سوريا بحاجة إلى تعزيز الإنتاج
دخل المواطن منخفض ولا يلبي احتياجاته
الحلول تقع على الحكومة و التجار والمواطنين
عانت سوريا من حرب شرسة تقترب من نهاية عامها العاشر، استنزفت البلاد على كافة الأصعدة، إلى جانب تداعيات الوباء الذي أصاب العالم بالشلل، فمع كل إعلان عن اكتشاف بؤرة جديدة تعيش البشرية في رعب لا يقتصر على بلد بعينه.
حتى الآن لا توجد إحصائيات دقيقة عن حجم الدمار الذي سببته الحرب للاقتصاد السوري، ولكن إحدى التقديرات تشير إلى أن الخسائر بلغت ما يزيد عن 630 مليار دولار، واليوم ما يلاحظ أن الأزمة الاقتصادية كابوس يهدد المواطن السوري الذي يعيش أوضاعًا اقتصادية خانقة.
تفاقم الوضع في سوريا بعد تفعيل قانون “قيصر” فالفقر يزداد، أسعار المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 133٪ منذ مايو/ أيار 2019، في بلد تعاني فيه حسب إحصائيات أممية عام 2018 حوالي 18.298.518 نسمة من انعدام الأمن الغذائي، أضيف عليه اليوم انعدام الأمن الصحي أيضًا.
في السطور التالية، نناقش نقاطًا عديدة ومحاور متداخلة في هذا الشأن مع الباحث الاقتصادي الدكتور شادي أحمد الذي خصنا بهذا الحوار..
بداية.. كيف ترى وضع الاقتصاد السوري بعد جائحة “كورونا”؟
الوضع الاقتصادي السوري كان يعاني من صعوبات كثيرة، أهمها الحرب الإرهابية التي شنت على سوريا بتدمير البنى الإنتاجية والاقتصادية، بالإضافة لواقع الحصار والعدوان والعقوبات الأوروبية كذلك.
هناك أيضًا قانون قيصر الذي أضاف سلسلة من العقوبات بهدف تجفيف مصادر ومنابع الاقتصاد السوري، بالرغم من هذه الأمور استطاع الاقتصاد التأقلم معها بإيجاد منافذ لتزويد الاستحقاقات اللازمة بما يضمن على الأقل الحد الأدنى، حتى جاءت أزمة كورونا.
وهي بالرغم أنها جائحة عالمية، لكنها تؤثر على الاقتصاديات التي هي بالأصل تعاني من ضعف مؤقت، هذا الأمر أدى إلى ضعف الاقتصاد العالمي، وبالتالي فإن الموارد التي تزود سوريا لم تعد كافية، ولم تعد متوفرة بشكل جيد .
منع استيراد بعض منتجات الحديد.. هل هذا قرار صائب؟
بالنسبة لقرار اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء السوري ضمن جلستها الأخيرة منع استيراد الحديد (اللفائف الأملس والمحلزن)، برأيي يجب أن تكون هناك قرارات وسياسات لحماية الصناعة الوطنية خلال فترة معينة وبرنامج مدروس.
سوريا بحاجة ماسة الآن لأن يكون لديها سياسة بدائل المستوردات وتعزيز الإنتاج، أي عندما يكون لدينا معمل حديد في سوريا يجب منع استيراد الحديد حتى وإن كان المستورد جودته أعلى و أكفأ من المحلي، لكن هذه الحماية ليست مطلقة وليست دائمة لمدة تزيد عن 10 أو 15 سنة، المفترض ألا تدوم طويلًا وتقتصر من 5 إلى 7 سنوات تستطيع حينها المنتجات الوطنية تغطية السوق، ليدخل وارد إضافي وتتحسن نوعية الإنتاج لكي تصل إلى درجة التصدير، وبهذه الطريقة تخلق فرص تنافسية سواء في القطاع العام أو الخاص .
