اختلف مفهوم الحصانة البرلمانية، في مجلس النواب الحالي، عن التعريفات المقررة قانونيًا، والتقاليد البرلمانية المتعارف عليها، وآليات رفعها، أو إسقاط عضوية عضو المجلس التشريعي، فباتت عصا تُهدد المخالفين والمعارضين من أعضاء المجلس تارة، وحائط صد أمام الدعاوى القضائية والانتهاكات التي يرتكبها المقربون والموالون للسلطة، بدلًا من أن تكون نوع من الحماية القانونية لتمكن النائب من تأدية وظيفته الدستورية كاملة كسلطة تشريعية بعيدًا عن تاثير السلطة التنفيذية على أعضاء البرلمان بالترغيب أو الترهيب.
لقاء عكاشة، بالسفير الإسرائيلي، وعزله من المجلس لم يستغرق أكثر من أسبوع تقريبًا
توفيق عكاشة
الإعلامي توفيق عكاشة، صاحب أعلى الأصوات في البرلمان، كان صاحب أولى معارك الحصانة البرلمانية، إذ أعلن مجلس النواب برئاسة الدكتور علي عبد العال في مارس 2016، إسقاط عضوية عكاشة في المجلس على خليفة لقائه مع السفير الإسرائيلي في القاهرة السابق حاييم كورين، وإعلانه مناقشة أزمة سد النهضة معه، وعدد من القضايا الثنائية.
لقاء عكاشة، بالسفير الإسرائيلي، وعزله من المجلس لم يستغرق أكثر من أسبوع تقريبًا، إذ شكل المجلس حينها لجنة للتحقيق مع عكاشة، والتي أوصت بحرمانه من حضور جلسات المجلس لمدة سنة، لكن أعضاء البرلمان رفضوا التوصية التي اعتبروها غير كافية وبدأوا التصويت على إسقاط عضويته، وهو ما حدث في النهاية بموافقة أغلبية المجلس.
وقال علي عبد العال، رئيس المجلس، قبل بدء الجلسة، إن التصويت على إسقاط عضوية عكاشة بسبب خوضه في أمور تتعلق بالأمن القومي المصري وليس لمقابلته السفير الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن العقوبة تدخل ضمن العقوبات التأديبية المنصوص عليها في اللائحة، وأن المجلس لا يوقع عقوبات سياسية أو جنائية، وإنما يوقع عقوبات تأديبية منصوص عليها في اللائحة.
وشهدت واقعة إسقاط عضوية عكاشة، اعتداء النائب كمال أحمد عليه بالحذاء، مما أحاله إلى لجنة القيم، وتمت معاقبته بالحرمان من الجلسات لمدة عام.
قرار إسقاط عضوية السادات، جاء بعد أشهر قليلة من استقالته من لجنة حقوق الإنسان
أنور السادات
وبعد أقل من عام، أسقط البرلمان عضوية رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات، بدعوى “الحط من قدر” مجلس النواب في تقارير سلبية عن أداء المجلس إلى الاتحاد البرلماني الدولي، وتزوير توقيعات عدد من النواب على مشروع قانون تقدم به إلى المجلس.
قرار إسقاط عضوية السادات، جاء بعد أشهر قليلة من استقالته من لجنة حقوق الإنسان، متهمًا البرلمان والحكومة بأنهما لا يبديان تعاونًا معه في رفع المظالم عن مواطنين اشتكوا إليه بصفته رئيس اللجنة، فضلًا عن تصريحه لوكالة “رويترز” بأن أوضاع حقوق الإنسان في مصر متراجعة، علاوة على تصريحه بأن رئيس المجلس ووكيليه حصلوا على ثلاث سيارات مصفحة ثمنها نحو 18 مليون جنيه.
وذكرت اللجنة التشريعية، أن السادات أرسل عدة بيانات مترجمة إلى اللغة الإنجليزية إلى جهات ومنظمات أجنبية من بينها الاتحاد البرلماني الدولي تتناول أوضاعًا داخلية للبرلمان المصري من شأنها الحط من قدر المجلس وصورته، الأمر الذي نفاه السادات، موضحًا أن رسائله للبرلمان الدولي كانت مجرد بيانات صحفية ترسل لصحفيين وجهات مختلفة.
