تواجه حكومة التكنوقراط في تونس، برئاسة هشام المشيشي جملة من الأزمات الداخلية والتي تتطلب منها سرعة حلها بشكل يؤكد قدرتها على إدارة شئون البلاد.

وأدت حكومة التكنوقراط المستقلين اليمين الدستورية في 2 سبتمبر الجاري، بعدما حصلت على أغلبية الأصوات اللازمة لمنحها الثقة وتمريرها والبدء في مهامها المكلفة بها، حيث صوت 134 عضواً من إجمالي 217 عضواً بالبرلمان، بالموافقة عليها، وأيدتها الكتل البرلمانية لحركة النهضة (54 مقعداً)، وحزب قلب تونس (26 مقعداً) والإصلاح (16 مقعداً)، والكتلة الوطنية (11 مقعداً)، وتحيا تونس (10 مقاعد)، فيما عارضت الكتل النيابية لكل من الحزب الدستوري الحر (16 مقعداً) والكتلة الديمقراطية (38 مقعداً)، إضافة إلى ائتلاف الكرامة (19 مقعداً).

جاء التصويت بالموافقة على منح ثقة البرلمان للحكومة الجديدة لتتجنب معه البلاد عواقب الاتجاه نحو حالة من الفراغ الدستوري وذلك في حالة عدم التصويت لها، الأمر الذي من شأنه المساهمة في دعم المشهد السياسي المتأزم ومن ثم تحقيق الاستقرار السياسي اللازم لمساعدة الحكومة الجديدة على القيام بالمهام الموكلة إليها وخاصة فيما يتعلق بتحسين الأوضاع الاقتصادية للبلاد، ومنع تفاقم الاحتقان الاجتماعي داخل المجتمع خلال الفترة القادمة. بحسب دراسة لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.

دلالات سياسية

أشارت الدراسة إلى أن عملية التصويت داخل البرلمان بالموافقة على حكومة التكنوقراط تكتسب أهمية خاصة، لما لذلك من دلالات سياسية عديدة، منها أنها الحكومة الثانية التي تحصل على موافقة البرلمان في فترة زمنية لم تتجاوز 6 شهور، ففي فبراير الماضي حصلت حكومة الفخفاخ على ثقة البرلمان بعد تصويت 129 عضواً لصالحها، كما أنها تعد حكومة الرئيس الثانية أيضاً، بمعنى قيام الرئيس قيس سعيد بتكليف الوزير هشام المشيشي – وفقاً للدستور – بعد تقديم الفخفاخ استقالته في أواخر شهر يوليو الماضي.

قيس سعيد قد سبق له اختيار الفخفاخ بعد فشل مرشح حركة النهضة الحبيب الجملي في الحصول على ثقة البرلمان

وكان قيس سعيد قد سبق له اختيار الفخفاخ بعد فشل مرشح حركة النهضة الحبيب الجملي في الحصول على ثقة البرلمان في شهر يناير الماضي، وهكذا تعد حكومة المشيشي هي حكومة الرئيس الثانية التي تحصل على ثقة البرلمان منذ تولي قيس سعيد منصب رئيس البلاد.

وكشفت عملية التصويت بالموافقة على حكومة المشيشي عن ذلك التحول الحاصل في موقف حركة النهضة تجاه حكومة المستقلين، ففي بداية الأمر أعلنت قيادات حركة النهضة معارضتها لقيام الرئيس سعيد بتكليف وزير الداخلية في حكومة الفخفاخ المستقيلة، لتشكيل الحكومة الجديدة، ووصفت إياه بالاختيار الخاطئ نظراً لعدم تمتعه بالخبرة الاقتصادية اللازمة لإخراج البلاد من أزمتها الحالية وتصحيح أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية المتردية، وعقب إعلان المشيشي عن حكومته عبرت النهضة عن رفضها لتشكيل حكومة من المستقلين بدلاً من تشكيل حكومة وحدة وطنية تعبر عن الأحزاب السياسية التي فازت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إلا أنها تراجعت وعدلت موقفها وعكست تصريحات قادتها اتجاهها للتصويت بالموافقة على هذه الحكومة.

منح الثقة أو حل البرلمان

تشير الدراسة إلى إن النواب كانوا مضطرين لدعم الحكومة ومنحها الثقة لأنه البديل الأمثل في ظل تعقد المشهد السياسي وتصاعد الخلافات السياسية بين الأحزاب والقوى السياسية الممثلة داخل البرلمان، كما أن البديل لعدم منحها الثقة تمثل في حل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة وفقاً لم ينص عليه الدستور في هذا الشأن، وبالتالي عبرت عملية التصويت بمنح الثقة لحكومة المشيشي وبشكل واضح عن محدودية الخيارات المتاحة، في ظل عدم جاهزية معظم الأحزاب لخوص معركة انتخابية جديدة.

