شنّ ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، حملة شرسة ضد الفساد منذ تعينه وليًا للعهد، على إثرها اعتقل مئات الأمراء ورجال الدولة، ومع استمرار الاعتقالات، التي اعتبرها المراقبون سياسة عامة للمملكة العربية، ومع تقدم الأخيرة في مؤشرات الشفافية الدولية، بدأ جني الثمار، لكن الملفت والذي أثار بعض التساؤلات هو إبعاد أموال ولي العهد عن الميكروسكوب، فهل مكافحة الفساد سياسة أم أداة بطش؟.
وأصدر الملك سلمان بن عبد العزيز، الأسبوع الجاري، أمرًا ملكيًا لإعفاء الأمير فهد بن تركي بن عبد العزيز آل سعود، من منصب قائد القوات المشتركة في التحالف، كما أعفى ابنه الأمير عبد العزيز بن فهد، من منصب نائب أمير منطقة الجوف، على خلفية تحقيقات بالفساد.
واستند القرار الملكي على تعليمات من ولي العهد لمؤسسة مكافحة الفساد، لإجراء تحقيقات بشأن تحويلات مالية مشبوهة في وزارة الدفاع، وكانت الهيئة أعلنت في مارس الماضي، احتجاز 298 من بينهم ضباطًا بالجيش والشرطة للاشتباه في ضلوعهم في جرائم رشوة واستغلال مناصبهم، إذ بلغ إجمالي المبالغ المختلسة التي أقر بها المشتبه بهم في هذه القضية نحو 101 مليون دولار.
وكان قد أطلق محمد بن سلمان، حملة لمكافحة الفساد لتطهير المملكة، لدى تعينه وليًا للعهد عام 2017، اعتقل على إثرها نحو 350 عضوًا من النخبة الحاكمة، وتم وضعهم في فندق ريتز كارلتون في الرياض، لكن تم إطلاق سراحهم بعد 15 أسبوعًا بعد دفع أموال طائلة.
وفي ديسمبر 2019 ، صدر أمر ملكي بضم هيئة الرقابة والتحقيق والمباحث الإدارية إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تحت مسمى “النزاهة”، وتعمل الهيئة على مكافحة الفساد في الأجهزة المشمولة باختصاصاتها وهي الجهات العامة في الدولة، والشركات التي تمتلك فيها الدولة نسبة لا تقل عن 25%.
معايير الشفافية
وبدرجة 53 من 100 نقطة ضمن 180 دولة حول العالم، تحسنت السعودية بنحو 4 نقاط منذ العام الماضي، في مؤشر مدركات الفساد، إلا أنّ درجتها لا تعكس سجلها المتدهور في مجال حقوق الإنسان.
تحت عنوان: “ولي العهد يؤمن سلطته”، أدعت الإذاعة الألمانية، دويتشه فيله، في نسختها الألمانية، أن محمد بن سلمان يستغل سياسة الفساد لقمع أعضاء النخبة الحاكمة، رغم أن أصول ثروته بالكاد تلتزم بـ”معايير الشفافية”، موضحةَ أن مكافحة الفساد يعود بالنفع عليه داخليًا.
بينما يري الكاتب الألماني، راينر هيرمان، أن خطوات “بن سلمان” لمكافحة الفساد الغير المسبوقة في تاريخ، تخدم هدفين، أبرزهما: تهمش المنافسين المحتملين على العرش وضعف قوتهم، وتحذير مبطن لجميع أفراد العائلة المالكة مترامية الأطراف.
وبحسب “هيرمان“، فإن هناك بعض التناقضات في عمليات الاعتقال الخاصة بالفساد، إذ يبدو أن هذه القرارات تخضع بعض الشيء لحسابات ومصالح معينة، إلا أنها في نفس الوقت ساعدت في تحسين صورة المملكة أمام المشهد الدولي، واتسقت مع رؤية 2030 الإصلاحية، التي يتبناها ولي العهد.
وأعربت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في مارس الماضي، عن قلقها من اعتقال السلطات السعودية لمسؤولين حكوميين بادعاءات متعلقة بالفساد، داعيةً إلى ضمان عدم تعرضهم لإجراءات قانونية ظالمة.
