يصف البعض، رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بأنه يمثل عقبة أمام استمرار النفوذ الإيراني في بلاده، خاصة مع عدة تحركات قام بها مؤخرًا جلبت عليه غضب طهران، والتي بدورها لن تستسلم بسهولة أمام محاولات تحييد دورها في بلاد الرافدين.

وعبر مطلع العام الجاري، قُتل في غارة أمريكية بطائرة بدون طيار الجنرال الإيراني البارز قاسم سليماني في بغداد، مما دفع إيران إلى إطلاق صواريخ ضد القوات الأمريكية في العراق.

كما يُشتبه في قيام الجماعات المدعومة من طهران بإطلاق وابل من الصواريخ على المصالح الدبلوماسية والعسكرية والتجارية الأمريكية في العراق في الأشهر الأخيرة.

سياسة “الكاظمي”

هناك قضية رئيسية تقلق السلطات الإيرانية بشكل خاص، وهي عدم الرضا عن بعض السياسات التي ينتهجها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، نظرًا لأن الشخصيات السياسية البارزة في العراق، بدلاً من المنظمات الحكومية، تلعب دورًا مهمًا في إملاء سياسة العراق، فقد حاولت طهران دائمًا السيطرة والتأثير على المسؤولين رفيعي المستوى داخل الدولة العربية.

إلا أن “الكاظمي” أثار هذا الشهر غضب إيران عندما قام بزيارة للولايات المتحدة والتقى بالرئيس دونالد ترامب، بعد الاجتماع أكد الجانبان “التزامهما بعلاقة ثنائية قوية ومثمرة.

وقال بيان مشترك إن المسؤولين شاركوا في جلسات منفصلة تناولت “الاقتصاد والطاقة والصحة والبيئة والقضايا السياسية والدبلوماسية والأمن ومكافحة الإرهاب والعلاقات التعليمية والثقافية”.

ضربة لـ”الملالي”

وذكر تقرير صحيفة آراب نيوز البريطانية، أن زيارة “الكاظمي” لواشنطن كانت ضربة كبيرة لرجال الدين الحاكمين في إيران، بسبب نوايا طهران الرد على مقتل قاسم سليماني.

لا تزال إيران تبحث عن سبل للرد، لأنها غير راضية عن الهجمات الصاروخية التي شنتها على أهداف أمريكية في العراق في الأيام التي أعقبت مقتل “سليماني”.

وفي لقاء مع القادة العراقيين الشهر الماضي، لفت المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي انتباه السلطات مرة أخرى إلى القضية، قائلاً: إن جريمة الولايات المتحدة باغتيال الجنرال سليماني وأبو مهدي المهندس مثال على الوجود الأمريكي، قتلوا ضيفك في بيتك واعترفوا صراحة بهذه الجريمة”.

وحذر خامنئي مرة أخرى من أن الانتقام في طريقه، قائلاً: “لن تنسى جمهورية إيران الإسلامية أبدًا استشهاد الحاج قاسم سليماني وستوجه بالتأكيد ضربة مماثلة للولايات المتحدة”.

لطالما نشر النظام الإيراني الرواية الكاذبة التي مفادها أن الحرس الثوري الإسلامي وفيلق القدس ينقذان الحكومة العراقية من الانهيار، نتيجة لذلك، يجب على السياسيين العراقيين أن يقفوا إلى جانب إيران.

على سبيل المثال، كتب موقع أخبار عصر إيران إلى الكاظمي الأسبوع الماضي: “لولا إيران لما كان هناك رئيس وزراء اسمه مصطفى الكاظمي في بغداد، وبدلاً من ذلك، فإن خليفة يُدعى (زعيم داعش السابق) أبو بكر البغدادي سيحكم البلاد “.

وكان النظام الإيراني يتوقع أن يطرد “الكاظمي” بسرعة القوات الأمريكية من البلاد، حيث صوت البرلمان العراقي لصالح هذه الخطوة بعد مقتل “سليماني”.

وأعربت صحيفة كيهان، التابعة للمرشد الإيراني علي خامنئي، عن غضب النظام بكتابة: “رئيس وزراء العراق، متجاهلاً قرار البرلمان ومشاعر شعب بلاده المعادية لأمريكا، ادعى أن العراق يحتاج إلى الولايات المتحدة “.

القضية الثانية التي تخص إيران تتعلق بتزايد استياء الجمهور العراقي من النظام وتدخله في شؤون البلاد الداخلية.

وبدأت الاحتجاجات ضد طهران في أكتوبر 2019، عندما ردد الشعب العراقي هتافات، بل وأحرق البعض القنصلية الإيرانية في النجف.

وفي الأسبوع الماضي، في أعقاب الاغتيالات المبلغ عنها لعدد من نشطاء حقوق الإنسان والحقوق الاجتماعية، اقتحم المتظاهرون المباني المرتبطة بالجماعات الموالية للنظام الإيراني في مدن جنوب العراق.

توزان العلاقات

ومع ذلك، بينما يواجه النظام الإيراني بعض العقبات في العراق، فإن نفوذه هناك لا يزال مستمرًا، كما أن الاتفاق الثنائي بين “الكاظمي” والولايات المتحدة لا يعني أن رئيس الوزراء هو ضد إيران بالكامل، بحسب تقرير الصحيفة البريطانية.

وقبل زيارة الكاظمي لواشنطن، كانت أول زيارة خارجية له إلى طهران، كما قال للسفير الأمريكي في بغداد إن “العراق لن يكون أرضية لتصفية الحسابات وشن الهجمات على أي دولة مجاورة أو صديقة”.

