غربي نهر النيل، وعلى بُعد 124 كيلو متر جنوب مدينة القاهرة، تقع محافظة بني سويف، تلك المنطقة المصرية التي كان لها أهميتها الحضارية، فضمت “حنن نسوت” أو إهناسيا، عاصمة مصر خلال حكم الأسرتين التاسعة والعاشرة الفرعونيتين، وأحد أقدم وأهم المدن المصرية القديمة.

 أما “بوفيسيا” ـ القرية المصرية القديمة، التي حُرف اسمها إلى “منفسويه” بعد دخول العرب إلى مصر، والتي أطلق عليها “بني سويف” خلال العصر العثماني، فهي العاصمة الحالية  للمحافظة.

اشتهرت بعض قرى بني سويف ومنها قرية الشناوية بمركز ناصر بصناعة السجاد والكليم اليدوي

الآثار والمكانة التاريخية

منطقة ميدوم من أهم المناطق الأثرية في بني سويف وتضم هرم ميدوم والذي بناه الملك سنفرو خلال حكم الأسرة الرابعة، وهو هرم مدرج مكون من سبع درجات لم يبقى منها سوى أربعة فقط، ومن المرجح بحسب علماء الآثار أن الهرم بني ليكون مقبرة للملك سنفرو، لبنائه قريبًا من مقر حكمه “جيدي سنفرو”، إلا أن الملك سنفرو نقل مقر حكمه لمنطقة دهشور وشرع في بناء الهرم المائل وأصبح لهرم ميدوم وظيفة “مقبرة كاذبة” كما يوجد بالمنطقة المعبد الجنائزي والطريق الصاعد ومصاطب الأمراء.

الحيبة” منطقة تتمتع بأهمية دينية كبيرة لدى المصريين القدماء، ويوجد بها بقايا معبد الملك “شاشنق” من الأسرة 22 الذي بناه للإله “آمون” وتم العثور فيها على  مجموعة أوراق البردي وهي عبارة عن نص أدبي معروفًا باسم  مغامرات “ون آمون” عن رحلة أحد كهنة معبد آمون من مصر إلى مدينة بيبلوس الفينيقية، وعودته منها.

يعمل نحو 6 آلاف شخص بمحافظة بني سويف في الصيد النيلي

 كما تضم بني سويف العديد من المناطق التي تحوي آثار فرعونية وقبطية وإسلامية، كمنطقة دشاشة، ومقبرة مروان ابن محمد، بأبو صير، وآثار المضل، التي تعتبر  من أهم المناطق الأثرية القبطية والتي عثر بها على كتاب مزامير النبي داود باللغة القبطية، ودير الحمام وهو عبارة عن حوض واسع يشمل هيكل للسيدة العذراء وآخر لمار جرجس.

هذا جزء صغير مما تضمه محافظة بني سويف، عاصمة مصر القديمة، وصاحبة المكانة التاريخية الكبيرة،  من آثار تمتلئ بها أراضيها، حيث تضم إهناسيا وحدها مساحة أثرية تبلغ 390 فدانًا، وهو ما يمكن أن يصنع من المحافظة مركزًا تراثيًا وسياحيًا هامًا، لو تم استغلال تلك المقومات الأثرية المهملة لتنمية المحافظة.

ميدوم أول هرم كامل في العصر القديم ببني سويف

الزراعة

70 كيلو متر يقطعها نهر النيل وسط محافظة بني سويف، مانحًا أرضها الخصوبة، وأهلها الحياة، حيث تتمتع بني سويف بأجود الأراضي الزراعية، ورغم الزحف العمراني على الأراضي الزراعية لا زالت المحافظة تتميز بإنتاج المحاصيل التقليدية مثل القطن حيث يتم زراعة 40 ألف فدان سنويًا، والقمح بنسبة 140 ألف فدان سنويًا، والذرة الشامية، بـ150 ألف فدان سنويًا.

 إضافة للبصل، التي تعتبر قرية “قاي” غربي بني سويف من أهم المناطق التي تقوم بزراعته بمساحات واسعة، كما تعتبر مركزًا لإعداد الإنتاج وتعبئته بغرض  التصدير للخارج، كما زادت المساحات المنزرعة بالنباتات العطرية خلال السنوات الماضية بشكل ملحوظ، مثل الشيح والبردقوش والياسمين والريحان وحشيشة الليمون، حيث وصلت المساحة المنزرعة بالنباتات العطرية إلى 20 ألف فدان، هي مجموع المحاصيل الشتوية والصيفية، وهي محاصيل تصديرية هامة.

شرقي مدينة بني سويف، وبامتداد 700 متر في باطن الأرض وبعمق 15 مترًا، توجد محمية كهف وادي سنور

ورغم ما شهدته  بني سويف خلال السنوات الماضية من توسع في استصلاح الأراضي الزراعية، ومشروعات الزراعات المحمية “الصوب الزراعية”، لكن تظل المحافظة في حاجة إلى التوسع في المساحات المنزرعة، كأحد أطر التنمية.

