“أنا السؤال والجواب، أنا مفتاح السر ولغز الحل”.. هكذا عبر الكاتب والسيناريست أسامة أنور عكاشة عن نفسه بصدق ووضوح، على لسان الفنان يحيى الفخراني في مسلسل “زيزينيا”، الذي تم إنتاج الجزء الأول منه عام 1997، بعد أن خلق لذاته حالة فريدة في مجال التأليف الدرامي، وجعل من كاتب العمل بطلًا يسعى الجمهور إلى مشاهدة أعماله مهما كان البطل على الشاشة.
خلق الكاتب الراحل أسامه أنور عكاشة، حالة خاصة بأعماله الدرامية، منذ بداية الثمانينيات حتى أوائل الألفية الثالثة، شكل خلالها وعي العقل الجمعي الدرامي، ليس المصري فقط ولكن العربي بأكمله، خلال تلك السنوات الفنية الطويلة كانت أعماله، ما بين الأبيض والأسود ليس لها ألوان أخرى، فكان الصراع جليًا بين الخير والشر، فلابد من وجود الشخصية التي تمثّل الخير المطلق والمبادئ والعادات الخاصة بتلك الفترة، كما لابد من وجود الشر المساوي للمجتمع.
أسامه أنور عكاشة بين اتجاهين
بعد مرور عشرات السنين، على أعمال عكاشة، اتهمه البعض بالتكرار وعدم تغيير ما يقدمه من أنماط درامية، واتجه البعض الآخر للدفاع عن كتباته باستماته، معتبرين أنه مجدد الكتابة الدرامية بعد أن قدم ما يقرب من 80 عملًا فنيًا، منها “زيزينيا” و”أبو العلا البشري” و”المصراوية” و”امرأة من زمن الحب” و”أرابيسك” و”ليالي الحلمية” و”ضمير أبلة حكمت” و”الشهد والدموع” وغيرها الكثير من الأعمال.
“أعمال عكاشة التي تربى عليها الجميع، ووجدت داخل الحارة المصرية الخيالية التي رسمها الكاتب داخل عقول المصريين”.. الناقد الفني عمرو شاهين
نمطي ومكرر
الناقد الفني عمرو شاهين، يقول: “الكاتب أسامه أنور عكاشة تميزت جميع أعماله بالنمطية والتكرار اللذين كان يهواهما بشدة، فإذا استبدلنا أبطاله في الأعمال المختلفة لن نجد أي اختلاف، فلو وضع حسن أرابيسك مكان سيد كناريا أو مكان بشر عامر، بمعطيات كل شخصية، سترى أن الشخصيات ستتخذ نفس المسارات وستنتهي لنفس المصائر لأنها شخصية واحدة يعاد تدويرها”.
ويضيف “شاهين”، أن أعمال “عكاشة” التي تربى عليها الجميع، ووجدت داخل الحارة المصرية الخيالية التي رسمها الكاتب داخل عقول المصريين، فلابد من وجود نمطين من الشخصيات لا ثالث لهما وهما، الجدع والشهم، والشخص ذي الكلمة المسموعة، وذلك في الشهد والدموع، وليالي الحلمية، وأميرة في عابدين، وزيزينيا، وكناريا وشركاه وغيرها، والنمط الآخر هو الشرير المثالي أيضًا ونجده في شخصية “سامبو” في مسلسل “أرابيسك”، والذي يتشابه مع “دحه الطلياني” في “عفاريت السيالة”، والاثنان يتشابهان مع “سباعي” في “زيزينيا”، ومع غيرهم من أشرار عالم عكاشة، نفس التركيبة من الجبن والخوف والطمع والنذالة واستغلال الظروف والضرب من الضهر، وستجد تلك التركيبة في كافة أشرار عكاشة حتى في أفلامه السينمائية القليلة ولعل أبرزهم “فرج الأكتع” في كتيبة الإعدام.
ويوضح الناقد الفني، أنه بعيدًا عن شخصيات عكاشة، فإن التكوين الدرامي للأبطال يحمل نفس الشيء ويسأل الأسئلة سواء كان مثاليًا أو حائرًا فهو يبحث عن الهوية، التي كانت الشغل الشاغل للكاتب في جميع أعماله، وهذا ظهر في ليالي الحلمية وزيزينيا، وأرابيسك وامرأة من زمن الحب، فهو مهووس بالتحقيق حول الهوية المصرية، وهذا جزء من تركيبته المكررة.
