كفل الدستور المصري، الحرية الشخصية كحق طبيعي، لا يجوز المساس به، كما ربط صون الحرية الشخصية، بصون الحياة الخاصة، وأرفق بهما حُرمة المنازل كجزء من الحياة الخاصة للمواطنين، وحظر دخولها أو تفتيشها أو التصنت عليها إلا بأمر قضائي، وهو ما نصت عليه المواد 55 و57 و58 من دستور 2014.
الحرية الشخصية
تأتي المادة 55 من الدستور لتؤكد على حق الحرية الشخصية حيث تنص على: “الحرية الشخصية حق طبيعي، وهى مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق”.
هكذا فإن أول أوجه صون الحرية الشخصية، هو حظر تقييدها بأي شكل أو وسيلة، إلا بأمر قضائي، مع تمكين الشخص المقيدة حريته حال القبض عليه من التواصل الفوري مع ذويه ومحاميه، كما تلتزم السلطات بإبلاغه أسباب القبض عليه، وإحاطته بكافة حقوقه الدستورية والقانونية في هذه الحالة، وعرضه في خلال مدة لا تتجاوز 24 ساعة على سلطات التحقيق، وهو ما تضمنته أيضًا المادة 55.
تُقدر منظمات عدة حالات الاختفاء القسري بحق النشطاء السياسيين في مصر الآن بنحو 200 حالة
الاختفاء القسري انتهاك للحرية الشخصية
وتُعرف “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري”، الاختفاء القسري، بأنه الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون.
لكن القانون المصري، لم يتضمن أي تعريف للمختفي قسريًا، ولا أي ذكر للفظة الاختفاء القسري، حيث تقول المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: “لا يوجد في نصوص القانون المصري مصطلح الاختفاء القسري، ولا يُجرم القانون عدم اعتراف الجهات الأمنية باحتجاز شخص لديها، القانون المصري يُجرم فقط الاحتجاز بدون وجه حق والاحتجاز في أماكن غير أماكن الاحتجاز ولكنهم ليسوا نفس الشيء”.
أعداد المختفين قسريًا بين الادعاء والنفي
في سبتمبر 2018 عُقد في جنيف، ندوة لمناقشة مسألة الاختفاء القسري، حضرها حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وصلاح سلام، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، وعلاء شلبي، أمين عام المنظمة العربية لحقوق الإنسان، وقال أبو سعدة خلال الندوة: “تلقت المنظمة منذ عام 2015، حتى تاريخه 700 بلاغ، عن حالات اختفاء قسري، وتلقينا 500 رد من وزارة الداخلية، يوضح أن هؤلاء موجودون داخل السجون، علي ذمة قضايا.”
وكان المجلس القومي لحقوق الإنسان، أصدر تقريرًا عام 2016، عن حالات الاختفاء القسري في مصر، جاء فيه: “يمثل الاختفاء القسري واحدًا من أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان إذ يحرم الأفراد من غطائهم القانوني وينتهك حقهم في الحرية والأمان الشخصي”، وذكر المجلس في تقريره أنه تم التوثق من 266، من بين مئات البلاغات تتوزع بين 22 محافظة من محافظات الجمهورية، كما ذكر المجلس أن آليات إحصاء الحالات كانت بلاغات ذوي المختفي قسريًا التي توثق منها المجلس.
وتُقدر المفوضية المصرية للحقوق والحريات، حالات الاختفاء القسري بحق النشطاء السياسيين في مصر حتى 2020، بنحو مائتي حالة أشهرها اختفاء البرلماني السابق مصطفى النجار منذ 2018 حيث تتهم أسرته الشرطة المصرية بإخفائه، فيما وصلت بعض حالات الاختفاء القسري إلى 5 سنوات، وذكرت المفوضية أنها توثقت من الأعداد من البلاغات التي تقدم بها أهالي المختفين إلى وزير الداخلية والنائب العام، وتابعت عدم ظهور المختفين حتى الآن.
