تقف أمام النار بلا خوف، تعلمت تطويعها لتنفيذ الأغراض المطلوبة بعملها، لا تهاب لهبها، وتؤمن أن مهنتها رسالة يجب أن تؤديها على أكمل وجه، حتى لو كانت تتمتع بأيدٍ ناعمة، لكنها استطاعت تشكيل الحديد والعمل بمجال الحدادة، فبدأت السيدة المصرية بوسي سعد، بممارسة مهنتها في عمر الـ7 سنوات، ولا تزال تمارسها.

العمل للجميع

السيدة المصرية التي تعيش بمحافظة الدقهلية، إحدى المحافظات المصرية والتي يغلب عليها الطابع الريفي، لا تعترف بأن هناك مهن للرجال ومهن للسيدات، ولا تعترف أيضًا بعبارة أن السيدات أصحاب أيدي ناعمة، يرغبون العمل بالمهن السهلة، ولكنها تؤمن أن العمل للرجل والسيدة، كلاهما يمكنهما ممارسة أي عمل دون قيود.

امتهنت “بوسي”، الحدادة منذ أن كانت في السابعة من عمرها، فأصر والده أن تورث مهنته التي ورثه هو عن والده أيضًا، برغم العديد من الانتقادات التي واجهته في البداية، حول أن العمل غير ملائم للفتاة الصغيرة حينها، ولكنه صمم على استكمال تعليم ابنته، التي وجدت في الأمر رحلة جديدة لاكتشاف نفسها واكتشاف قدراتها.

مصطلحات جديدة

تقول “بوسي” إن لها 10 شقيقات، وكان لابد من العمل لمساعدة والدها، وعند بداية عملها في المهنة استمعت لتعريفات ومصطلحات جديدة، منها آلة “الكار نار”، وهي واحدة من آلات الحدادة الشعبية والبسيطة المنتشرة بعدة مناطق، ووقفت للمرة الأولى أمام لهيب النار وهي في السابعة من عمرها، ولكنها بحسب وصفها لم تخف، وعلمت حينها أن النار قادرة على تطويع الحديد وتشكيله، فقط عليها التعامل معها بحرص للوصول للنتائج المرجوة.

الوالد علم “بوسي”، واثنان من شقيقاتها أصول المهنة، وأصبحت “بوسي”، أفضلهم، حتى لقبت بأول حدادة في مدينتها، ثم تزوجت من نجل عمها، وتفرغت قليلا لأعمال المنزل وحياتها الجديدة، وأنجبت 4 أطفال، لكنها لم تستطيع ترك مهنتها التي تعلمت أصولها على يد والدها، فعادت للعمل معه مجددًا بالورشة، حتى فارقها الأب وأصبحت هي المسؤولة عن الورشة والعمل من الألف للياء، والمسؤولة عن شقيقاتها الصغري أيضًا و3 زوجات لأبيها.

زوجها عمل معها في نفس المجال، وورثا المهنة لنجلهما “محمد” أيضًا، ليتخلون جميعًا عن القيود المجتمعية التي تفرض على المرأة عدم الاقتراب من مهن معينة، ويحرصون على تسليم الأعمال المطلوبة منهم في موعدها بدقة وعناية، لكسب رضاء العملاء، والاستمرار في مهنتهم ومصدر دخلهم.

سوق الحدادين

بعد وفاة الأب الذي كان الداعم الأول لابنته، تحول الزوج لمصدر جديد من الدعم، يقف بجوار زوجته، يحمل عنها بعض متاعب العمل، ويشاركها في المسؤولية، ويأخذ رأيها أيضًا في العديد من الأعمال، يقضون ساعات العمل بين الحديد والنار، ثم يعودون للمنزل سويا لاستكمال حياتهم اليومية برفقه ابنهما.

يحتاج الحديد لبرده وتشكيله وتطويعه لدرجات عالية من النار، والتي تعلمت “بوسي”، من الصغر كيف تتعامل مع تلك الدرجات العالية بحذر وعناية، وهناك العديد من الأدوات التي تستعملها في عملها، وهي المطرقة التي تطرق بها على الحديد، والمقص الخاص بالحديد، والأدوات الخاصة بمسك الحديد الساخن، ويمكنها صنع العديد من الأشياء، مثل: الشبابيك، والأبواب الحديدية، والمسامير والمدقات، وغيرهم، وبرغم عشقها لمهنتها، لكنها تؤكد على ضرورة تلقي أبنائها التعليم، والعمل معها ومساعدتها في فترة الإجازة فقط، لكن بأيام الدراسة تلتزم معهم بالمذاكرة والاهتمام بدروسهم، حتى استكمال تعليمهم.

أصبح عمر بوسي سعد الآن 31 عامًا، واستطاعت حفر اسمها جيدًا بسوق الحدادين كما تقول، كما أصبح لها قطاع كبير من الزبائن يأتون لها من أماكن متفرقة، لأنها تلتزم معهم بمواعيد محددة لتسليم الشغل، وتؤدي مهنتها بحرفية وإتقان.