وقال السادات، إن القرار اتخذ بناء على اتهامات غير صحيحة وحملة صحفية وإعلامية لتشويه صورته على مدى أسابيع رغم دفاعه ورده عليها بالمستندات وطلبه المثول أمام القضاء المصري للتحقيق في هذه الادعاءات.
سحر الهواري
ورغم سرعة المجلس في إسقاط عضوية عكاشة والسادات، إلا أن تعامله مع قضية النائبة سحر الهواري، والتي صدر ضدها حكمًا نهائيًا بالسجن لمدة خمس سنوات، لإدانتها بارتكاب جناية الإفلاس بالتدليس، وأودعت السجن في أبريل عام 2017، بات مغايرًا تمامًا، فحتى انتهاء دور الانعقاد الخامس، بعد حوالي 3 سنوات من الواقعة، إلا أن المجلس لم يبت نهائيًا في أمر نائبة الفيوم.
ورغم، إصدار اللجنة التشريعية تقريرها بإسقاط عضوية الهواري لتوافر سبب من أسباب إسقاط العضوية،وهو فقد الثقة والاعتبار، وذلك استناد إلى الحكم النهائي، إلا أن المجلس لم يناقش التقرير، وأعاده للجنة مرة أخرى للدراسة، ولبحث إمكانية التصويت على الإسقاط، دون النداء بالاسم، إلا أن المجلس لم يقر إسقاط عضوية النائبة المسجونة.
وكان البرلمان، حدد جلسة 25 يوليو 2018 لإسقاط عضوية الهواري، غير أنه أجل التصويت لعدم اكتمال نصاب الثلثين وقتها إلى دور الانعقاد الرابع، وهو لم يتم سواء في دور الانعقاد الرابع أو الخامس.
تقارير إعلامية، أشارت إلى أن عبد العال يجامل بشر والهواري على حساب القانون
خالد بشر
وعلى غرار النائبة سحر الهواري، اتخذ البرلمان نفس الدور في قضية النائب خالد بشر، والذي صدر بحقه هو الآخر، أحكامًا جنائية بالحبس في قضايا خاصة بإصداره شيكات بدون رصيد للمصرف المتحد بمبلغ 33 مليونًا و19 ألف جنيه، وإصدار اللجنة التشريعية توصيتها بإسقاط عضويته هو الآخر.
موقف خالد بشر، بات أكثر غرابة، حيث أن أمين الشئون البرلمانية لم يودع السجن حتى الآن، وقرر عبد العال خلال نظر إسقاط عضويته مع الهواري إعادة تقرير اللجنة التشريعية بدعوى أن الأمر يتطلب من المجلس التفكير الهادئ والعميق، فيما إذا كان تنفيذ أحكام القضاء التي مر على أحدثها سنتين يكون أوتوماتيكيًا، أو أنها ستخضع لرغبة النواب وتصويتهم بأغلبية الثلثين، سواء بتأييدها وإسقاط عضوية الهواري وبشر أو العدول عنها.
تقارير إعلامية، أشارت إلى أن عبد العال يجامل بشر والهواري على حساب القانون، وأن حزب الأغلبية في البرلمان يرفض إسقاط عضوية بشر، بعد تلقيه اتصالات هاتفية من جهات أمنية استمرت حتى صباح يوم التصويت المقرر إسقاط عضويتهما، تطالبه بالعدول عن إسقاط عضوية رجل الأعمال خالد بشر، مشيرة إلى أن حزب مستقبل وطن يرفض إسقاط عضوية بشر، للحفاظ على سمعة نواب الحزب من ناحية، ومن ناحية أخرى، لكونه المسؤول عن تمويل غالبية أنشطة الحزب على مستوى محافظتي القاهرة والشرقية.
