صنفت وزارة الخارجية الأمريكية، في تقريرها السنوي الذي يتناول ملف الاتجار بالبشر، إيران في المستوى الثالث عالميًا، وهو المستوى الأدنى، حيث يقسم التقرير كافة دول العالم لثلاث فئات، أعلاها المستوى الأول، وتوضع فيه الدول التي تستوفي المعايير الخاصة بمكافحة الاتجار بالبشر، والثاني يختص بالدول التي تعمل على مكافحة الجريمة إلا أنها لم تتابع كافة المعايير بصورة كلية، أما المستوى الثالث فيكون للدول التي لا تفي بأي معايير للمكافحة، كما أنها تتهاون في بذل جهدها لتحسين الوضع القائم.
منتصف العام الجاري اتهمت الخارجية الأمريكية، النظام الإيراني بالتراخي، وأنه لا يلتزم بأدنى معايير القضاء على الاتجار بالبشر، كما أدانت المسؤولين الإيرانيين بارتكاب جرائم معارضة لأسس حقوق الإنسان، والتي منها استغلال الأطفال في الحروب، والاتجار الجنسي الذي يشمل الأطفال والرجال، فضلًا عن تفشي العاملات بالدعارة بين النساء، في الوقت الذي تدار فيه بعض هذه الجرائم تحت مظلة القانون.
الدعارة في إيران أصبحت سهلة ويحميها القانون، وتأخذ واجهة اجتماعية معترف بها رسميًا
شرعنة الدعارة
تقول الصحفية الإيرانية “مهشيد ستوده” عبر حسابها على موقع التدوينات القصيرة “تويتر”، إن الدعارة في إيران أصبحت سهلة ويحميها القانون، وتأخذ واجهة اجتماعية معترف بها رسميًا باسم “الزواج المؤقت”.
ودللت الشابة الإيرانية على حديثها ببعض الصور المتعلقة بإعلانات عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي الإيرانية، تقدم خدمات جنسية تعرض فيها مواصفات الفتيات من السن والشكل والطول والوزن، وتحدد مكان الفتاة وسعرها الذي يتراوح بين 2 دولار إلى 50 دولارًا، مبدية استغرابها من شرط التزام تلك العاملات في الدعارة بالشروط الإسلامية.
لم يتوقف تفجير تلك القضية عند هذا الحد، بل شن نشطاء حقوقيون هجمات إلكترونية على النظام الإيراني المنكر لتلك القضية، والرافض لنقاشها عبر قنواته الرسمية.
موقع “ساعة زواج”، انتقد الوضع الراهن للاتجار الجنسي تحت مسي الزواج، كاشفًا المزيد من التفاصيل حول الموضوع، حيث تسمح الإعلانات للرجل باختيار الفتاة التي يريدها وزواجها مؤقتًا لمدة ساعة وحيدة ويطلقها دون أن تحسب من بين زيجاته أو زيجاتها ولا ترتبط بشروط العدة ولا تُحاسب أمام القانون.
“القانون الإيراني لا يمنع الزواج المؤقت في طهران، بينما يعتبر التحرش جريمة”.. الباحثة الإيرانية سلمي فرنحاز
مشهد.. “الدعارة والدين”
صحيفة الجارديان البريطانية نشرت تقريرًا مطولًا يكشف أنواع الدعارة التي تمارس في إيران، مشيرة إلى أن مدينتي “قم ومشهد” تعتبران عاصمة الدعارة الإيرانية وأن “كازينو مشهد” يعتبر قبلة راغبي المتعة ليس للإيرانيين فحسب وإنما للزائرين لأسباب دينية رغم أن المدينة لها مكانة دينية مميزة بين أنصار المذهب الشيعي.
الباحثة الإيرانية “سلمي فرنحاز”، نشرت في تقرير حمل عنوان “عشرات الآلاف لأنواع الدعارة”، أن القانون الإيراني لا يمنع الزواج المؤقت في طهران، بينما يعتبر التحرش جريمة، وهو ما سهل تشكيل عصابات تعمل على استقطاب السيدات وإرغامهن على ممارسة أعمال منافية للآداب، وهو ما يثير غضب المواطنين خاصة أهل مدينة مشهد التي اشتهرت بكونها مدينة الدعارة السياحية.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تُنقل الفتيات الإيرانيات إلى دبي الإماراتية، ما تسبب في ثورة مضاعفة، فالشارع الإيراني إن وافق على الدعارة الداخلية تحت غطاء الزواج المؤقت لساعة واحدة، فإن الدعارة الخارجية وتصدير الفتيات يعتبر قضية شرف مرفوضة بكافة التبريرات، تقول “فرنحاز”.
تبرير الدعارة الداخلية بحسب الباحثة الإيرانية، يتمثل في أنها تحمي المجتمع من التحرش، وأنه لولاها لانتشرت الاعتداءات الجنسية لدرجة لا يمكن حصرها.
