لازال جدل انتهاكات قطر لحقوق العمال الوافدين إليها من الخارج قائمًا، حيث تندد به منظمات حقوقية دولية، مطالبة بإجراء تغيرات في قوانين العمل القطرية.

ظلم وجور

 وكانت منظمة “هيومن رايتس وواتش” قد أصدرت بل أيام تقريرا تحت عنوان “انتهاكات أجور العمال الوافدين في قطر عشية كأس العالم فيفا قطر 2022”.

وكشف التقرير عن وقوع عدة انتهاكات تقع على العمالة الأجنبية في قطر، والتي تمثل حوالي 95% من إجمالي حجم العمالة بالبلاد، مؤكدًا أن أصحاب العمل يجورون على مرتبات العاملين.

ويشكل حجم العمال الوافدين إلى قطر حوالي مليوني عامل يمثلون أغلب القوى العاملة في قطر وأغلبهم من الهند ونيبال والفلبين وبنجلاديش وكينيا وأوغندا.

وتناول التقرير المذكور أزمة العمال المسؤولين عن بناء الملاعب، ووسائل النقل، والفنادق من أجل استضافة كأس العالم لكرة القدم 2022، والمسؤولين أيضًا عن تشييد البنية التحتية وتشغيل قطاع الخدمات في الدولة القطرية بأكملها.

أجور متدنية

الحكومة القطرية منحت شركات دولية ومحلية 11 عقدًا بمليارات الدولارات لبناء مترو الدوحة، بالإضافة إلى عدد من المنشآت التي لا تزال قيد الإنشاء حتى الآن، عقب فوزها بحق استضافة كأس العالم فيفا 2022.

استعانت تلك الشركات بالعمال الوافدين لكي يعملوا في بناء تلك المنشآت، وعلى الرغم من الأرباح والاستثمارات التي تجنيها الدولة بفعل تلك المنشآت، والتوقعات باستضافة ملايين الزوار الذين يجذبهم كأس العالم، يتلقى العمال فيها أجورا زهيدة ومتدنية.

وذكر التقرير أن العمال يعملون في ظروف غير آدمية، ويعانون من طول ساعات العمل ونقص الموارد الغذائية التي يحصلون عليها.

حجب الأجور عمدًا

المنظمة ذكرت في تقريرها، أن أكثر الانتهاكات تتعلق بالأجور المتأخرة وغير المدفوعة، وحجب الأجور عمدًا من قِبل الشركات القطرية، واعتبرته انتهاكًا لمؤشرات منظمة العمل الدولية الخاصة باتفاقية العمل الجبر، بالإضافة إلى الخصم التعسفي من الأجر.

وبحسب القانون القطري يمكن لصاحب العمل خصم أجور العمال لأسباب عدة، مثل إتلاف العامل للآلات، لكن يخضع العاملون للخصومات التعسفية دون إبداء أسباب، كما أن أصحاب العمل لا يسلمون قسائم الأجور، لذلك يعجز العاملون عن احتساب أو تدوين أو إثبات المبلغ المخصوم من أجورهم.

ونص القانون القطري على أنه “يمكن مطالبة العامل بالعمل عشر ساعات في اليوم ويكون أجر الساعتين الإضافيتين باحتساب الأجر الأساسي وزيادة قيمتها 25%”، إلا أنه غير مطبق.

جريدة “أندوستون تايمز” نشرت تقريرًا تؤكد فيه على أنه هناك ما يقرب من 300 عامل تم طردهم من العمل من شركات أخرى.

وقال التقرير “لقد عاش العمال أوقاتاً عصيبة منذ أن ضربت الأزمة المالية إحدى الشركات القطرية الرائدة وهي HKH General Contracting Company والتي كانت توظف في يوم من الأيام أكثر من 1200 عامل”.

سياسات مجحفة

وهناك مجموعة من الانتهاكات التي تقوم بها قطر في حق العمال وفقًا لعدد من التقارير الحقوقية، التي أشارت إلى أنه لا يستطيع العامل بسببها الحصول على مستحقاته وحقوقه، منها سياسة الدفع عند القبض، ما يسمح للمقاولين الفرعيين بتأخير أجور العمال حتى يتلقوا المدفوعات من المقاولين الأساسيين.

