“لا تسقط بالتقادم”.. جملة حملها الدستور المصري، وتضمنت مواد محددة تلك الجملة، التي لا يعلم الكثير من غير المتخصصين معناها ولا قيمتها، كما لا يعلمون في أي جرائم تكون العقوبة التي لا تسقط بالتقادم.

يظن البعض، أن كافة الجرائم مهما كان نوعها تسقط عقوبتها، وتنتهي بمرور الوقت، لكن هذا غير صحيح فبعض الجرائم لا تسقط بالتقادم، وأشهرها جرائم التعذيب، وفقًا للدستور والقوانين المصرية، وفي السطور القادمة نستعرض الجرائم التي لا تسقط عقوبتها بالتقادم.

الدعوى الجنائية في مواد الجنايات، تنقضي بعد مضي 10 سنوات من يوم وقوع الجريمة، أما في مواد الجنح 3 سنوات وفي مواد المخالفات بمضي سنة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، إلا أن بعض الجرائم الأخرى يختلف أمرها بشأن انقضاء الدعوى والعقوبة.

جرائم التعذيب
جرائم التعذيب

جرائم التعذيب

نص الدستور المصري في مادته 52، على أن “التعذيب بجميع صوره وأشكاله، جريمة لا تسقط بالتقادم”، ولكن رغم نص الدستور الصريح، إلا أن القانون المصري لم يتم تعديله حتى الآن رغم مناشدات ومطالبات المجلس القومي لحقوق الإنسان وعدد من المنظمات الحقوقية.

وكان المجلس القومي لحقوق الإنسان، أوصى أكثر من مرة في تقاريره السنوية منذ تشكيله في 2013 بتعديل المادتين 126 الخاصة بالتعذيب، و129 الخاصة باستخدام القسوة، من قانون العقوبات، لكن دون أي تحرك تشريعي.

وتنص المادة 126، على أنه “يعاقب بالسجن المشدد كل موظف أو مستخدم عمومي، أو أحد رجال الضبط قام بنفسه أو أمر بتعذيب إنسان، بإحداث إيذاء جسدي أو نفسي به؛ بقصد حمله هو أو غيره على الاعتراف أو للحصول منه أو من غيره على أي معلومات أو لمعاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو غيره أو بسبب التمييز أيًّا كان نوعه، ويعاقب بذات العقوبة كل من حرض على التعذيب أو سكت عنه رغم قدرته على إيقافه، وإذا مات المجني عليه يحكم بالعقوبة المقررة للقتل عمدًا”.

مبدأ عدم تقادم جريمة التعذيب، تم التأكيد عليه، لأنها جريمة ضد الإنسانية، وأكدت هذا المبدأ اتفاقية 26 يوليو 1968، والتي دخلت حيز التنفيذ 1970

كما تنص المادة ،129 على أن “كل موظف أو مستخدم عمومي أو شخص مكلف بخدمة عمومية استعمل القسوة مع آحاد الناس، أو أمر بها، اعتمادًا على وظيفته، بأن أخل بشرفه أو أحدث آلامًا ببدنه يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز عشرين ألف جنيه”.

الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، عرفت جريمة التعذيب بشكل أكثر شمولًا، بأنها أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديًا كان أم عقليًا، يلحق عمدًا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث، أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب يقوم على التمييز أيًا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها.

المحامي ياسر سعد، يرى أن الدستور التشريع الأعلى في البلاد، فلا حاجة ملحة لتعديل القوانين التي تتحدث عن التعذيب، خاصة أن الدستور أكد على ذلك.

مبدأ عدم تقادم جريمة التعذيب، تم التأكيد عليه، لأنها جريمة ضد الإنسانية، وأكدت هذا المبدأ اتفاقية 26 يوليو 1968، والتي دخلت حيز التنفيذ 1970، والمتعلقة بعدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، واعتبرت تكريسًا لمبادئ ضرورة محاربة اللاعقاب تجاه من ارتكب الأعمال الشنيعة التي شهدتها الحرب العالمية الثانية.

الاتجار في الآثار
الاتجار في الآثار

الاعتداء على الآثار

تعتبر جريمة الاتجار بالآثار من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم، حيث أكد قانون حماية الآثار، الذي وافق عليه مجلس النواب، خلال الفصل التشريعي الحالي، وأصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي، برقم 91 لسنة 2018 لتعديل أحكام القانون 117 لسنة 1983، على أن “جرائم الاعتداء على الآثار أو الاتجار فيها لا تسقط بالتقادم”.