هل تعتبر سوريا الأكثر فقرًا بالعالم؟
في شباط / فبراير من العام الحالي، تصدرت سوريا قائمة الدول الأكثر فقرًا بالعالم، بنسبة بلغت 82.5%، بحسب بيانات موقع “World By Map” العالمي.
لكن لا يوجد إحصائيات دقيقة حول عدد السكان الذين أصبحوا تحت خط الفقر، لكن المؤشر العام أن هناك ما يسمى خط الفقر المدقع، وهو تصنيف دولي بحسب دخل الدولار باليوم للشخص الواحد، أي أسرة مؤلفة من خمسة أشخاص يجب أن يكون لديها 5 دولارات باليوم.
الآن بسعر السوق السوداء يبلغ 10000 ليرة سورية، أي خط الفقر الأدنى 2 دولار باليوم، هذا تقرير أممي وليس تقريرًا مبنيًا على إحصائيات، لكن يجب الأخذ بالحسبان أن المواطن يأخذ بعض المواد المدعومة كالخبز والمازوت والكهرباء، مع ذلك دخل المواطن السوري بالمطلق هو دخل منخفض ولا يستطيع أن يلبي احتياجاته أو احتياجات الأسرة .
كيف يتحسن وضع المواطن المعيشي؟
هناك حزمة من الحلول يجب أن تطرح من الحكومة والتجار والمواطن، الحزمة الأولى هي الحزمة الحكومية بمعنى أن تقوم الدولة بتوفير المستلزمات الأساسية التي هي 19 مادة للمواطن السوري بسعر أقل من سعر التكلفة، أي بما لا يتجاوز نصف راتبه.
سابقًا كان الطعام والشراب يستهلك 60% من الراتب الشهري للموظف و 20% للباس والدواء وأمور أخرى و20% كان يستطيع توفيرها، قبل عام 2011 كانت الأسرة التي تمتلك دخلين باستطاعتها شراء سيارة، فهذه الحزمة تستطيع تحقيق جزء من الأمن الغذائي للمواطن وألا تخضع لفروقات سعر الدولار وغيره .
وبشأن الحزمة الثانية؟
الحزمة الثانية أن تقوم الدولة بتقديم الدعم والرعاية وإعادة فتح القروض والتسليف لأي مشروع ضمن سوريا ينتج مواد هذه المواد المستوردة، لأنه سبب ارتفاع الأسعار هو المستوردات بالدولار وبيعها بالليرة، لذلك بديل الاستيراد هو الإنتاج يجب أن تكون بخطة سريعة للحكومة.
وبعدها ننطلق لعملية تنظيم الأسواق ومنع الاحتكارات أي منع وجود سوق واحدة لبيع الخضروات أو المواد الغذائية، يجب خلق عدة أسواق للتنافس فيما بينها، هناك حزمة مطلوبة من التجار مختصرة بكلمة واحدة (اتقوا الله) رغم أنها بعيدة عن الاقتصاد، فلا يجوز من التجار أن يرفعوا الأسعار كلما ارتفع سعر الدولار ولا يخفضوا بانخفاض الدولار.
وما هي حزمة المواطن؟
هناك حزمة متعلقة بالمواطن ذاته بالفعل، بسبب وجود الهدر الكبير، نحن لدينا حاجة كبيرة ودخل قليل لكن بالوقت ذاته لديه هدر، هناك نماذج وسلوكيات لطريقة تدوير النفايات، في توفير الكهرباء والماء، المرافق العامة كيفية استخدامها، كل هذا الهدر يرهق الخزينة.
يمكن تعزيز مسألة الاقتصاد المنزلي ونحن نعلم كم هو مفيد أن تكون الأسرة منتجة من داخل منزلها، وبهذه الطريقة يمكن أن تسد 30% من حاجة الأسرة، جميع هذه الطروحات تحسن من الواقع المعيشي لكن لا تجعله ممتازًا، لكن لنغير الواقع يجب أن يكون لدينا سياسة طويلة المدى تحول المواطن من مستهلك إلى منتج و مستهلك بذات الوقت .