كذلك “نظام الكفالة” الذي يجعل أصحاب العمل مسؤولين عن العمال الوافدين ويسيطرون عليهم، منها المصادرة الروتينية لجوازات سفر العمال، وتحميل العمال رسوم الاستقدام، ويظلون مدينين لسنوات.

كما يحظر القانون القطري على العمال الوافدين الانضمام إلى النقابات والمشاركة في الإضرابات.

ويعد “الهروب” هو تهمة يتم توجيهها للعمال الوافدين، ومن خلالها يمكن لصاحب العمل إلغاء تصريح إقامة العامل الوافد في أي وقت إذا ترك العمل 24 ساعة بدون إذن ويعاقب بالسجن، والغرامات، والترحيل، والاعتقال.

700 ألف عامل دون حماية

أدخلت قطر تعديلات على قانون العمل، وأطلقت نظام حماية الأجور، وهو نظام إلكتروني لتحويل الرواتب.

ونص التعديل على ” ضمان التزام أصحاب العمل بدفع الأجور في المواعيد المحددة عن طريق تسلم العمال أجورهم عبر بطاقات الصراف الآلي وحساباتهم المصرفية”، لكن أصحاب العمل يأخذون بطاقات الصراف الآلي الخاصة بالعمال قسرًا، ويسحبون الأموال رغمًا عنهم.

لكن منظمة هيومن رايتس الدولية أشارت إلى وجود 700 ألف عامل دون حماية، فضلًا عن الذين يعملون في الشركات الصغيرة، وعاملات المنازل واللاتي يشكلن حوالي 174 ألف عاملة تحت العمل القسري علاوة على عمال المصانع والمزارع الصغيرة، كل تلك الفئات تم استبعادها عمدًا من نظام الحماية.

عبودية حديثة

من جهته ندد الاتحاد الدولي لنقابات العمال بما يحدث للعمال في قطر، معتبرًا ذلك “شكلًا من أشكال العبودية الحديثة”، ودعا إلى تأسيس لجنة حقوقية مخصصة لمقاضاة قطر دوليًا في ملف أوضاع العمالة الأجنبية.

الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا”، رد على تقرير هيومن رايتس واتش قائلًا إنه يعمل على حماية حقوق عمال كأس العالم في قطر، لذلك وضع الفيفا ومنظمو البطولة أنظمة قوية لمنع وتخفيف انتهاكات الأجور في مواقع كأس العالم، ووضع آليات لرفع مظالم العمال.

اعتراض قطري

أبدت قطر اعتراضها على التقرير المذكور، قائلة إنه “لا يعكس على الإطلاق حقيقة الأوضاع الراهنة”، وأشارت إلى أن ” أغلب العمال الوافدين لا يتعرضون لانتهاكات فيما يتعلق بالأجور، باستثناء الحالات الفردية”.

وأكدت في بيان صادر عبر الوكالة الرسمية لدولة قطر، على أن هذه الحالات قد شهدت تراجعاً ملحوظاً نظراً للتغيير الجوهري والمستدام الذي أحدثته القوانين والإجراءات التي اتخذتها الدولة منذ فترة.

وأعلنت وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية في قطر، وضع حد أدنى غير تمييزي لأجور العمال وتسهيل انتقالهم بين جهات العمل المختلفة.

وحددت الوزارة الحد الأدنى لأجور العمال والمستخدمين في المنازل بمبلغ 1000 ريال قطري شهريًا، على أن يكون الحد الأدنى لبدل السكن 500 ريال ولبدل الغذاء 300 ريال في حال عدم توفير صاحب العمل للسكن أو الغذاء الملائم للعمال.

وعلقت منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة على الجهود القطرية قائلة: في خطوة تاريخية، أجرت دولة قطر تعديلات جوهرية في سوق العمل، عبر إلغاء وجوب حصول العمال الأجانب على إذن صاحب العمل لتغيير وجهة عملهم، في الوقت الذي أصبحت فيه أول دولة في المنطقة تضع حدا أدنى للأجور غير تمييزي”.

وأشارت المنظمة إلى أن “الحد الأدنى للأجور الذي وضعته قطر سيؤثر بشكل مباشر “على 400 ألف عامل تقريبا في القطاع الخاص، وعلى نطاق أوسع، سيحسن حياة الملايين من أفراد عائلات العمال، والذين يعيشون في بلادهم الأم”.