الحرف اليدوية

اشتهرت بعض قرى بني سويف ومنها قرية الشناوية بمركز ناصر بصناعة السجاد والكليم اليدوي، وهي صناعة توارثتها أجيال في بني سويف، وكان يصدر إنتاجها إلى العديد من الدول الأوروبية، وأمريكا وروسيا.

لكن المهنة التي تعتبر من أهم الحرف الفنية، لما تحمله من مكونات جمالية وإبداعية، ظلت دون تطوير في ظل إهمال مسؤولي المحافظة، رغم المناشدات العديدة من محترفي المهنة وبعض الجمعيات المهتمة بالمهن التراثية.

 شهدت ورش صناعة السجاد اليدوي تدهور كبير، حتى أن الورش التي كانت تضم عشرات “النول” أصبحت تضم نول أو اثنين فقط، وصارت الصناعة كلها في طريقها للاختفاء، رغم ما يمكن أن تقدمه من فرص عمل لشباب القرى بالمحافظة، وقدرة تصديرية للمحافظة إذا ما تم تنميتها.

إحدى المشكلات التي يعاني منها الصيادين في بني سويف هو نقص الأسماك

كما تتميز قرية أبشنا بمركز بني سويف بصناعة الفخار، حيث يوجد بالقرية عدد من الورش التي تنتج العديد من المنتجات الفخارية: مثل: الفازات، وزلع الزينة، والأواني الفخارية والطواجن، وهي حرفة أيضًا يحتاج القائمين عليها للدعم من خلال مدهم بـ”دواليب” كهربائية، ومساعدتهم على تسويق منتجاتهم داخل مصر وخارجها.

الثروة السمكية

يعمل نحو 6 آلاف شخص بمحافظة بني سويف في الصيد النيلي، وينتجون يوميًا أطنان من أجود أنواع الأسماك النيلية منها: بلطي، وبياض  قراميط، وقشر بياض، وشيلان، وبساريا، وحنشان، لكنهم يعانون من تسويق الأسماك وعدم تخصيص ما يكفي من الأسواق لعرضها حيث يضطرون لبيعها بأسعار منخفضة لتجار من داخل المحافظة وخارجها، ويشكون من مضايقات رجال المسطحات المائية، كما يشكون من سكان الجزر وأصحاب الأراضي الواقعة على جانبي النيل، فيقولون إنهم يمنعونهم من الصيد  ويأتون بأشخاص  لصيد الأسماك بطرق جائرة، منها الصيد بالكهرباء، مقابل نسبة مما يصطادونه.

 كما تضم بني سويف العديد من المناطق التي تحوي آثار فرعونية وقبطية وإسلامية، كمنطقة دشاشة، ومقبرة مروان ابن محمد، بأبو صير، وآثار المضل

إحدى المشكلات التي يعاني منها الصيادين في بني سويف هو نقص الأسماك في “نيل بني سويف” خلال السنوات الأخيرة، حيث يقولون إنه كان في الماضي يقوم مسؤولي الثروة السمكية بإلقاء زريعة في النيل لزيادة الإنتاج، لكن هذا الأمر توقف الآن تمامًا ويتم الاعتماد على ما يحمله النيل من أسماك إلى بني سويف، كما يشكون من زيادة أسعار معدات الصيد من مراكب وشباك.

المحميات الطبيعية

شرقي مدينة بني سويف، وبامتداد 700 متر في باطن الأرض وبعمق 15 مترًا، توجد محمية كهف وادي سنور، تلك التحفة الجيولوجية الفريدة، ينقسم الكهف إلى جزأين، إحداهما يحتوي على هوابط وصواعد، والآخر على ترسيبات كالسيوم.

ويرجع اكتشاف الكهف إلى مدة قريبة حيث شوهد للمرة الأولى من قبل عمال استخراج خام الألباستر،  في تسعينيات القرن العشرين، والذين لاحظوا أثناء عملهم، ظهور فجوة تؤدي إلى كهف في باطن الأرض، يحتوي على تركيبات جيولوجية تسمى صواعد وهوابط، من حجر الألباستر، تنتمي إلى العصر الأيوسيني الأوسط منذ 40 مليون سنة.

وهذه تركيبات طبيعية يندر وجودها، ما يجعل من المحمية، مزارًا ثقافيًا للباحثين وعلماء الجيولوجيا، كما يرجح العلماء وجود كهف آخر أسفل الكهف الموجود، ما يمد المحافظة بإمكانات طبيعية ونوع جديد من السياحة البيئية، كما تشير الأبحاث التي تتم بالقرب من الكهف إلى إمكانية اكتشاف العديد من الثروات الطبيعية، والاكتشافات الجيولوجية.