والاستثمار الخاص يشكلان ضرورة لتحقيق التعافي وإعادة الإعمار الشاملين. ومن شأن تنفيذ لبنان لأجندة إصلاحية جديرة بالثقة أن يكون سبيلاً للوصول إلى مساعدات التنمية الدولية وفتح الأبواب أمام مصادر التمويل الخارجية والخاصة.
القمح والحبوب
فيما قال مسؤول بالأمم المتحدة أمس الخميس إن طاقة استيعاب ميناء بيروت للواردات من القمح والحبوب غير المطحونة الأخرى هوت إلى نحو الخمس، أو أقل، مقارنة بمستواها قبل انفجار هائل حطم صوامع الحبوب بها مع منشآت أخرى.
وقال عبد الله الوردات مدير برنامج الأغذية العالمي في لبنان لوكالة رويترز إنه لا يرى أن لبنان مقبل على أزمة غذاء، غير أنه قال إن البرنامج يتابع عن كثب ومستعد للتدخل إذا اقتضت الضرورة.
كانت طاقة ميناء بيروت تستوعب ما بين عشرة آلاف و15 ألف طن تقريبا من القمح والواردات غير المطحونة الأخرى يوميا قبل انفجار الرابع من أغسطس آب الذي دمر صوامع الحبوب الوحيدة بالبلاد وحول المستودعات وباقي منشآت الميناء إلى ركام.
لكنه قال إنه جرت استعادة طاقة محدودة لاستيعاب الحبوب غير المطحونة تتراوح بين 1500 وثلاثة آلاف طن يوميا، مما يسمح لبرنامج الغذاء العالمي لإفراغ حمولة شحنة تبلغ 12 ألفا و500 طن من دقيق القمح، أو حوالي نصف الإمدادات الشهرية للبنان.
في غضون ذلك، يقول مسؤولون بالميناء إن مرفأ الحاويات، وهو أكثر قربا من بؤرة الانفجار، نجا من الضرر نسبيا، وهو قادر الآن على تلبية احتياجات واردات الحاويات.
وقال إن استجابة مستوردي الحبوب التجاريين، والذين تمكنوا من تحويل بعض الإمدادات على الأقل إلى موانئ أصغر حجما، تشير إلى أن احتياجات السوق تجري تلبيتها وأن برنامج الغذاء العالمي يمكنه تعليق الخطة الطارئة لاستيراد 100 ألف طن من القمح.
لكن الوردات قال إن هناك حاجة ملحة لإعادة بناء طاقة استيعاب الحبوب غير المطحونة بميناء بيروت، والتي كانت تستوعب في العادة من 70 بالمئة إلى 80 بالمئة تقريبا من احتياجات لبنان.
والحاجة إلى تدفق الواردات بسلاسة هي الأكثر إلحاحا لأن لبنان ليس لديه احتياطيات من الحبوب. ويمكن لصوامع ميناء بيروت استيعاب نحو 120 ألف طن، وهي إمدادات ثلاثة أشهر تقريبا، لكنها تستخدم كأماكن تخزين مؤقتة. وكانت تحوي نحو 15 ألف طن عندما تحطمت في الانفجار.
وقال إن المطاحن أعلنت أن لديها طاقة لاستيعاب 120 ألف طن. وقال “لكن الأرقام تحتاج تأكيدا”. وقبل الانفجار، كانت الحكومة تقول إن هناك خطط لخلق أماكن تخزين تستوعب حوالي 40 ألف طن.