“أعمال الكاتب أسامه أنور عكاشة، تواجه مشكلة أساسية وهي تصدير النماذج الإيجابية المثالية على أنها التصرف الصحيح”.. الناقد الفني رامي المتولي
الهوية المصرية
يقول الناقد الفني رامي المتولي، إن أعمال الكاتب أسامه أنور عكاشة، تواجه مشكلة أساسية وهي تصدير النماذج الإيجابية المثالية على أنها التصرف الصحيح الواجب اتباعه، فمثلًا شخصية أبو العلا البشري هي انعكاس لدون كيشوت الرجل الذي عاش في وهمه لدرجة محاربة طواحين الهواء وتحول لمثل، هذه ليست رومانسية ولا فروسية هذه سذاجة، بالتدخل الشديد في حياة الآخرين ومحاولة تقويمها حسب رؤية أبو العلا والتي لا ينتج عنها سوي النفور، كما تدمرعالمه عليه بكل مستحق، فرسم الشخصية من البداية منفر وداعي للسخرية منها، نفس الشيء مع حسن النعماني في “أرابيسك”، الشخصية السلبية في العديد من التفاصيل وأكبر قرار اتخذه في حياته هو هدم فيلا الدكتور برهان، وتدمير ممتلكات الآخرين وفرض رؤيته التي هي جزء من رحلة “عكاشة”، في البحث عن الهوية المصرية بشكل في منتهي السطحية والسذاجة من أربيسك لزيزنيا للمصراوية، هذا بخلاف القيم الرجعية التي يؤسسها في تصرفات شخصياته التي يمجد فيها الرجال، فيما تبدو شخصياته النسائيه عنيفة وأنانية في معظمها وتمر أعمال عديدة قبل أن يظهر نموذج نسائي إيجابي.
ويضيف المتولي، أنه من الأخطاء التي وقع بها “عكاشة” طول الحوار في كثير من الأحيان، وتصرفات الشخصيات تكون مفتعله وفيها مغالاة فى ردود الأفعال، فأعماله عادة ما تخلو من الأحداث وتميل للتكرار والتطويل وغياب الأحداث المهمة في الثلث الأخير.
“أعمال عكاشة بها تركيبات تميل إلى التعقيد في الشخصيات”.. الناقد الفني طارق الشناوي
اتهامات باطلة
في الوقت الذي يلاقي فيه “عكاشة”، العديد من الاتهامات بالنمطية والسطحية، وغيرها، يؤكد الناقد الفني طارق الشناوي، أن اسم “عكاشة” ارتبط ارتباطًا وثيقًا بدراما رمضان في فترة الثمانينيات والتسعينيات، حيث خلق من كل شخصياته أبطالًا ارتبط بهم الجمهور بشكل كبير، سواء كانوا على الجانب النقي أو الشرير.
ويوضح “الشناوي”، أن أعمال “عكاشة” بها تركيبات تميل إلى التعقيد في الشخصيات، مثل حسن النعماني في أرابيسك، أو شخصيات تمر بمراحل متعددة مثل على البدري في ليالي الحلمية، وهذا ما ينفي عنه بشكل ما التكرار والنمطية التي يُتهم بها، من خلال الأعمال التي قدمها.
“البحث في أعمال أسامه أنور عكاشة بعد مرور عشرات السنين، أمر يُحسب له لا عليه”.. الناقد الفني محمد عدلي
سابق جيله
ويقول الناقد الفني، محمد عدلي، إن مسألة البحث في أعمال أسامه أنور عكاشة بعد مرور عشرات السنين، أمر يُحسب له لا عليه بشكل عام، فظهور زوايا جديدة من أعماله، يدل على قيمة أعماله الفنية.
ويضيف “عدلي”، أن “عكاشة أضاف الكثير والكثير لكتابة الدراما في مصر، كما قدم كلاسيكيات لولاها لكانت الهوية المصرية قلت بشكل كبير في الأعمال الدرامية”.
ويؤكد أن انتقاد أي شئ بعد 20 سنة من عمره، يظلمه كثيرًا لأننا لم نواكب ظروفه وكيف ظهر للنور وما إلى ذلك، فليس من الإنصاف أن يوضع أنور عكاشة تحت التقييم الحالي، متابعًا: “علينا أن ننظر في النهاية إلى ما كان يقدم من أعمال في نفس الفترة التي اشتهرت بها أعمال عكاشة، وما كان قبله وبعده قبل أن ننتقد شخصياته وهل ما قدمه نمطيًا أم لا وما شابه ذلك”.