في الوقت الذي حضر فيه مجلس النواب، بشكل واضح لإقرار مشاريع القوانين التي وضعتها الحكومة، والاتفاقيات التي وقعها الرئيس والحكومة “على عجل”، رغم ما أحيط من سخط ورفض من المشغولين بتلك القوانين، سرعان ما تم إقرارها، بدون حتى النظر إلى الاحتجاجات المتداولة عليها، نجد البرلمان “غاب” بشكل كبير عن إقرار العديد من مشاريع القوانين التي تتماس مباشرة مع احتياجات المواطن، وتمثل فرصة جديدة لتحسين أوضاعه والحصول على حقوقه بطرق مختلفة، فضلًا عن القوانين التي قد تواجه سلطة “دينية” تتفوق عليها من حيث القوة السياسية.

البرلمان
البرلمان

الاعتراضات التي خرجت بشأن قانون الإدارة المحلية بررت رفضها لمناقشة القانون بأن الظروف والأجواء غير مهيأة لإجراء انتخابات المجالس المحلية

الإدارة المحلية

أبرز القوانين التي فشل البرلمان المصري، في إقرارها كان مشروع قانون الإدارة المحلية، والذي يعد من الاستحقاقات الدستورية الواجب تنفيذها، إلا أنه رغم إنهاء لجنة الإدارة المحلية عملها بمشروع القانون المحال إليها، وإرساله إلى هيئة مكتب مجلس النواب، منذ دور الانعقاد الثاني إلا أن القانون ظل حبيس الأدراج حتى نهاية العام الماضي.

القانون الذي كان يجب إقراره خلال 5 سنوات من تاريخ العمل بالدستور، والمرتبط بشكل كلي بالشارع المصري، بسبب أهمية الأحياء بالنسبة للمواطنين، وضرورة تنظيم عملها، خرج للمناقشة أخيرا في الجلسة العام في ديسمبر 2019، إلا أن خلافات الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب، مع نواب الأغلبية والهيئات البرلمانية الأخرى، دفعت المجلس إلى تأجيل القانون إلى موعد لم ولن يتم في عهد المجلس الحالي.

الاعتراضات التي خرجت بشأن القانون حينها، بررت رفضها لمناقشة القانون بأن الظروف والأجواء غير مهيأة لإجراء انتخابات المجالس المحلية، بالإضافة إلى عدم استعداد بعض الأحزاب للانتخابات بالشكل الجيد، وأنه لابد أن تكون هناك فرصة للأحزاب لتدريب الشباب وتأهيلهم لخوض الانتخابات المحلية.

رغم الاحتياج الشديد لإقرار قانون جديد للإجراءات الجنائية، أو إجراء تعديلات يه، تمكن القضاء المصري من الإسراع في المحاكمات، بدلًا من استمرارها في بعض القضايا لعشرات السنوات

محلية البرلمان

الإجراءات الجنائية

وبشكل مختلف بعض الشيء، عطلت الحكومة مشروع قانون الإجراءات الجنائية، المُقدم من رئيس حزب الوفد، ورئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية المستشار بهاء الدين أبو شقة، رغم ما صاحبه من جدل واسع خلال مناقشته داخل اللجنة، إذ رفضت الحكومة مشروع القانون، معلنة تمسكها بمشروع القانون الذي تقدمت به وأقرته اللجنة، منذ دور الانعقاد الثالث.

ورغم الاحتياج الشديد لإقرار قانون جديد للإجراءات الجنائية، أو إجراء تعديلات يه، تمكن القضاء المصري من الإسراع في المحاكمات، بدلًا من استمرارها في بعض القضايا لعشرات السنوات، وعجز المواطنين عن الحصول على حقوقهم لطول أمد التقاضي، إذ أن القانون المعمول به حاليًا صدر عام 1937.

متحدث البرلمان المصري السابق صلاح حسب الله، أكد قبل مطلع عام 2019، أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية تم الانتهاء من مناقشته، وأن مشروع القانون أصبح جاهزًا للعرض على المجلس، إلا أن مشروع القانون لم يوضع على جدول أعمال الجلسات العامة لمجلس النواب، على مدار دوري الانعقاد الرابع والخامس، ولم يتم الإشارة إليه طوال العامين الماضيين.