وسائل الدعارة
توجد بإيران العديد من المراكز الخاصة بعمليات الإيجار الجنسي في مدن عدة، أكبرها بالعاصمة طهران، حيث يكون التواصل فيها مباشرة حسبما أوضحت صحيفة “ورلد تريبيون الأمريكية”، والتي كشفت عن وجود أكثر من 32 بيتًا للدعارة بها، بالإضافة إلى وجود صفحات كبرى على إنستجرام تعرض الفتيات، بالإضافة لقنوات على موقع “تلجرام” لتسهيل المعاملات وجعلها أكثر أمنًا، إلا أن الفتيات الإيرانيات يفضلن العمل المباشر في شوارع المدينة، فيقفن في الحدائق وعلى نواصي الشوارع المشهورة في المدن، إلا أنهن يفضلن العمل تحت قيادة رجل “قواد” يضمن لهن حقوقهن ويحمين من السرقة والمضايقات.
تقارير حقوقية إيرانية قالت إن 65% من النساء العاملات بالدعارة لم يتزوجن مسبقًا
اتهامات وإدانات
شددت الدراسات والأبحاث الخاصة بوزارة الصحة الإيرانية، على عدم وجود موانع للزواج المؤقت، ولكن القانون يمنع ممارسة الدعارة والتحرش، ما اعتبر تحايلًا على الموقف القانوني.
صحيفة “ورلد تريبيون الأمريكية ” اتهمت في تقاريرها الحكومة الإيرانية التي تستنكر ظاهرة الدعارة والاتجار بالبشر، ما يتسبب في عدم إصدار أي قوانين أو عقوبات لإلغائها أو تقنينها، وهو ما يجعلها في المستوى المتدني من مكافحة الاتجار بالبشر لسنوات عدة قادمة، مشيرة إلى أن الدعارة في طهران تزداد مع زيادة عدد النساء سنويًا.
الصحفية الأمريكية لفتت إلى أن وزارة الصحة الإيرانية، لم تُصدر أي تقارير عن حقيقة أعداد المصابين بالإيدز داخل إيران لإنكار نظام الملالي وجود مثل هذه القضايا الشائكة داخل المجتمع، ولرفضه طرح هذا النوع من القضايا عبر الصحافة الإيرانية، بل ويفرض تعتيمًا واسعًا عليها.
تقارير حقوقية إيرانية قالت إن 65% من النساء العاملات بالدعارة لم يتزوجن مسبقًا، وأن عددًا من العاملات تزوجن في سن مبكرة للغاية ثم طُلقن، كما تعمل بعض المتزوجات المعيلات في هذه الأعمال، وهو ما جعل عدد العاملات بالجنس يتجاوز حاجز 10 آلاف سيدة.
منظمة العمل الدولية تقدر الأرباح السنوية للاتجار الجنسي في إيران بحوالي 100 مليار دولار
أسباب اقتصادية
يعد الفقر الاقتصادي والظروف المادية السيئة التي تمر بيها إيران، من أهم الأسباب التي جعلت السيدات يلجأن إلى ممارسة الدعارة، فبعضهن لا يملكن أي شهادة جامعية، وتزوجن في سن مبكرة وأنجبن أطفالًا وطلقن، فلجأن للدعارة للإنفاق على أطفالهن، كما تمارس بعضهن الدعارة بمعرفة أزواجهن لسوء الأحوال الاقتصادية، كذلك بسبب العائد المادي الذي يكون مغريًا لعائلاتهن.
إحصائيات وتصنيفات
وتقدر التقارير الدولية عدد ضحايا الاتجار بالبشر على مستوى العالم بحوالي 20 مليون شخص، أما منظمة العمل الدولية فتقدر الأرباح السنوية للاتجار الجنسي بالبشر بحوالي 100 مليار دولار، وتعتبر الولايات المتحدة قضية الإتجار بالبشر تحد جديد يواجه حقوق الإنسان.
على الصعيد العالمي، تُصنف عدة دول في المستوى الثالث للاتجار بالبشر بجانب إيران، على رأسها روسيا وليبيا وتايلاند وسوريا واليمن والجزائر، أما المستوى الثاني فيضم عدة دول منها مصر والسعودية وعمان وألمانيا، أما البلد العربي أو الشرق أوسطي الوحيد الذي يوجد في المستوى الأول فهو البحرين، التي سعت حكومتها للارتقاء من المستوى الثاني للأول في 4 أعوام فقط.
خلاصة القول، إن المجتمع الإيراني ينقسم حول شرعنة الدعارة وقبولها، حيث تعد مصدرًا ضخمًا للمال، وتجارة حية لا يمكن إنكارها في الوقت الذي ينكرها النظام الملالي ولا يعترف بوجودها، بل أنه وجد مخرجًا لها حمل اسم الزواج المؤقت، أما الرافضون فيواصلون فضح تلك الأفعال عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتواصل مع المنظمات الدولية، لإحداث زخم دولي حول تعزيز الحكومة الإيرانية للاتجار بالبشر المتمثل في العمل بالدعارة.