في الثمانينات والتسعينات كانت جماهيرية صحف الحوادث خاصة “الصفراء” منها، كما نطلق عليها، قائمة على استغلال قضايا المرأة وخاصة “قضايا الشرف” لرفع مبيعات شراء الصحف، وتم وضع إكلاشيه واستخدام صفة “سيئة السمعة”.
وعاد من جديد مصطلح “سوء السمعة” ليصبح الحكم الذي يتم تصديره في قضايا الشرف من قبل عناوين الصحف، كما حمل مضمون عدد من الأخبار أحكام الصحفي الأخلاقية دون مراعاة أن هذا يضعه في موقع “الحاكم والجلاد”، وليس ناقل المعلومة من مصدرها الرسمي فقط.
تعد “قضايا الشرف” حساسة للغاية، ليس لأنها محط أنظار الرأي العام، بل لأنها قد توصم ضحيتها طوال العمر، لذلك فتدارك الأخطاء والتأني في نقل الحقيقة يجب أن يصبح هدفنا جميعًا
وافق مجلس النواب، على مشروع قانون يهدف لحماية سمعة المجني عليه من خلال عدم الكشف عن شخصيته في الجرائم التي تتصل بهتك العرض، و
وصم المرأة لا يسقط بالصعيد
نهاية غسطس الماضي، تم الكشف عن جريمة قتل أختين بقنا بمنزلهما، بعد يومين، نشرت بعض الصحف، عنوان: “التحريات قد تكون بدافع الشرف”، مؤكدين أن والداهما هو الجاني، وكانت تلك إشاعات من جيرانهما الذين ألصقوا تهمة “سوء السمعة” بالفتاتين لمعيشتهما بمفردهما، ولم يتم نشرها بشكل رسمي حتى يتم التأكد منها، إلا أن الصحف أخذتها بأنها أمر مسلم به في العناوين ومعالجة القضية.
وتم أيضًا استنتاج أن الجريمة جريمة “شرف” من أحد الأقرباء باعتبار أن الفتاتين أخلاقهما سيئة وموتهما نتيجة للعار، وكان هذا هو حكم الصحافة الذي صدرته الغالبية.
بعد ذلك كشفت التحقيقات والتحريات النهائية أن مرتكب الجريمة هو زميل للفتاة الكبرى تحرش بها فقامت بصفعه على وجهه بمقر عملهما، فقام بتنفيذ جريمته لرد رجولته مستعينًا بـ4 أصدقاء له، كما أكد الطب الشرعي عذرية الفتاتين.
مطلع سبتمبر الجاري، نشر موقع إلكتروني صورة للفتاة التي كانت سببًا في فتح “قضية الفيرمونت” بتقديمها بلاغًا رسميًا
من ناحيتها، قالت دكتور سحر وهبي، أستاذة الصحافة، ومقرر المجلس القومي للمرأة بسوهاج، إن الصعيد يفسر كلمة الشرف بأنها رقاب، موضحة أن القضايا الخاصة بهتك العرض والسمعة حساسة للغاية ويجب تناولها بشكل مهني فبوفاة الفتاة أو نجاتها ستبقى موصومة طوال عمرها بأنها “سيئة السمعة” كما وصفتها الصحافة.
وأضافت “سحر” أن كثير من جرائم الشرف يتم تناولها باستخدام أحكام مسبقة من المجتمع لتتصدر عناوين الصحف وتكون قائمة على شهادات للجيران، وتبنى على سند وهي، مثل: معيشة الفتاة بمفردها أو كونها مستقلة، أو بناء على مظهرها وذلك موروث ثقافي يجب تغييره.
دور “قومي المرأة”
وأشارت إلى أن المجلس القومي للمرأة يحاول أن يكون له دور إيجابي من خلال عقد دورات للإعلاميين عن تناول قضايا العنف ضد المرأة، وكيفية صنع العناوين والبعض عن المثيرة منها، وكيفية الحديث عن قضايا الشرف، قائلة “تتلقى الفتاة لعنات تصب عليها بسبب عنوان أو توصيف”.
وتابعت عضو “قومي المرأة”، كما يهتم المجلس برصد كيفية تناول الدراما للمرأة ويرصد إيجابيات وسلبيات تتعلق بالصورة الذهنية والنمطية له، مشيرة إلى أن المجلس منذ إنشائه في عام 2000، وهو يحاول ولكن على المجتمع أن يساعده أيضًا.
استباق التحقيقات وقيام الصحفي بدور القاضي والجلاد
في منتصف أغسطس الماضي، وافق مجلس النواب، على مشروع قانون يهدف لحماية سمعة المجني عليه من خلال عدم الكشف عن شخصيته في الجرائم التي تتصل بهتك العرض، وإفساد الأخلاق والتعرض للغير والتحرش الواردة بقانون العقوبات وقانون الطفل، خشية إحجام المجني عليه عن الإبلاغ عن تلك الجرائم.
في مطلع سبتمبر الجاري، نشر موقع إلكتروني صورة للفتاة التي كانت سببًا في فتح “قضية الفيرمونت” بتقديمها بلاغًا رسميًا، وكان العنوان: “أول صورة لفتاة الفيرمونت بصحبة أحد المتهمين بالاعتداء عليه”، مع شريطة سوداء على وجهها.