فمن المرجح أن “الكاظمي” يقوم بعمل توازن بين إيران والولايات المتحدة، بدلاً من تغيير سياسة بغداد بشكل أساسي ضد طهران.

رد إيران.. أولًا قطع المياه

قررت إيران خلال هذه الفترة قطع مياه النهر الذي يعتمد عليها العراقيون بشكل أساسي.

وتعمد إيران منذ 3 أعوام على الأقل، إلى خفض تدفق مياه الأنهر المتجهة إلى العراق أو قطعها بالكامل في الصيف، ما يتسبب في ضرر للمحاصيل الزراعية ونقص في المياه الخام لمحطات التصفية.

وأثار قطع المياه استياء العراقيين الذين انتقدوا إيران، وربطوا قرارها بزيارة الكاظمي للولايات المتحدة.

وقال محللون وصحفيون إن “تزامن قطع المياه مع زيارة الكاظمي وإعلان الولايات المتحدة، العودة لفرض عقوبات مشددة على إيران، أمر غريب”.

ويقول الكاتب سلام رضوان، إن “إيران بدت وكأنها توحي بأنها تعاقب العراق، لأنها لا تستطيع مواجهة الولايات المتحدة بشكل مباشر”.

وأعلنت وزارة الموارد المائية العراقية، أن إيران قطعت بشكل كامل للمياه في نهري سيروان والزاب الأسفل، ما أثر بشكل واضح على القرى والمزارعين على حوض النهرين، وسيؤثر حتماً على الخزين المتواضع في سدي دوكان ودربندخان.

وقال بيان للوزارة إن “الجارة إيران حولت جزءًا من مياه نهر الزاب إلى بحيرة أورومية، وجزءًا من مياه نهر سيروان عن طريق نفق موسود إلى مشاريع إروائية في مناطق كرمنشاه، وسربيل زهاب ضمن حوض نهر الكرخة”.

واتهم عضو لجنة الزراعة في البرلمان العراقي وزير الزراعة السابق، فلاح الزيدان، إيران بالضغط على الحكومة العراقية بقطع واردات نهر الزاب بالكامل، وتعريض آلاف العراقيين للخطر.

ثانياً.. اغتيالات النشطاء

يمثل مقتل الناشطة ريهام يعقوب مؤخرًا على يد مسلحين في البصرة حالة أخرى من الأسباب التي جعل العراق بحاجة إلى التخلص من إيران لإنقاذ نفسه.

وكانت “يعقوب” منتقدة للميليشيات الإيرانية التي يحاول رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تقليص نفوذها منذ توليه منصبه هذا الربيع، ويشار إلى أن النفوذ الإيراني يشكل تهديداً للعراقيين منذ عام 2014.

وحذرت صحف ومواقع من عودة تصاعد العنف في العراق.

وقالت صحيفة المدى العراقية في عنوان لها: “حلمهم تصحيح مسار السلطة، سلسلة اغتيالات لاحقت شخصيات في بغداد والجنوب”.

ويقول موقع بغداد بوست: “تتزايد الأزمة في العراق بشكل كبير، فبالتزامن مع سلسلة الاغتيالات التي تشهدها محافظة البصرة، وتظاهرات العراقيين لإقالة المحافظ، تستمر أزمة استهداف القواعد العسكرية الأمريكية في العراق”.

يصف موقع شفق نيوز العراقي اغتيالات البصرة بأنها “أحدث انتكاسة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في كبح جماح فصائل إيران”.

وقال الموقع: “تخضع معظم الفصائل المسلحة لقوات الحشد الشعبي، وهي مظلة تضم قوات شبه عسكرية.

لم الشمل العراقي

وتقول سمية عسلة، باحثة في الشأن الإيراني، إن زيارة الكاظمي للولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة الماضية، ليست جديدة ولا لتوطيد العلاقات كما تم الإعلان عنها، بينما كانت الزيارة لتعزيز الخطوات الإيجابية لدرء الفتن في البلاد ولم الشمل .

وتضيف “عسلة” أنه منذ أن تم تعيين “الكاظمي” وهو يعمل على لم الشمل العراقي ودرء الفتن والاستقلال العراقي عن إيران.

وكانت أولى الخطوات هي منع دخول الإيرانيين بدون تأشيرة في بداية الأمر، حيث كانت تعتبر رسالة قوية إلى طهران بأن العراق لن يقبل أن أي أن تزيد إيران من انتشار الفتن والصراعات الدينية في البلاد.

فيما وجه “الكاظمي” رسالة للدول العربية عن طريق القمة في الأردن مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، بأن العراق دولة عربية ومن النسيج العربي وتحتاج إلى المزيد من الدعم ضد النفوذ الإيراني.

حيل إيران لاستمرار النفوذ

أكدت “عسلة” أن تفاقم العمليات العسكرية في العراق كرد على العلاقات العراقية – الأمريكية، بالإضافة إلى استكمال استغلال إيران للاقتصاد العراقي لتعزيز الاقتصاد الإيراني.

ولفتت أيضًا إلى استمرار الإعلام الإيراني والقنوات الإعلامية الإيرانية بالتحريض ضد “الكاظمي” بحجة منع الإيرانيين من الوصول إلى كربلاء المقدسة.

وأشارت إلى أن المتوقع كذلك زيادة حملات الخطف والاغتيالات، ووجود العديد من الجثث في الشوارع كتهديد مباشر.