ويأتي النص القانوني إنفاذاً لمواد الدستور، وحكم المادة 49 التي تنص على: “تلتزم الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها، ورعاية مناطقها، وصيانتها، وترميمها، واسترداد ما استولى عليه منها، وتنظيم التنقيب عنها والإشراف عليه، ويحظر إهداء أو مبادلة أي شىء منها، والاعتداء عليها والاتجار فيها جريمة لا تسقط بالتقادم”.

الإرهابي هو كل شخص طبيعي يرتكب أو يشرع في ارتكاب أو يحرض أو يهدد أو يخطط في الداخل أو الخارج لجريمة إرهابية بأية وسيلة كان

الجرائم الإرهابية

الجرائم الإرهابية

بالنسبة لجرائم الإرهاب،التي باتت خطرًا داهمًا على المجتمعات، فنصت المادة 52 من القانون رقم 94 لسنة 2015 “قانون مكافحة الأرهاب”، على أنه: “لا تنقضي الدعوى الجنائية في الجرائم الإرهابية، ولا تسقط العقوبة المحكوم بها فيها بمضي المدة”.

ووفقًا للقانون، فإن الجريمة الإرهابية تُعرف، بأنها كل جريمة منصوص عليها في هذا القانون، وكذا كل جناية أو جنحة ترتكب باستخدام إحدى وسائل الإرهاب أو بقصد تحقيق أو تنفيذ غرض إرهابي، أو بقصد الدعوة إلى ارتكاب أية جريمة مما تقدم أو التهديد بها، وذلك دون إخلال بأحكام قانون العقوبات.

كما عرف القانون، الإرهابي على أنه كل شخص طبيعي يرتكب أو يشرع في ارتكاب أو يحرض أو يهدد أو يخطط في الداخل أو الخارج لجريمة إرهابية بأية وسيلة كانت، ولو بشكل منفرد، أو يساهم في هذه الجريمة في إطار مشروع إجرامي مشترك، أو تولي قيادة أو زعامة أو إدارة أو إنشاء أو تأسيس أو اشترك في عضوية أي من الكيانات الإرهابية، وذلك وفقًا للمادة رقم 1 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 8 لسنة 2015 في شأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية.

وفي إبريل الماضي، أصدرت محكمة النقض المصرية، حكمًا قضائيًا أرست فيه حُكم عدم التقادم في الاتجار بالمخدرات

الاتجار بالمخدرات

تنص المادة 46 مكرر أ/1 من قانون 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون 122 لسنة 1989 على أنه: “لا تنقضي بمضي المدة الدعوى الجنائية في الجنايات المنصوص عليها في هذا القانون والتي تقع بعد العمل به عدا الجناية المنصوص عليها في المادة 37 من هذا القانون”.

وفي إبريل الماضي، أصدرت محكمة النقض المصرية، حكمًا قضائيًا أرست فيه حُكم عدم التقادم في الاتجار بالمخدرات حيث قالت: “لا سقوط لعقوبة السجن الغيابي في جناية إحراز المواد المخدرة بقصد الاتجار طبقاً لنص المادة 46 من القانون رقم 182 لسنة 1960 تطبيقًا لمبدأ الخاص يقيد العام، وبالتالي لا تسري مواد سقوط العقوبة المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية”.

التعدي على الحرية الشخصية وحرمة الحياة الخاصة، من الجرائم التي لا تسقط فيها الدعوى القضائية بالتقادم

الاعتداء على الحرية الشخصية

الاعتداء على الحرية الشخصية وحُرمة الحياة الخاصة

التعدي على الحرية الشخصية وحرمة الحياة الخاصة، من الجرائم التي لا تسقط فيها الدعوى القضائية بالتقادم، وينص الدستور المصري في مادته 99 على أن “كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حُرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وللمضرور إقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر”.

وتكفل الدولة، تعويضًا عادلًا لمن وقع عليه الاعتداء، وللمجلس القومي لحقوق الإنسان إبلاغ النيابة العامة، عن أي انتهاك لهذه الحقوق، وله أن يتدخل في الدعوى المدنية منضمًا إلى المضرور بناء على طلبه، وذلك كله على الوجه المبين بالقانون.