تزخر القارة الإفريقية بثروات طبيعية ضخمة، حيث تمتلك احتياطات كبيرة من المعادن النفيسة فضلًا عن المساحات الشاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة والغابات، كما تعد أغنى تجمع للموارد الطبيعية في العالم.
وتحتل القارة السمراء المركز الثاني عالميًا، بحسب مؤشر التنمية البشرية، بعد الصين، وتتوقع المؤسسات الدولية، بأن تمثل إفريقيا المورد الأساسي للصناعة في العالم خلال المستقبل القريب، إلا أنه رغم هذه الموارد لا يزال الركود الاقتصادي، وانخفاض مستويات المعيشة، سائدان في أغلب مناطقها، حيث يُعاني ثلث سكان القارة من الجوع والفقر.
ثروات منهوبة
في كتاب “أرض المال”، للكاتب الصحفي أولفر بولوخ، قدر النسبة المئوية من ثروات الأغنياء التي تخرج من بعض البلدان، بما فيها تلك الأماكن السرية الآمنة بنحو10% من ثروة أوروبا، لتصعد النسبة إلى 30% من ثروة إفريقيا.
ومنذ سبعينيات القرن الماضي، فقدت الدول الإفريقية، وحدها أكثر من تريليون دولار في صورة رؤوس أموال هاربة.
هذه النسب، تكشف حجم الموارد والثروات التي تحظى بها إفريقيا، إلا أنها لا تعود بنفع ولو بنسبة هامشية على سكانها، فمازالت الصور الذهنية عن القارة السمراء تُختزل في المجاعات ونسب الفقر والبطالة العالية، رغم ما تحويه من كنوز هائلة.
فعلي سبيل المثال، تمتلك إفريقيا 95% من احتياطي الماس في العالم، وتُنتج نصف معدل الإنتاج العالمي من هذا المعدن، كما تُنتج 70% من معدل الإنتاج العالمي من الذهب، و33% من النحاس، و76% من الكوبالت، فيما تمتلك 90% من احتياطي العالم من البلاتين، وتُنتج حوالي7 75 %من هذا المعدن.
وتشير تقارير لوكالة “بلومبيرج” الأمريكية، إلى أن إفريقيا تحظى بكميات كبيرة من عنصر اليورانيوم الذي يدخل في صلب الصناعات النووية للدول الغربية، إذ تقدر مشاركة إفريقيا بأكثر من 20% من إجمالي الإنتاج العالمي لليورانيوم، في الوقت الذي تتمتع فيه بثلث الاحتياطي العالمي من اليورانيوم.
النفط الإفريقي
فيما تبلغ الاحتياطات النفطية لإفريقيا، نحو 10% من الاحتياطي العالمي، وتتركز هذه الاحتياطيات في نيجيريا، وليبيا، وغينيا الاستوائية، وبحسب تقارير دولية، تملك القارة نحو 75 بليون برميل من احتياطي النفط، كما تنتج حوالي 300 مليون برميل منه لتوليد الطاقة.
وهو ما دفع للقول إن إفريقيا ستكون المورد الأساسي للصناعة في العالم مستقبلاً، ووفقًا لتوقعات المؤسسات الدولية، فإن القارة في حاجة إلى قرابة 100 مليار دولار سنوياً لتلبية خططها الاستثمارية في البنى التحتية.
في حين، تشير إحصائيات إلى اكتشافات النفط الإفريقية، والتي بدأت منذ نهايات القرن العشرين خلقت فرص عمل في أمريكا وأوروبا أكثر بكثير مما في إفريقيا نفسها ، بينما 5% فقط من المليارات، التي يتم استثمارها في مشروعات النفط الأفريقية كل عام، تنفق في تلك البلدان، أما البيئة المحيطة بإنتاج النفط فتبقى في وضع شديد البؤس.
لكن للمفارقة، يعيش نصف فقراء العالم في إفريقيا، بينما أكد البنك الدولي، أن عدد الأشخاص الذين يعانون من الفقر المدقع مستمر في الارتفاع في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بينما ينخفض بسرعة في جميع المناطق الأخرى.
نيجيريا أرض الذهب الأسود والفقر
تعتبر نيجيريا، أولى الدول التي اكتشف فيها النفط ويصنفها البنك الدولي حاليًا على أنها الدولة الأكثر فقرًا في العالم مع أنها تعتبر أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم، إذ تنتج أكثر من 2 مليون برميل يوميًا، ويعزي ذلك إلى الفساد ثم الاضطرابات العرقية والصراعات القبلية والانقلابات العسكرية.
وتعد الولايات المتحدة، أكبر مستورد للنفط النيجيري، حيث تستورد وحدها ما بين 40% و 50% من إنتاج النفط الخام، أما باقي إنتاج نيجيريا من النفط فيذهب إلى بعض الدول الأوروبية والآسيوية، بالإضافة إلى البرازيل وجنوب إفريقيا، وغيرها.
رغم ذلك، يفيد معهد “وورلد بوفرتي كلوك”، البحثي بأن ستة نيجيريين ينزلقون في دوامة الفقر المدقع كل دقيقة، ومن المتوقع أن تبلغ نسبتهم 45,5 % من إجمالي عدد السكان بحلول 2030، أي 120 مليونا، في مقابل 44,1 % راهنا.
يرجع إيمانويل أونوبيكو، رئيس جمعية تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان، “الأنظمة العسكرية نهبت موارد البلد خلال عقود ومنذ حلول الديموقراطية في 1999 لم يفلح أحد في حل هذه المشكلة”.