يتمنى المهتمون بمشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، وضع آلية محكمة لتنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بقضايا الأسرة

الأحوال الشخصية

وعلى نفس المنوال، أحاط الجدل مشروع قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية، والذي قُدم إلى مجلس النواب من النائب محمد فؤاد من أبريل عام 2017، إلا أن القانون لم يخرج إلى النور، وظل مصيره “مجهول”، حتى خرج الأزهر بإعلانه تقديم مشروع قانون في هذا الشأن، بعد طلب اللجنة التشريعية الأخذ برأيه في مشروعات قانون.

مع إعلان الأزهر، تجهيز مشروع قانون، كشفت وزارة العدل أن المقترحات تم الانتهاء منها وتم تقديمها لمجلس الوزراء، وقالت الحكومة في بداية دور الانعقاد الخامس، إنها شكلت لجنة حكومة لصياغة المقترحات والأفكار الخاصة بالقانون”، ولكن انتهى دور الانعقاد الخامس، واستمر القانون في خبر “كان”، رغم أن القانون المعمول بها حاليا صدر عام 1985، ونادت العديد من المنظمات إلى ضرورة تعديله.

ويتمنى المهتمون بمشروع القانون الجديد، وضع آلية محكمة لتنفيذ الأحكام القضائية الخاصة بقضايا الأسرة، ومراعاة تقديم نفقة عادلة للمرأة في حالة الانفصال؛ بما يضمن رعاية جيدة للأطفال، ووضع نصوص محكمة للالتزام بضوابط الحضانة، ومعالجة المشاكل الناتجة عن تعدد الزوجات، وضبط الحقوق والواجبات المترتبة على الطلاق.

عضو لجنة القوى العاملة، محمد وهب الله بين أنه لا توجد أي خلافات حول مشروع قانون العمل سواء من جانب الحكومة أو أصحاب الأعمال

النائب محمد فؤاد

قانون العمل

الموقف نفسه، متعلق بقانون العمل، والذي ظل حبيس الأدراج أكثر من عامين، رغم عقد لجنة القوي العاملة جلسات استماع وحوار مجتمعي، بحضور كل الاتحادات والنقابات العمالية واتحادات الغرف التجارية، وغيرهم من المعنيين بالقانون، لفترة طويلة، وانتهاء اللجنة من مناقشة القانون والموافقة عليه، وتقديم تقرير إلى هيئة مكتب المجلس، إلا أن القانون بقي في أدراج عبد العال لمدة تتجاوز العامين ونصف، وحتى الآن.

المبررات واحدة بالنسبة لكل القوانين التي لم يقرها مجلس النواب، رغم أهميتها بالنسبة للمواطن، وجدواها في حصوله على حقوقه، فأعضاء المجلس ورئيسه يخرجون بين الحين والآخر حين السؤال على أيا من القوانين بدعوى أن “الأجندة التشريعية” للمجلس مزدحمة، وهو ما يمنع من إقرار قانون العمل وغيره.

عضو لجنة القوى العاملة، محمد وهب الله بين أنه لا توجد أي خلافات حول مشروع قانون العمل سواء من جانب الحكومة أو أصحاب الأعمال، مشددا علي أن الحكومة لم تطلب إعادة مناقشة مشروع قانون العمل أو إضافة أي تعديلات عليه، مشيرًا إلى أن هيئة مكتب المجلس هي المسؤولة عن مناقشة القانون من عدم، وفقا لأجندة المجلس.

يعد مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء المصرية، الاستثناء الوحيد في القوانين التي لم يتمكن البرلمان من مناقشتها

قانون دار الإفتاء

ويعد مشروع قانون تنظيم دار الإفتاء المصرية، الاستثناء الوحيد في القوانين التي لم يتمكن البرلمان من مناقشتها، فرغم أن الجلسة العامة للمجلس أقرت مشروع القانون في يوليو الماضي، إلا أن ثورة الأزهر، وشيخه الدكتور أحمد الطيب، وطلب الأخير حضور الجلسة العامة لإقرار القانون لبيان رفض الأزهر له، واحتوائه على مخالفات دستورية، أجبرت المجلس على عدم إقرار القانون رغم إدراجه في جدول المجلس.