العديد من المعتقلين السياسيين أنكرت أقسام الشرطة ومباحث أمن الدولة وجودهم عندما توجه أهالي المختفين أو محامييهم إليها، وظهروا بعد أيام أو أسابيع في نيابة أمن الدولة، من بينهم القيادي العمالي خليل رزق، والذي اختفى عدة أيام، والطبيب محمد السايس والذي اختفى لأكثر من عشرة أيام، والصحفيان مصطفى الأعصر وحسن البنا واللذان اختفيا لأكثر من أسبوعين.
تجاوزت سلطات التحقيق خلال السنوات الماضية، مدة الحبس الاحتياطي المنصوص عليها قانونيًا في العديد من الحالات
تجاوز مدة الحبس الاحتياطي
تجاوزت سلطات التحقيق، خلال السنوات الماضية، مدة الحبس الاحتياطي المنصوص عليها قانونيًا، في العديد من الحالات، ومن بين الذين تجاوزت مدة حبسهم الاحتياطي، المدة القانونية، عدد من الصحفيين النقابيين وغير النقابيين، مثل عادل صبري رئيس تحرير موقع “مصر العربية”، والمحرر الصحفي الشاب حسن البنا، والمصور مصطفى الأعصر، والصحفي معتز ودنان.
هذا قبل أن يُخلى سبيل حسن البنا في مايو الماضي، ويليه عادل صبري، في يوليو الماضي، ويتم حبس “الأعصر” و”ودنان” على ذمة قضيتين جديدتين، فيما يعرف إعلاميًا بـ “التدوير”، بحق النشطاء السياسيين، والصحفيين فيما يتعلق بقضايا النشر، لكن على أي حلال فقد تجاوزت مدد حبسهم الاحتياطية جميعًا، المدد المنصوص عليها في القانون، وبالمخالفة للدستور.
تجاوز مدة الحبس الاحتياطي، مثال واضح على انتهاك حق الحرية الشخصية وتقييد جائر لها، ناهيك عن أن السلطات المصرية قد استخدمت الحبس الاحتياطي كعقوبة للمعارضين، وليس كمجرد إجراء احترازي قد تضطر النيابة أو المحكمة لاتخاذه في بعض القضايا، فالحبس الاحتياطي كما يوصفه فقهاء القانون، هو إجراء استثنائي وليس أساسًا في الإجراءات الجنائية.
وينص قانون الإجراءات الجنائية المصري، على أنه: “في جميع الأحوال لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق الابتدائي وسائر مراحل الدعوى الجنائية ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا تجاوز ستة أشهر فى الجنح، وثمانية عشر شهرًا فى الجنايات، وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام”.
لقد انتهكت الحياة الخاصة للمواطنين في مصر على مستويات متعددة، فتم تسريب عشرات المكالمات والمحادثات لقيادات ونشطاء سياسيين
حرمة الحياة الخاصة
نصت المادة 57 من الدستور المصري على أنه: “للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس”، وأضافت: “وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائى مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التي يبينها القانون”.
لقد انتهكت الحياة الخاصة للمواطنين في مصر على مستويات متعددة، فتم تسريب عشرات المكالمات والمحادثات لقيادات ونشطاء سياسيين، خاصة إبان ثورة 25 يناير، وإن كان لا يعرف بالضبط من سجلها أو سربها، فإنه تم إذاعتها وعرضها عبر برامج تلفزيونية بالمخالفة للدستور، دون أن يتم محاسبة القنوات أو الأشخاص القائمين على هذا الانتهاك.
