مسدلًا الستار على حياة صاخبة، مليئة بمحطات أثارت الجدل، خاصة ما كان منها متعلقًا بـ”طعام” الشعب، وما ارتبط باسمه هو تحديدًا، من “مبيدات مسرطنة” وتهديد حياة المصريين، رحل عن عالمنا صباح اليوم، الدكتور يوسف والي، وزير الزراعة الأسبق عن عمر يناهز 89 عامًا.

مسيرة طويلة

ويمتلك “والي” مسيرة مهنية طويلة مرت بعدة مراحل، حيث يعتبر أحد أبرز وجوه حكم الرئيس الراحل حسني مبارك.

وشغل “والي” منصب وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، وكرمه الرئيس جمال عبد الناصر بجائزة الدولة عام 1968، كما كرمه الرئيس أنور السادات بجائزة الدولة عام 1977.

وولد يوسف أمين والي موسي ميزار، في أبريل عام 1930، وفي 1951 تخرج في كلية الزراعة جامعة القاهرة، كما أنه حصل على الدكتوراه عام 1958 من الجامعة نفسها.

عقب تخرجه عمل أستاذ بساتين بكلية الزراعة، ثم اختير مستشارًا للحكومة الليبية عام 1962، قبل أن يقع عليه الاختيار للعمل مستشارًا علميًا للقوات المسلحة المصرية عام 1968.

وزير الزراعة الأسبق "يوسف والي"

وفي عام 1971 تولى “والي” منصب نائب رئيس الوزراء لقطاع الزراعة، وفي أغسطس 1982 تقلد منصب وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، وظل في منصبه حتى عام 2004 في حكومة الدكتور أحمد نظيف الذي اختار أحمد عبد المنعم الليثي خليفة له.

و”والي” يعتبر أحد أهم قيادات الحزب الوطني الديمقراطي المنحل، كما نال عضوية مجلس الشعب عن دائرة أبشواي بمحافظة الفيوم منذ يناير 1984.

وكان نائبًا لرئيس الحزب الوطني للشؤون الداخلية، وأمين عام الحزب من 1985 حتى 2002.

المبيدات المسرطنة

في يناير عام 2000 تقدم نائب مجلس الشعب السابق مصطفى بكري ببلاغ للنائب العام تحمل يوسف والى مسئولية الموافقة على إدخال مبيدات تحتوي مركبات سرطانية للبلاد.

“بكري” ذكر أن تلك المبيدات كانت سببًا في انتشار أمراض الفشل الكلوي والكبدي جراء تلوث الخضروات والفواكه عن طريق إضافة المبيدات والمواد الكيماوية المسرطنة الموجودة داخل الأطعمة بموافقة منه، على نحو ألحق أضرارا بالغة بصحة المواطنين.

وجاء في البلاغ المقدم، “أنه في 31 يوليو 1996، أصدر يوسف والي نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة في ذلك الوقت، القرار رقم ‏874‏ لسنة ‏96‏ والذي يحظر تجريب أو استيراد أو تداول أو استخدام أو تجهيز المبيدات سواء كانت مواد خاماً أو مستحضرات تجارية في أي صورة من الصور والمصنفة مجموعة ‏B‏ محتمل مسرطن للإنسان والمجموعة ‏2‏ مسرطن ممكن للإنسان سواء للاتجار أو للاستخدام الشخصي‏، وقد جاء هذا الحظر لنحو ‏38‏ مبيداً استناداً إلى تصنيف هيئة حماية البيئة الأمريكية التي حددت المبيدات المحظورة، وقد جاء قرار وزير الزراعة مسببًا بالخطر الجم بما يعني أنه لا يمكن إلغاء هذا القرار إلا بإزالة أسباب الخطر التي بني عليها‏”. ‏

وتابع أنه “بمرور الوقت وجد يوسف والي نفسه أمام ضغوط كبيرة من بعض رجال الأعمال، فقرر خرق القرار، وتم إلغاء الحظر المفروض على المبيدات المسرطنة وفتح الباب بعض رجال الأعمال، ‏ حيث تم إدخال كميات هائلة من المبيدات المسرطنة في هذا التوقيت”.

وفي عام 2000 تم تحويل القضية إلى القضاء، وكان متهماً فيها 21 مسئولًا ومتعاملًا مع وزارة الزراعة معظمهم من كبار مساعدي يوسف والي، الذي رفض المثول أمام المحكمة.

وفي عام 2004، أصدرت محكمة الجنايات برئاسة المستشار محمد عزت العشماوي حكمها على المتهم الأول يوسف عبد الرحمن وكيل أول وزارة الزراعة بالسجن 10 سنوات وعلى المتهمة راندا الشامي بالسجن 7 سنوات.