بيان شيخ الأزهر، قبل أقل من 24 ساعة من إقرار القانون المقدم من رئيس لجنة الشؤون الدينية ورئيس جامعة الأزهر السابق الدكتور أسامة العبد، دفعت رئيس البرلمان إلى إعادة القانون إلى لجنة الشؤون الدينية بدعوى نظر اعتراضات مجلس الدولة على بعض المواد الموجودة به، لمخالفتها الدستور، واصطدامها مع اختصاصات الأزهر وهيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية وجامعة الأزهر.

شيخ الأزهر
شيخ الأزهر

الإيجار القديم

مشروع قانون الإيجار القديم، أو القنبلة الموقوتة التي تشغل بال كل المهتمين بقطاع العقارات، ظلوا طوال عمر المجلس يمنون أنفسهم بإقرار مجلس النواب خلال أدوار انعقاده مشروع قانون “الإيجار القديم”، ولكن كغيره من القوانين المهمة والتي ينتظرها الجميع لم يتم تقديم مشاريع قوانين في هذا الشأن سوى من النائب عاطف ميخائيل، وهو الذي لم يتم مناقشته، رغم أن الإحصاءات الرسمية تشير إلى أنه يوجد حوالي 3 ملايين شقة محل خلاف بين المالك والمستأجر بسبب قانون الإيجار القديم.

رئيس لجنة الشكاوى بالمجلس همام العادلي، ذكر في تصريحات صحفية، أن قانون الإيجار القديم من أبرز القوانين الواجب تعديلها، لكونه يخص ملايين المواطنين، ويضبط العلاقة بين المالك والمستأجر والمشوبة بـ”الظلم” لعقود، موضحا أن الحكومة لم تحل لمجلس النواب أي مشروع لتعديل قانون الإيجار القديم، وأن لجنة الإسكان في المجلس لم تناقش أيا من القوانين المتعلقة بهذا الشأن.

وبرر عدم مناقشة القانون وإقراره، أنه من القوانين الشائك والتي تحتاج إلى دراسة مستفيضة وموسعة، وبالتالي في أن إقرار القانون يحتاج إلى وقت طويل.

قانون تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر ظل حبيس الأدراج بعد تأجيل مناقشته عقب الخلاف الذي نشأ بين رئيس المجلس علي عبد العال وائتلاف الأغلبية

علي عبدالعال

 الإيجار غير السكني

ومن “الإيجار القديم”، إلى مشروع تعديل أحكام قانون تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، والذي ظل حبيس الأدراج بعد تأجيل مناقشته عقب الخلاف الذي نشأ بين رئيس المجلس، علي عبد العال، وائتلاف الأغلبية بشأن دستورية التعديل المطروح للمناقشة، الخاص بإيجار الأماكن للأشخاص الاعتبارية للأغراض غير السكنية، وعدم المساواة مع الأشخاص الطبيعيين.

وشهدت جلسة مناقشة القانون قبل أكثر من عام، خلافًا حادًا بشأن عدم دستورية التعديلات، وجمد مشروع القانون، من قبل عبد العال، والذي قال في الجلسة: “أنا أمام مفارقة عجيبة وغريبة؛ مضمونها: أن مالك العقار واحد. ولديه اثنين من المستأجرين لغير غرض السكنى، الأول اعتباري والثاني طبيعي، وهذا ينطبق عليه القانون، وهذا لا ينطبق عليه، ولأول مرة يستطيع غير الدارس للقانون أن يتبين وجود مجافاة لمبدأ العدالة والمساواة أمام القانون”.

من جهته أوضح النائب عبد المنعم العليمين، جواز إعادة مناقشة مشروع القانون مرة أخرى، قائلًا: “الفصل التشريعي لم ينته بعد ويمتد حتى 9 يناير 2021 ولو صدر قرار رئيس الجمهورية بفض الدورة البرلمانية فسيجتمع المجلس مرة أخرى في أول خميس في أكتوبر المقبل ويعقد اجتماعاته ويمارس أعماله ولا يوجد ما يمنع من إعادة المداولة والمناقشة ولكن اتفاق الحكومة والمجلس على واجب ولابد أن يكونا على مسطرة واحدة”.