تواجه حكومة المشيشي جملة من الأزمات الداخلية

وتواجه حكومة المشيشي جملة من الأزمات الداخلية، حيث تعد الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد خلال الفترة الأخيرة من أبرز التحديات أو المشكلات التي تتطلب من الحكومة الجديدة جهوداً كبيرة في محاولة لإخراج البلاد منها، وسيتضح خلال الفترة المقبلة مدى قدرة البرنامج الاقتصادي الذي أعلن عنه رئيس الحكومة الجديدة على حل المشكلة الاقتصادية على الصعيدين الداخلي والخارجي، في ظل ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب وما أدى إليه ذلك من تزايد في معدلات الهجرة غير الشرعية إلى الخارج، وكذلك مخاطبة المؤسسات الدولية المانحة للحصول على مساعدات وقروض وكذلك جذب المستثمرين الأجانب بعد إعادة الثقة في الاستثمار الداخلي، وذلك من أجل إنعاش الاقتصاد الوطني، كما أن الحكومة الجديدة سيتعين عليها الضغط على البرلمان من أجل تمرير قانون المالية والمقرر له في منتصف شهر أكتوبر المقبل.

 

 غياب ظهير سياسي للحكومة

ويبدو غياب ظهير سياسي للحكومة من المشكلات التي تواجهها، وذلك نظراً لما لها من تداعيات على العمل الحكومي، فرئيس الوزراء الجديد شخصية مستقلة لا ينتمي لأي من الأحزاب السياسية المتصدرة للمشهد السياسي، وذلك على غرار رئيس الحكومة المستقيل إلياس الفخفاخ والذي تم اختياره من قبل الرئيس قيس سعيد.

وهذه المشكلة تثير استياء الأحزاب السياسية وتدفعها إلى اتهام رئيس البلاد بـ”عدم الالتزام باختيارات الناخبين والتجربة الديمقراطية بشكل عام”، وقد يؤدي ذلك إلى اتجاه هذه الأحزاب لممارسة ضغوطها على رئيس الحكومة المستقيل المدعوم من مؤسسة الرئاسة، وبالتالي تصعيد الخلافات مرة أخرى بين الأحزاب ورئيس البلاد، بشكل قد يؤدي، في أحد السيناريوهات، إلى سحب الثقة من هذه الحكومة باعتبارها حكومة غير سياسية لا تعبر عن الأحزاب وكتلهم البرلمانية، وفي هذه الحالة ستدخل البلاد في أزمة سياسية جديدة مع تكرار أسباب حدوثها.

بعض الهيئات الدستورية التي لم يتم تشكيلها حتى الآن، وعلى رأسها المحكمة الدستورية،

ولاتزال هناك بعض الهيئات الدستورية التي لم يتم تشكيلها حتى الآن، وعلى رأسها المحكمة الدستورية، وهي إشكالية تتطلب من الحكومة الجديدة حلها بالتعاون والتنسيق مع الكتل النيابية داخل البرلمان، خاصة وأن عدم تشكيلها أظهر عيوب العمل البرلماني في البلاد. وفي ظل غياب هذه المحكمة فإن تداعيات ذلك على النظام السياسي للبلاد ستكون قوية، خاصة وأن المحكمة مختصة بالفصل في النزاعات أو الخلافات حول الاختصاصات بين كل من رئيس الدولة ورئيس الحكومة.

الأمن القومي

ويعد الحفاظ على الأمن القومي للبلاد في مواجهة التهديدات الإرهابية من التحديات التي ستتطلب من الحكومة الجديدة ضرورة اتخاذ إجراءات وسياسات حاسمة، بالتوازي مع مطالبة بعض الأحزاب السياسية الرافضة لتصاعد دور حركة النهضة ووصولها للسلطة، بفتح باب التحقيق للكشف عن فساد قيادات الحركة والكشف عن الجهاز السري للنهضة في ظل اتهامه بالتورط في قضايا اغتيال المعارضين له خلال السنوات الماضية، ومن المؤشرات الدالة على ذلك تقديم رئيس التيار الديمقراطي محمد عبو استقالته من رئاسة الحزب وإعلانه اعتزال الحياة السياسية ومطالبته بالتحقيق مع حركة النهضة في قضايا الفساد المرفوعة ضدها (تبييض الأموال).