وتشير منظمة “أوكسفام”، الغير حكومية، إلى أن 20 ألف مليار دولار نهبت من خزانة الدولة بين 1960 و2005.
بالإضافة إلى مداخن حرق الغاز، يعاني السكان من تسرب النفط من أنابيب النقل ومحطات الضخ، فضلاً عن تدمير البيئة .
الركود الأسوأ
ارتفع معدل البطالة في نيجيريا، إلى 28.6%، ما يعني أن حوالي 21.7 مليون نيجري عاطلون عن العمل، وهو رقم يتجاوز عدد سكان 35 من أصل 54 دولة في إفريقيا.
ويتوقع البنك الدولي، أن يشهد الاقتصاد النيجري أسوأ ركود له منذ أربعة عقود مع استمرار أزمة فيروس كورونا، اذا تضررت نيجيريا بشدة من الإغلاق شبه الكامل لاقتصاد النفط العالمي، بالنظر إلى اعتمادها على القطاع النفطي، التي يعتبر أكبر مصدر دخل لها.
وأشار البنك الدولي، إلى أن النمو الاقتصادي البطيء وارتفاع معدلات البطالة سيؤديان إلى تأخر خروج البلاد من نفق الفقر المدقع.
غينيا الاستوائية.. طفرة للنفط وتنمية متدنية
ورغم الأرقام التي تؤكد أن حصة الفرد المفترضة من الدخل القومي تصل إلى 6200 دولار، وهو ما يعد أعلى الدخول في كل إفريقيا إلا أنه يعيش نصف سكان غنييا تقريبًا في فقر، بحسب المنتدى الاقتصادي الدولي، كما يعاني الأغلبية من الأمية وسوء التغذية والعشوائيات.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يعاني سكان غينيا الاستوائية الذين لا يتجاوز عددهم الـ 700 ألف نسمة، تردياً في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بينما لا يتعدى العمر المتوقع عند الولادة 46 عاماً، ويموت قرابة الـ 20% من الأطفال قبل بلوغهم سن الخامسة، ولا يحصل سوى أقل من نصف السكان على مياه شرب نظيفة.
ومع استغلال النفط لأغراض تجارية، شهد الاقتصاد في غينيا الاستوائية تحولات أساسية، وبعدما كان يعتمد أساسًا على الزراعة وتصدير الأخشاب والكاكاو، انتقل ليصبح من بين أول ثلاثة أكبر مصدري النفط والغاز في أفريقيا، لكن هذه الطفرة لم تستطع الاستفادة منها سوى قلة في بلد يحتل مراتب متدنية في الترتيب العالمي للتنمية البشرية.
الكونغو الديمقراطية.. صراع طويل
تصدرت الكونغو، قائمة أخطر بلدان العالم، بسبب ارتفاع نسب الفقر والهشاشة الاقتصادية بها، رغم إنتاجها النفطي الكبير.
يعيش نحو ثلثي سكان الكونغو تحت خط الفقر، وتقدر وكالة الاستخبارات المركزية أن البلاد تستضيف أكثر من نصف مليون لاجئ وطالب لجوء.
وأعاق الصراع وعدم الاستقرار السياسي الذي عاشته ثاني أكبر دولة في إفريقيا، لفترة طويلة التنمية السياسية والمؤسسية والاقتصادية، كما تسبب في حرمان المواطنين من الموارد الهائلة التي تملكها الدولة، بما في ذلك الذهب والأراضي الصالحة للزراعة والمناخ الجيد، وقد بلغ نصيب الفرد من ناتجها المحلي الإجمالي 750 دولارًا عام 2015 وفقًا لصندوق النقد الدولي.
وتعتبر الكونغو، ثامن دولة بإفريقيا من حيث إنتاجها للبترول بإنتاج 350 ألف برميل يوميا، لكن في حال استغلال الحقول المكتشفة حديثًا، يمكن أن يدفعها لتصبح ثالث أكبر منتج للنفط في القارة، متقدمة على الجزائر وليبيا.
استعمار حديث
“الاستعمار لم يمت في إفريقيا”، تحت هذا العنوان، أوضح المراقبون أن استعمار القارة السمراء لم ينتهي بعد بل عاد في شكل استثمارات وشركات متعددة الجنسيات، والتي عملت منذ منتصف القرن الماضي على استنزاف ثروات إفريقيا بكل الوسائل، ومنها دعم الحركات والحروب الأهلية، وعلي رأسهم الولايات المتحدة وفرنسا والصين.
وهو ما أكده بوريس بولوك، مدير معهد ماجوير للطاقة في دالاس الأمريكية، قائلًا: “هناك العديد من الدراسات التي تظهر أن شركات النفط الوطنية في إفريقيا أقل كفاءة بكثير فيما يتعلق بكيفية إنفاق أو استثمار أموالها لأنها شركات لا تحركها قوى السوق”.
معوقات في طريق التنمية
تمتلك القارة الإفريقية العديد من المقومات، إلا أنها في الوقت نفسه تشهد العديد من المعوقات التي تسببت في تفشي الفقر، منها اعتماد أغلب الاقتصاديات الإفريقية على تصدير السلع الأساسية، وهو ما يجعلها عرضة للتقلبات الاقتصادية العالمية، ومعوقات اجتماعية مثل ارتفاع معدلات الأمية، وانتشار الفساد الذي يلتهم جزءاً كبيراً من عوائد التنمية.