تم تسريب العديد من الفيديوهات والمكالمات، ذات طابع جنسي ونشرها بالعديد من المنصات في انتهاك واضح لحرمة الحياة الخاصة
التسريبات الجنسية
هناك عدد من القضايا التي تحركت فيها مباحث الإنترنت بعد التسريب أو التهديد بنشر فيديوهات أو صور، لفتيات في أوضاع خاصة بغرض ابتزازهن أو التشهير بهن، وأحيانًا لشباب، حيث تم ضبط 3 أشخاص قاموا بانتهاك عرض شاب وتصوريه بالفيديو بغرض ابتزاز شقيقه لدفع مبلغ مالي مقابل حذف الفيديو وعدم نشره، كما تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط شخص هدد موظفة كان على علاقة بها بنشر فيديو جنسي بينهما، بغرض ابتزازها.
كما تم تسريب العديد من الفيديوهات والمكالمات، ذات طابع جنسي، ونشرها بالعديد من المنصات، في انتهاك واضح لحرمة الحياة الخاصة، دون أن يكون هناك تحرك ضد من قام بتسريب ونشر تلك الفيديوهات، وعلى العكس فقد تم توجيه الاتهام لمن اُنتهكت حياتهم الخاصة، لا لمن انتهكها بتسريب ونشر هذا المحتوى، وكان أغلب الضحايا بالطبع من الفتيات والنساء كما في حالة قضية الفنانتين منى فاروق وشيما الحاج.
البيانات الشخصية
شكل آخر من انتهاك حرمة الحياة الخاصة، يتمثل في تسريب بيانات العملاء لدى الشركات المصرح لها بجمع بيانات عن العملاء مثل شركات الاتصالات وشركات نقل الأشخاص، إلى شركات التسويق الإليكتروني.
فمن خلال هذه التسريبات اقتحمت شركات التسويق، حياة المواطنين الخاصة وتمكنت من استهداف الملايين بإعلاناتها من خلال الرسائل النصية ووسائل الاتصال المختلفة، بعدما مَدتها شركات الاتصالات والنقل بتفصيلات عن العملاء تتعلق بالنوع، والقطاع الجغرافي، و الفئة العمرية.
وقد عالج التشريع المصري مؤخرًا هذا الانتهاك بعد تصديق البرلمان الشهر الماضي على القانون رقم 151 لسنة 2020 بشأن حماية البيانات الخاصة لدى الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين، من خلال إنشاء هيئة عامة تحت مسمى “مركز حماية البيانات الشخصية” كما نص القانون على غرامات وعقوبات تصل للحبس لمن يقوم بتسريب البيانات الخاصة.
تتعلق انتهاكات حرمة المنازل جميعها بعمليات اقتحام من قبل رجال الشرطة سواء بغرض التفتيش أو القبض على المعارضين السياسيين
حرمة المنازل
نصت المادة 58 من الدستور المصري على أنه: “للمنازل حرمة، وفيما عدا حالات الخطر، أو الاستغاثة لا يجوز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتها أو التنصت عليها إلا بأمر قضائى مسبب، يحدد المكان، والتوقيت، والغرض منه، وذلك كله فى الأحوال المبينة فى القانون، وبالكيفية التي ينص عليها، ويجب تنبيه من فى المنازل عند دخولها أو تفتيشها، وإطلاعهم على الأمر الصادر فى هذا الشأن”.
تتعلق انتهاكات حرمة المنازل جميعها، بعمليات اقتحام من قبل رجال الشرطة، سواء بغرض التفتيش أو القبض على المعارضين السياسيين، فقد سجلت كاميرات بعض المنازل وقائع هذه الاقتحامات، والتي نشرها سكان هذه المنازل بعد تفتيشها أو القبض على أحد سكانها، ويمكننا أن نرى في الفيديوهات المنتشرة، طريقة الاقتحام بتكسير الأبواب في بعض الحالات وعدم إبراز بطاقات الهوية ولا أمر التفتيش والضبط من قبل أفراد القوة الشرطية، ناهيك عن طريقة التعامل المهينة والعبث وبعثرة محتويات المنازل، وأحيانًا إتلافها، كان آخر مثال على هذا، الفيديو الذي نشره الراحل الصحفي محمد منير، لاقتحام منزله من قبل قوات الأمن، في انتهاك واضح لحرمة المنازل التي كفلها الدستور.