تم تدارك الأمر وتم إزالة الخبر والصورة بعد فترة قصيرة من النشر، ولكن كانت قد تناقلت عدد من المواقع الصورة مع مزيد من التوصيفات للفتاة، مثل: “شاهد فتاة الفيرمونت برفقة أحد المتهمين بملابس فاضحة”.
في 2019 أصدر المجلس الأعلى للإعلام المبادئ المنصوص عليها في الأعراف المكتوبة “الأكواد”، لرصد الأداء الصحفي والإعلامي ومتابعته
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالبعض قام بدور القاضي والجلاد بل واستبق النيابة العامة التي لم تصرح بأي اتهامات، فأطلق البعض الأحكام وتفنيد التهم للمقبوض عليهم بالقضية، مثل:لواط، وسحاق، وجنس جماعي لتتصدر العناوين.
الصحفي يتأثر بموروثه الثقافي
من ناحيتها، قالت دكتور سهير عثمان، أستاذ الصحافة بإعلام القاهرة، إن الصحفي الذي يقوم بتلك المعالجة لا أستطيع أن اجتزأه من المجتمع، لأنه ينتمي لبيئة تكرس تلك الأحكام على المرأة ليس فيما يتعلق بقضية شرف، بل لمجرد أنها لا ترتدي الحجاب فإنه يقوم بالحكم عليها لأنها خلعت رداء العفة.
وأضافت “سهير” أن بهذا فإن الصحفي يتأثر بالرقابة الذاتية وقناعاته بالإضافة أيضًا إلى أن السياسة التحريرية هي من تساعده على هذا، فمراحل النشر لا يتحكم بها بمفرده وقد يكون هذا هو “التريند” الذي يحقق مشاهدات على حساب المهنية والنزاهة.
وتابعت أنها ضد نشر صور الضحية أو المتهمة بوضع شريطة سوداء خاصة أنه في النهاية فملامح وجهها وجسدها واضحين، وهذا نوع من تمثيل أنهم يقومون بواجبهم وتنفيذ ميثاق الشرف، على حد وصفها.
بالحديث عن ميثاق الشرف الصحفي، أوضحت أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة أنه غير ملزم، لأنه ليس قانون لأنه عبارة عن أخلاقيات.
تشكيل الرأي العام وشحنه تجاه المرأة
تساءلت “سهير” ماذا لو قامت النيابة بتبرئة المرأة في قضايا الشر؟، فهل سيبرأها المجتمع بعد تلك الشحنة التي قامت بها “الصحافة” ضدها مستبيحة معلومات عنها وعن نمط حياتها وتقديمه أنها فوق المجتمع؟!.
“هناك عدد من الصحفيين على غير دراية بتلك الأكواد وأن هناك جزاءات قد تقع عليهم وعلى الوسيلة الصحفية محل النشر”.. عضو المجلس الأعلى للإعلام
ونفت أن يكون هذا متسقًا مع مجهودات الرئاسة في السنة الماضية والتي كرسته كعامًا للمرأة.
تفعيل أكواد الأعلى للإعلام وطرحها للحوار المجتمعي من جديد
في 2019 أصدر المجلس الأعلى للإعلام المبادئ المنصوص عليها في الأعراف المكتوبة “الأكواد”، لرصد الأداء الصحفي والإعلامي ومتابعته، فضلا ًعن مواثيق الشرف التي تصدرها النقابات المعنية مثل الصحفيين والإعلاميين.
وتضم الأكواد قضايا: التعامل مع الإرهاب والأمن القومي والمرأة، والمحتوى الصحفي والإعلامي الموجه للطفل، والصحافة والإعلام الرياضي، والأعمال الإعلانية والدرامية.
من ناحيتها أوضحت دكتور منى الحديدي، عضو المجلس الأعلى للإعلام، أن هناك عدد من الصحفيين على غير دراية بتلك الأكواد وأن هناك جزاءات قد تقع عليهم وعلى الوسيلة الصحفية محل النشر.
وطالبت “منى” بضرورة تفعيل ونشر تلك الأكواد بشكل موسع عن طريق عقد لقاءات وحوارات مجتمعية عديدة بين المجلس وممارسين الصحافة، لأن الالتزام بها يعني نجاح الصحفي وتحقيق مهنيته المنشودة، مطالبة أن يكون لدى كل مؤسسة أكواد وأخلاقيات خاصة بها فهي متعارف عليها بشكل دولي.
كما طالبت عضوة المجلس الأعلى للإعلام، بتفعيل الضمير المهني والمجتمعي من ممارسين الصحافة والاعلام، فنشر الجرائم ليس المقصود به وصم المرأة بقدر ما يدل على التوعية بأضرار القضايا وحماية المجتمع لذلك فوجب عدم تداول القضية وتنميطها طالما ما زالت قيد التحقيق.
الجميع يخطأ والتراجع مطلوب
نحن أيضًا وقعنا في خطأ مهني كموقع “360 مصر” وقمنا بنشر صورة لطفلة في قضية كانت مثارًا للجدل، ولكن قمنا بعمل مراجعة لكودنا الأخلاقي وعلى الفور تم تدارك الأمر بإزالة الصورة.