“أبايعك بعهد الله وميثاقه على أن أكون جندياً مخلصا في جماعة الإخوان المسلمين، وعلى أن أسمع وأطيع في العسر واليسر والمنشط والمكره إلا في معصية الله، وعلى أثرة عليَّ، وعلى ألا أنازع الأمر أهله، وعلى أن أبذل جهدي ومالي ودمي في سبيل الله ما استطعت إلى ذلك سبيلا، والله على ما أقول وكيل، “فمن نكث فإنما ينكُث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرًا عظيمًا”.. ما سبق هو نص عقيدة الإخوان وبيعتهم التي قامت عليها الجماعة عقود طويلة تحت شعار ” السمع والطاعة”، والتي أطاح بها مؤخرًا الوجه الحقيقي للجماعة، عقب سقوط قناع الزيف عنها مع سقوطها عن عرش مصر.

الإخوان

وبعد غفلة القادة الكبار ومعاركهم حول من سيفوز بعرش المرشد، انتفض شباب الإخوان في العديد من الدول ضد القادة وقرروا الانسحاب ومتابعة شئونهم بصورة مستقل

انسحابات الشباب يهدد عرش العواجيز

على مدار اليومين الماضيين، عانى تنظيم الإخوان من شبح انسحاب الشباب وخروجهم عن عباءة السمع والطاعة التي طالما ارتدوها داخل الجماعة، بعد أن قرروا رفع راية العصيان أمام قادتهم، وأطلقوا البيانات المنددة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف المحمولة، رافضين التواجد تحت قيادة لا تعبأ إلا بمصالحها الخاصة، ولا تنظر للشباب إلا باعتبارهم قرابين محتملة، تقدم لأي جهة حال تهديد القادة الكبار.

وبعد غفلة القادة الكبار ومعاركهم حول من سيفوز بعرش المرشد عقب سقوط ثعلب الجماعة محمود عزت، الذي كان يتولى منصب القائم بأعمال المرشد، في أيدي الأمن المصري، انتفض شباب الإخوان في العديد من الدول منها تركيا وقطر والسودان، ضد القادة وقرروا الانسحاب ومتابعة شئونهم بصورة مستقلة عن عواجيز التنظيم.

كانت البداية مع التيار المستقل، وهو أحد التيارات الشبابية بالجماعة، الذي أعلن انسحابه من جماعة الإخوان، وأي جماعات أخرى، لتصحيح المفاهيم التي تربى عليها الشباب بتلك الجماعات التي لا تُفرق بين معارضة الأنظمة والانتماء للوطن، معلنين عن مبادرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من شباب التيارات الإسلامية وعلى رأسهم جماعة الإخوان، مع التأكيد على عدم التعويل على التنظيم في الخارج في إيجاد حلول لأزمات الأفراد في الداخل والخارج، الذين باتوا ما بين هارب من البلاد أو معتقل بالسجون، وأن قادة التنظيم بالخارج، لم يعد لديهم القدرة على الحل، أو ابتكار آليات جديدة لإنقاذ التنظيم

لم يكد ينتشر بيان تلك المجموعة، حتى ظهرت بيانات أخرى لشباب آخرين بالجماعة، يرفضون اختيار إبراهيم منير، قائمًا بأعمال المرشد خلفًا لمحمود عزت، بسبب التصادمات العديدة بينه وبين شباب الجماعة من قبل، ولاتهامه بالاستيلاء على أموال الجماعة، وعدم إلمامه بشئونها الإدارية، أو تقديمه لحلول تفيد أزمتها الأخيرة، هذا بخلاف وجود مجموعة أخرى تطالب بالعودة للوطن وتقديم مبادرات تصالح مع الدولة وبحث ملف المعتقلين

كل تلك الأمور جعلت الشباب لأول مرة في تاريخ جماعة الإخوان، خارج سيطرة القادة، وبات التمرد والعصيان، يهدد التنظيم الدولي بغياب الشباب وترك العواجيز وحدهم يخوضون معركة البقاء، وسط حملات استقالات في عدة دول منها ليبيا، وخلافات شديدة بين القادة، فيما انتهى عصر السمع والطاعة بين شباب الجماعة، وهدمت أهم قواعدها التي رسخها حسن البنا.

“تمرد شباب الإخوان لم يكن ليحدث، لو لم يجدون أنفسهم يصارعون الحياة بمفردهم في تجربة مريرة أطاحت بمستقبل عدد منهم إلى الأبد”.. صبرة القاسمي

إبراهيم منير

سقوط مبدأ السمع والطاعة

فند الدكتور صبرة القاسمي، مؤسسة الجبهة الوسطية، إشكالية عصيان الشباب التي تعاني منها الجماعة، وسقوط مبدأ السمع والطاعة، قائلًا: “غياب العدالة الاجتماعية داخل الإخوان، كان أولى خطوات انهيار السمع والطاعة بين شبابها، وهذا يدفعنا للقول بأن قادة الجماعة لا يفعلون ما يرددونه من شعارات، ففي الوقت الذي يطالبون فيه الأنظمة الحاكمة بتحقيق العدالة الاجتماعية وإقرار مبدأ الحريات، يخالفون تلك القواعد، بل ويفعلون عكسها، الأمر الذي سبب صدمة كبيرة للشباب”.