وقضى الحكم أيضاً بعزلهما من المناصب، وإلزامهما جميعاً بمصروفات القضية.

وطالب القاضي في حكمه نيابة أمن الدولة باتخاذ الإجراءات القانونيّة حيال يوسف والي، وتلك الإجراءات لم تتخذ وقتها لأسباب سياسية ولاحتماء والي حينها بحصانته البرلمانية.

بعد ثورة يناير

بعد قيام ثورة 25 يناير 2011، واجه “والي” اتهامات في قضية إدخال مبيدات مسرطنة إلى البلاد وإهدار 200 مليون جنيه على الدولة تمثل قيمة فارق سعر قطعة أرض بجزيرة البياضية بالأقصر باعها لرجل الأعمال الراحل حسين سالم بمبلغ 9 ملايين جنيه، بينما قيمتها الحقيقية 209 ملايين وفقا لتقديرات الخبراء.

ونسبت النيابة إلى “والي” تهم تسهيل الاستيلاء على المال العام والإضرار العمدي به وتربيح الغير، وانتهت القضية بانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح مع يوسف والى وحسين سالم ونجله خالد حسين سالم، على خلفية تورطهم في الاستيلاء على قطعة أرض بمحمية البياضية، وإهدار أكثر من 700 مليون جنيه من المال العام.

وتعتبر تلك القضية من أوائل القضايا التي اعتمدت على المادة 18 الذي أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي تعديلا عليها في 2015 لتنظيم التصالح مع رجال الأعمال في جرائم المال العام.

في يوليو من عام 2017 انتهى قرار جهاز الكسب غير المشروع، إلى حفظ التحقيقات في القضايا المتهم فيها وإبراء ذمة يوسف والي من تهمة تضخم الثروة والحصول على كسب غير مشروع، حيث أوضح تقرير الخبراء، والذي قام بسرد جميع الممتلكات، التي يمتلكها الوزير الأسبق منذ عام 1952، وهي عبارة عن فيلا في مركز يوسف الصديق بالفيوم، وفيلا بالعجوزة وسيارة ماركة فولفو موديل 82، وعدد 5 قطع أراضي بالفيوم وقطعة أرض في حي شبرا بالإضافة الى حساب بنكي به ما يقرب من 2 مليون جنيه.

محاكمة لم تكتمل

وفي يونيو 2018، أمر المستشار صفاء أباظة، قاضي التحقيق المنتدب في قضايا فساد الأراضي بوزارة الزراعة، بضبط وإحضار يوسف والي، للتحقيق معه في عدد من الاتهامات الموجهة إليه بشأن تخصيص أراضٍ زراعية لعدد من المواطنين إبان توليه مقاليد الوزارة، وقيام هؤلاء الأفراد بتغيير نشاط تلك الأراضي من زراعية إلى سكنية وإقامة منتجعات وفيلات وقصور عليها، دون أن يتخذ أي قرارات لوقف التعدي على الأراضي الزراعية.

وقالت مصادر قضائية، إن قاضى التحقيق المنتدب استلم تقارير فنية وتحريات الأموال العامة التي أكدت إهدار يوسف والي المال العام إبان توليه الوزارة.

بعد ذلك تدهورت حالته الصحية وتم نقله إلى المستشفى متأثرًا بالالتهاب الرئوي الحاد إلى أن توفي اليوم 5 سبتمبر 2020، قبل استكمال محاكمته.

ووفقا للقانون، تصدر المحكمة حكمها بانقضاء الدعوى الجنائية المقامة ضده للوفاة.

نعي “والي”

وأقدم عدد من رجال الأعمال على نعي الوزير الأسبق، حيث كتب رجل الأعمال المهندس نجيب ساويرس عبر حسابه على “تويتر”، “الدكتور يوسف والي رحمه الله خدم بلده بأمانة وتفانى وكان جزائه في النهاية اتهامات ظالمة وباطلة وحتى لو أخطأ لم يستفد من منصبه بأي شكل”.

وأضاف: “عرفته كإنسان خير وحنون وأحببته جدا كما أحبني كناصح أمين الله يرحمه ويحسن إليه خالص تعزياتي للأسرة الكريمة.”

كما نعى مفيد شهاب، وزير المجالس النيابية والشئون القانونية الأسبق، الدكتور يوسف والي، قائلاً إن “مصر فقدت مصر أستاذًا جليلًا وعالمًا نبيلًا وزراعيا فريدا ووطنيا غاليا وإنسانا رحيما”.

وأضاف شهاب في بيان اليوم: “لقد زاملته سنوات وعرفته عن قرب بمبادئه وقيمه، بتميزه وتفانيه في أداء الواجب، نموذجا فريدا من الذين يسعدون بخدمة الآخرين ومساعدتهم”.