تراجع الاقتصاد في تركيا بشكلٍ ملحوظ خلال الفترة الماضية، بسبب انهيار الليرة في سوق العملات، ما تسبب في خسائر عدة من شأنها التأثير بشكل سلبي على الاقتصاد التركي على البُعد الطويل.

وكشفت بيانات رسميّة تركية، حال الاقتصاد في البلاد والذي انكمش بنسبة 9.9 في المئة، خلال الربع الثاني من العام الجاري مقارنة بالربع الأول، الذي شهد تقدمًا ملحوظًا في الاقتصاد.

أسباب التراجع

بحسب وكالة الأسوشيتد برس، فإن التراجع الملحوظ في الاقتصاد التركي جاء عقب إجراءات الإغلاق التي فرضت لاحتواء جائحة فيروس كورونا المستجد، فعندما ضرب وباء كورونا تركيا، مارس الماضي، فرضت الحكومة على الفور قيود عدة لمنع انتشار العدوى التي تضر بالاقتصاد بشكل كبير.

ووفقًا للأرقام التي أصدرها معهد الإحصاء التركي، فإن الانخفاض الفصلي بين أبريل ويونيو الماضي، كان أكبر انكماش في البلاد منذ أكثر من عقد تقريبًا.

وأعلنت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، في وقت سابق من أغسطس الماضي، خفض آفاق الاقتصاد التركي إلى درجة سلبية، وأرجعت ذلك إلى تراجع الاحتياطي النقدي للبلاد وضعف الثقة في سياسة أنقرة المالية.

انهيار الاقتصاد التركي
انهيار الاقتصاد التركي

وأكدت الوكالة على أن الوضع في تركيا يثير قلقً بشأن الحصول على تمويل من الخارج، لذا تم خفض تصنيف البلاد إلى BB-، وبهذا تراجع لتصنيف الممنوح لتركيا من قبل وكالة “فيتش” عن سابقه في الربع الأول من العام الحالي بـ3 درجات عن المعدل المطلوب للاستثمار، ويعتبر ذلك هو المستوى الممنوح لدول تعاني صعوبات اقتصادية، مثل: البرازيل، وأرمينيا.

فيتش”، أرجعت سبب هذا التصنيف إلى تدخل الدولة التركية في محاولات منها لإنقاذ الليرة من الانهيار، وهو ما أحدث حالة من الشك في سياسة البلاد المالية، بالإضافة إلى هبوط معدلات العقار بدورها، وسط مخاوف من تفاقم الأزمة في البلاد.

لجأ بنك تركيا المركزي إلى احتياطي النقد الأجنبي من أجل كبح خسائر الليرة التي تشهد هبوطا مستمرا منذ سنوات”.. وكالة فيتش للتصنيف الائتماني

فاتورة التوسع العسكري

ترى بعض الشبكات والمواقع العالمية والمحللون أن سبب تراجع قيمة الليرة التركية وبالتالي الاقتصاد إلى التوسعات الخارجية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

شبكة بلومبيرج الأميركية، قالت إن نفقات الجيش التركي زادت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، جراء عمليات التوسع في الخارج، متوقعةً أن يكون لها تأثير على اقتصاد البلاد الذي يمر بحالة من الاضطراب.

ذكرت الشبكة في تقرير لها، أن ميزانية الجيش التركي بلغت 2.5 في المئة من الناتج المحلي للبلاد في عام 2018، بينما كان هذا الرقم عند حدود 1.5 في المئة في سنة 2015، مؤكدةً على أنه منذ أيام الدولة العثمانية، لم يحصل أن كان لجيش تركيا حضور عسكري في الخارج، مثلما يحدث في الوقت الحالي.

 “بلومبيرج” أكدت على أن حضور تركيا في كل من: قطر، والشمال السوري، والعراق، وليبيا إذ تدعم أنقرة الميليشيات من خلال العتاد وإرسال المرتزقة إلى تلك المناطق.

جاء هذا الارتفاع في تكلفة الجيش عن طريق العتاد والمرتزقة في الوقت الذي ضعف فيه الاقتصاد التركي، ما زاذ من معدل ضعفة”.. شبكة بلومبيرج الأميريكية

يرى خبراء الاقتصاد أن تركيا تدعم حكومة فايز السراج، في طربلس بمليارات الدولارات في محاولة محفوفة بالمخاطر، بسبب تصعيد التدخل العسكري في شرق المتوسط.

نزوح المستثمرين الأجانب

الوكالة الأمريكية
الوكالة الأمريكية

مايا سينوسي، كبيرة الاقتصاديين في أكسفورد إيكونوميكس، تقول إن السياسات الاقتصادية الحالية لتركيا ستتسبب في مزيد من الاضطرابات المالية، أبرز معالمها فرار تاريخي للمستثمرين الأجانب.