وأضاف القاسمي: “عندما ينظر شباب الجماعة يجدون أن الكلمات الراقية والرنانة والبراقة التي ينطق بها قادتهم، وتجتذبهم للانضمام إليها، باعتبارها تمثل الحق والعدل والفضيلة، ينتهي وجودها عقب خوضهم الخطوات الأولى داخل المدينة الفاضلة للجماعة، ويكتشفون أن هذا المجتمع الفاضل لفظيًا، ليس له وجود فعلي، فالقيم والشعارات البراقة التي جذبتهم في الأساس، للانضمام للجماعة، غير موجودة، بل ويجدون التفرقة هي أساس التعامل داخل التنظيم”.

وتابع: “فعلى مستوى القادة اصطدم شباب الجماعة بكذبهم وتضليلهم عقب ترك الشباب لمصير مجهول عقب سقوط حكم الإخوان بمصر، ما بين تركهم دون مأوى أو رعاية أو إنفاق في السودان، أو توظيفهم في مهن متدينة ومعاملتهم معاملة سيئة في تركيا، وفي المقابل منح الجنسيات القطرية والتركية لقادة الجماعة، وأبنائهم أيضًأ، وتوفير حياة كريمة لهم وترك الشباب إما للاعتقال أو العيش بمذلة”.

وأشار إلى أن كل تلك الأمور تسببت في صدمة كبيرة بين شباب الجماعة، جعلت مبدأ السمع والطاعة، الذي تربوا عليه لا محل له من الإعراب، خاصة وأنه المبدأ الذي يسقط دائما داخل جماعات الإسلام السياسي فور اصطدامها بأكاذيب قادتهم، وهذا ما حدث في جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية والتكفير والهجرة، فقد انهار هذا المبدأ كليًا بتلك الحركات، والآن يواجه الإخوان نفس المصير، بظهور مجموعات فردية داخل الجماعة مثل تيار الاستقلال والباحثين عن المراجعات الفكرية والراغبين في العودة للوطن وتقديم مبادرات التصالح.

وأوضح القاسمي، أن تمرد شباب الإخوان لم يكن ليحدث، لو لم يجدون أنفسهم يصارعون الحياة بمفردهم في تجربة مريرة أطاحت بمستقبل عدد منهم إلى الأبد.

“لم يكن انهيار قاعدة السمع والطاعة بالإخوان لتحدث لولا زعزعة القادة لصورتهم أمام شباب الجماعة”.. وليد البرش

العصب الاقتصادي للجماعة

لم يكن انهيار قاعدة “السمع والطاعة” بالإخوان لتحدث لولا زعزعة القادة لصورتهم أمام شباب الجماعة، هذا ما أوضحه الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية “وليد البرش”، مؤكدًا أن جماعة الإخوان قائمة في الأساس على مبدأ الثقة المطلقة في القيادة، وأنهم أعلم بالمصلحة وأدرى بما ينفع الجماعة، ولكن ما حدث أن قيادات الجماعة وصلت سياساتها الخاطئة، إلى وضع الشباب داخل نفق مظلم لا يجدون نهاية له أو نور يرشدهم للطريق، وهو ما قضى على مبدأ الثقة المطلقة بين الشباب والقادة.

وأوضح البرش، أن السمع والطاعة مبدأ هدفه السيطرة على الشباب، لكنهم وجدوا القادة تدريجيًا غير صالحين، ما جعلهم يكفرون بالقادة ويرون الخطأ فيهم وليس في منهج الإخوان، فبعضهم متمسك بالجماعة عسى أن تأتي قيادة جديدة تخرجهم من النفق المظلم الذي أدخلتهم فيه القيادة القديمة.

وتابع الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، أنه رغم تلك الهزة الكبيرة التي أصابت الجماعة، وتهدد وجود شبابها حاليًا، إلا أنه لا يزال العصب الاقتصادي للجماعة، هو أساس استمرارها وتماسكها حتى الآن، فالقادة الحاليون للجماعة، صامدون أمام تلك الانسحابات من خلال القوى الاقتصادية للجماعة، واعتماد عدد كبير من أعضائها على ما ينفقه التنظيم عليهم، سواء المعتقلين منهم أو الهاربين، وهذا ما يجعل البعض يتردد في الابتعاد عن الجماعة لعدم وجود بديل يأمن لهم وضعهم الاقتصادي.