ثروات تحت المجهر
وعلى مدار السنوات الماضية، تصدرت مقتنيات “بن سلمان” عناوين الصحف، فمن يخت عائم لقصر لويس الرابع عشر، يعتقد البعض أن ولي العهد السعودي لا يخشي الحديث عن أصوله أبدًا.
وفي عام 2017، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أن ولي العهد السعودي اشترى قصر “لويس الرابع عشر” بفرنسا بمبلغ 300 مليون دولار، موضحةً أنه لا يخفي أمور ثروته، مثل: أقرانه.
بينما العام الماضي، كشف الستار عن مصير لوحة “المسيح المخلص” لليوناردو دافنشي، والتي اعتبرت لغزًا منذ بيعها في مزاد علني في نيويورك عام 2017، والتي بلغ سعرها 450 مليون دولار، حيث زينت يخت ولي العهد السعودي، التي يساوي بمفرده نصف مليون دولار، ورغم ذلك لا تزال أموال ولي العهد بعيدة نوعًا ما عن الشفافية، إذا ربط المراقبين عمليات الشراء السابقة بتوقيت حملات الفساد بالمملكة.
وقدرت مؤسسة “براند فينانس” المالية، صافي الثروة المملوكة للأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية بـ 1.4 تريليون دولار، معتبرة إياهم الأغنى في العالم.
وذكر “بن سلمان” في حوار مع شبكة “سي بي إس نيوز” الأمريكية، أن أموره المالية شأن خاص، وأنه ليس بحاجة إلى تقديم اعتذار على عيشته المترفة، قائلاً: “أنا شخص غني ولست فقيرًا. فأنا لست غاندي أو نيلسون مانديلا”، مضيفًا: “أنا أحد أفراد الأسرة المالكة التي تتواجد قبل مئات القرون من تأسيس السعودية”.
نظام البيعة
في دراسة توضيحية، كشف أحد أساتذة القانون بجامعة الملك سعود، أن الهدف من وراء انشاء هيئة للبيعة بالسعودية، التي تم إنشائها عام 2006، بأمر ملكي ومكونة من أبناء الملك عبد العزيز وأحفاده، هو تحديد ولاية العهد وهو المنصوص عليه في الفقرة الرابعة من المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم.
والحكم في السعودية يتم وفقًا للنظام الملكي الوراثي بين أبناء عبد العزيز آل سعود وأبناء الأبناء، دون تحديد مدة للحكم، إذ لا وجود لدستور مكتوب في الممكلة، على مر التاريخ، وكان هناك نظام أساسي للحكم.
وبحسب نظام الحكم، يرشح ولي العهد إما من الملك أو هيئة البيعة فقط وللملك أن يختار ولي عهده إما بحسب السن أو الكفاءة، وهذه النقطة نصت عليها الفقرة (ب) من المادة الخامسة من النظام الأساسي.
اما منصب ولي ولي العهد، هو تم استحداثه من قبل الملك عبد الله بن عبد العزيز، عام 2014، ولم يشار إليه في النظام الأساسي للحكم ولا نظام هيئة البيعة، ويقوم الملك بتعيين ولي ولي العهد والذي يصبح تلقائيًا وليًا للعهد دون تدخل للهيئة في هذه الأمر.
ويبدو أن نظام الحكم في المملكة هو ما دفع بعض المراقبين والنشطاء لربط حملات الفساد برغبة “بن سلمان” للتوسع في السطلة، وبحسب “هيرمان”: “توسع محمد بن سلمان باستمرار في سلطاته على مدى السنوات الـ5 الماضية وخلق صورة له إصلاحية في المجتمع السعودي يضمن له داعم واسع على المدى الطويل وتأمين لسلطاته أيضًا”.
“لكن إذا لم تستمر هذه الإصلاحات وتخرج للنور وفي حالة انخفاض أسعار النفط على المدى البعيد، سيشكل هذا خطورة على “بن سلمان” أكثر خطورة من الأمراء الذي يتم اعتقالهم باستمرار”.
في مارس الماضي، اعتقلت السلطات السعودية بعض من الأمراء المعروفين بالمملكة، بينهم أقرباء لولي العهد ولوالده الملك سلمان.