كان النائب إلهامي عجينة صاحب التصريحات المسيئة، يلقى دعمًا من مجلس النواب، رغم إحراجه للبرلمان في أكثر من مناسبة
إلهامي عجينة
وعلى نفس المنوال، كان النائب إلهامي عجينة صاحب التصريحات المسيئة، يلقى دعمًا من مجلس النواب، رغم إحراجه للبرلمان في أكثر من مناسبة أبرزها بشأن إطلاقه تصريحات تسيء للمرأة المصرية، وللراجل، إذ طالب بإجراء كشوف العذرية على الطالبات بشكل دوري، وإجراء ختان جائر للإناث، واتهم الرجال بـ”الضعف الجنسي”، فضلًا عن اعتدائه على الصحفيين، الأمر الذي أدى إلى توصية لجنة القيم بإسقاط عضوية عجينة، وهو ما لم يتم.
عجينة، استمر على نفس المنوال، بعد تأكده من عدم وجود رادع لتصرفاته، إذ اعتدى على أطباء بأحد مستشفيات الدقهلية متهمًا إياهم بالإهمال.
المشهد بالنسبة لمرتضى منصور، كان مغايرًأ فرغم سماع الجميع لتصريحاته المسيئة ليلًا ونهاًرا، والتي كان آخرها بحق رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، إلا أن الجلسة العامة كانت ترفض رفع الحصانة عنه
مرتضى منصور
الحصانة بالنسبة لرئيس نادي الزمالك مرتضى منصور، كانت الدرع والسيق، فرغم تقديم حوالي 100 طلب لرفع الحصانة عنه، من جهات قضائية، وشخصيات عامة، للتحقيق معه في العديد من القضايا المتعلقة بالسب والقذف، والتهديد بالقتل، ولتحريك دعوى جنائية ضده في قضية أموال عامة، والخاصة بإيداع أموال نادي الزمالك في حساب خاص باسم أحد أعضاء مجلس إدارة النادي، وإجراء عمليات بيع وتغيير عملة خارج الجهاز المصرفي للدولة لتعظيم أرباح النادي، إعمالًا لنص المادة “113” من الدستور.
المشهد بالنسبة لمرتضى منصور، كان مغايرًأ فرغم سماع الجميع لتصريحاته المسيئة ليلًا ونهاًرا، والتي كان آخرها بحق رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، إلا أن تقرير اللجنة التشريعية، ورأي الجلسة العامة في كل المرات كان يخرج بـ”الرفض” بدعوى وجود شبهة كيدية في الطلبات، وكان علي عبد العال الداعم الرئيسي لنائب الدقهلية في كل محاولات رفع الحصانة عنه.
أسامة شرشر
وبخلاف إسقاط العضوية، التي تناقشها الجلسة العامة، فإن لجنة القيم أقرت توقيع عدد من العقوبات بحق عدد من النواب لارتكابهم مخالفات خلال مدة عضويتهم، كان أبرزها بشأن النائب أسامة شرشر، لنشره “فيديو جنسي” على جروب “واتس آب” خاص بالنواب، ليتم إقرار عقوبة بحرمانه من دور انعقاد كامل، إلا أنها لم تعرض على الجلسة العامة، رغم انتهاء عمر المجلس “إكلينيكا”.
عضو تكتل “25 / 30″، النائب أحمد الطنطاوي، كان ضمن مسلسلات عقوبات لجنة القيم في مجلس النواب
أحمد الطنطاوي
عضو تكتل “25 / 30″، النائب أحمد الطنطاوي، كان ضمن مسلسلات عقوبات لجنة القيم في مجلس النواب، والذي تم التوصية بحرمانه من حضور دور انعقاد كامل، لاتهامة بمخالفة اللائحة الداخلية لمجلس النواب والتقاليد البرلمانية والإخلال بواجبات العضوية أثناء مناقشة اتفاقية “تعيين الحدود البحرية” بين مصر والمملكة العربية السعودية “تيران وصنافير”، وذلك عندما اعترض على حديث الدكتور سعيد الحسيني رئيس الجمعية الجغرافية المصرية، وأسقط الميكرفون أرضًا داخل اللجنة.
رئيس المجلس علي عبد العال، أطلق تصريحًا عقب الواقعة قال فيه، إن مافعله طنطاوي يستحق إسقاط العضوية، لقيامه بإتلاف للمال العام وكسر الميكرفون، فيما رد الطنطاوي أن الميكرفون لم يتعرض لسوء.