 “ماي”، أضافت “البنك المركزي التركي يواجه ضغوطًا سياسية لإبقاء أسعار الفائدة منخفضة أو سلبية، ومن هنا تنبأ المستثمرين بأن صناع السياسة النقدية لن يكونوا قادرين على رفع تكاليف الاقتراض حتى لو ارتفع التضخم، ما سيتسبب في نزوح أجنبي واسع من أسواق السندات والأسهم التركية ويساعد على انخفاض الليرة إلى مستويات قياسية“.

ووفقًا لتقارير البنك المركزي التركي فإنه لأول مرة منذ 15 عامًا تصل نسبة المستثمرون الأجانب إلى أقل من نصف الأسهم في سوق الأسهم التركية.

تبديد النقد الأجنبي

منذ تولي الرئيس التركي رجب أردوغان الحكم في عام 2014، اختلت موازين احتياطات تركيا من النقد الأجنبي والأصول الاحتياطية، ما شكل مرحلة هبوط متواصل في إجمالي الاحتياطات التي بناها البنك المركزي طيلة أعوام.

وبالرجوع لبيانات البنك المركزي التركي أكبر قيمة احتياطي في تاريخ البلاد في عام 2014، أما عن البيانات الحالية فتظهر أنها ضمن الأدنى منذ أكثر من 12 عامًا.

سجلت تركيا في النصف الأول من عام 2014، قيمة أصول احتياطية بلغت 115.14 مليار دولار أمريكي، لكن بدأت قيمة الاحتياطي في التراجع خلال السنوات اللاحقة حيث بلغت 75 مليار دولار أمريكي في العام الماضي، و بلغت 49.23 مليار دولار أمريكي في العام الحالي.

احتجاجات إسطنبول

موجة عاصفة تواجهه الليرة التركية أمام الدولار واليورو، ووفقًا لصحيفة “تي 24” التركية، اقترب الدولار من الوصول إلى 7 ليرات تركية، بعد ارتفاعه المفاجئ، بينما وصل سعر اليورو إلى 8.21 ليرات تركية.

منح أصحاب مصانع في إسطنبول جميع العمال غير المشتركين في نقابة العمال إجازة دون مرتب، وعلى رأسهم مصنع”بكس شوراب“.

 “الحكومة التركية برئاسة رجب أردوغان تدعي أنه لن يطرد أي مواطن من عمله، على الأقل لمدة عام، إلا أن رجال الأعمال يتحكمون في العمال كيفما يشاءون”.. قناة “كي آر تي” التركية.

تراجع مستوى المعيشة

 ويتسبب تدهور الاقتصاد التركي في القطاعات كافة، وانهيار الليرة التركية أمام الدولار واليورو في تدهور مستوى المعيشة.

ورفعت الحكومة التركية نسبة الضرائب والرسوم الحكومية المفروضة على الخدمات إضافة لرفع أسعار الاستهلاك بنسبة 9 % تقريبًا، عقب إجراؤها استطلاع ومقارنات على فواتير الكهرباء والمياه بشكل خاص.

الدكتور بشير عبد الفتاح، الباحث في الشئون التركية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، يقول إن القرارات التي اتخذها أردوغان خلال الفترة الماضية تسببت في نزيف اقتصادي كبير، أدى إلى غضب عدد كبير من المواطنين، بسبب رفع فاتورة الاستهلاك، وتسريح العاملين.

“بشير”، أضاف أن أردوغان يحاول أن يزيد من شعبيته عند الأتراك بتحويل الكنائس إلى مساجد، خاصة مع تدهور القطاع الاقتصادي، وتأثيره على مستوى المعيشة، بسبب التدخلات العسكرية وتمويل المرتزقة وعداوته لبلاد الجوار.

ويرى الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، أن سبب أزمات الاقتصاد التركي هو انتشار فيروس كورونا المستجد في العالم، مؤكدًا على أنه كان له تأثير على الخريطة الاقتصادية العالمية بأكملها، حيث شهد الاقتصاد التركي انتعاشًا ملحوظًا خلال الربع الأول من عام 2020، في مرحلة ما قبل انتشار فيروس كورونا وإغلاق بعض الأنشطة التجارية بالداخل.

وأضاف أن الليرة التركية ليست في أزمة أو انخفاض غير مسبوق، إنما تتذبذب ما بين الارتفاع والانخفاض بين الليرة والدولار، إذ أن الاقتصاد التركي كان يعاني معاناة عادية نتيجة للمتغيرات الاقتصادية بالأسواق الناشئة، مشيرًا إلى أن الناتج القومي لتركيا لا ينبأ بأزمات اقتصادية كارثية، إنما الفارق كان نمو الإنتاج المحلي بشكل سريع ما قبل “كورونا”، وأن الاحتياطي النقدي لها مطمئن اقتصاديًا.