تعاني عاملات المنازل من العديد من الأزمات، قد تختلف القوانين والحدود واللغات، لكن أزماتهم تظل متشابهة في الكثير من الأحيان، فهن يتعرضن لظروف عمل مجحفة، ونظرات دونية، فهن فئة مهمشة في الكثير من الدول العربية، نظرا لغياب التشريعات التي تعلم على حمايتهن.

تجاهلت القوانين المصرية عاملات المنازل، حتى قانون العمل لم يتطرق إليهن نهائيا سواء في القانون القديم أو المستحدث.

نص قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 على أن العمال المنزلية مستثناة من القانون ولا ينطبق عليها، وكذلك لم يشمل مشروع قانون العمل الجديد أي إشارة للخادمات.

وشهدت مصر العديد من الوقائع والحوادث تجاه العاملون في الخدمة المنزلية، انتهكت حقوقهم وتعرضوا خلالها للتعذيب والضرب، ووصل الأمر إلى حد الموت ولعل أشهرها كان على أيدي بعض الفنانات، والتي حكم فيها بحبسهن وتغريمهن.

وكانت آخر تلك الحوادث، ما وقعت في أغسطس الماضي، حيث تعرضت الطفلة “أمنية”، والتي تبلغ من العمر 9 سنوات، للتعذيب على يد ضابط سابق وزوجته أثناء عملها كعاملة منزل لديهم.

وفي أكتوبر من العام الماضي، قدمت النائبة هالة أبو السعد، عضو مجلس النواب، مشروع قانون يعتبر الأول من نوعه لتنظيم العمالة المنزلية “الخادمات”، والذي يضمن العديد من الحقوق للعمالة المنزلية، ويقنن العلاقة بين العامل وصاحب المنزل.

مشروع القانون الذي يتضمن 23 مادة، يحذر تشغيل الأطفال في العمالة المنزلية، وفقًا للنائبة هالة أبو السعد، مؤكدةً أنه رغم عدم وجود نص صريح في مشروع القانون على السن المحدد للعمالة المنزلية، إلا أنه يقنن العمالة المنزلية بما يضمن عدم تشغيل الأطفال فيها. لكن القانون حتى الآن لم يتم مناقشته في البرلمان.

عاملات المنازل معروضات للبيع في السعودية

في مارس من عام 2018 أثار وضع عاملات المنازل في السعودية الجدل، حيث نشر الموقع المغربي “يا بلادي” صور عاملات منازل مغربيات “معروضات للبيع” على حسابات سعودية لموقع التواصل “تويتر”، ذلك الحساب الذي قام بعرض العديد من العاملات بجميع الجنسيات.

يأتي هذا بالمخالفة للقانون السعودي الذي أقر عام 2013، حيث أصدرت المملكة العربية السعودية قانونا يحظر الانتهاكات بحق عاملات المنازل. وينص هذا القانون على أن جميع أشكال الانتهاك الجسدي والجنسي في المنزل يعاقب عليه بالسجن لمدة سنة على الأقل. علاوة على ذلك وإزاء الجدل الذي أثاره نشر هذه الإعلانات، أعلنت وزارة الداخلية السعودية عن فتح تحقيق.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها العاملات لمثل تلك الانتهاكات. فقد سبقتها واقعة أثارت الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قامت شركة عمالة منزلية بالمملكة بعرض خادمات للبيع في أحد المولات التجارية الشهيرة، بالإضافة إلى مزادات بيع عاملات المنازل من الفلبينيات في المملكة منذ سنوات دون رادع حقيقي يوقفها.

عمان سوق نخاسة عابر للحدود

أقدمت الأردن على ضم عاملات المنازل لقانون العمل في عام 2008 وإصدار نظام العاملين في المنازل ومن في حكمهم رقم (90) لسنة 2009، ونظام تنظيم المكاتب الخاصة العاملة في استقدام واستخدام غير الاردنيين العاملين في المنازل رقم 12 لسنة 2015.

إلا أن كل هذه الإجراءات لم تردع بعض أصحاب العمل وبعض مكاتب الاستقدام من استغلال عاملات المنازل، وقد يكون من أسباب ذلك عدم الجدية في التطبيق وأيضا نظام الكفالة الممارس فعليا وإن لم يذكر في التشريعات.

ففي عام 2019، تم رصد عددا من الانتهاكات لعاملات منازل يعملن في مختلف محافظات المملكة، وبلغ عددها 328 حالة، الغالبية العظمى منهن من الجنسية الفلبينية وبلغ عددهن (109)، تليها سيريلانكا بعدد (62)، ثم العاملات من الجنسية الأوغندية بعدد (60)، ومن ثم بنغلادش بعدد (36).

أما فيما يتعلق بالانتهاكات كانت أبرزها الانتهاكات المتعلقة بحجز جواز السفر حيث بلغ عددها (236)، أما الحجز الكلي أو الجزئي للأجور بلغ (158)، أما الحرمان من أيام العطل الرسمية فبلغ عددها (139).

يبلغ عدد عاملات المنازل 38490 عاملة مسجلة، منهم 12,500 ألف من الجنسية الفلبينية، و10 آلاف من الجنسية البنغالية، كما يعمل في الأردن عدد كبير من العاملات غير النظاميات يقدر عددهم بـ 30 ألف عاملة، ممن تركن أماكن عملهن لأسباب متنوعة مثل عدم دفع الأجور أو المعاملة السيئة أو طول ساعات العمل، أو الحرمان من الاتصال بالأهل أو عدم مراعاة الخصوية وقد يكون ترك مكان العمل دون سبب وإنما عدم القدرة على العمل أو عدم الرغبة فيه- وفقا لموقع عمان نت.

وفي وقت سابق عن سلطنة عمان، أشارت هيومن رايتس ووتش في تقرير لها، إلى أن هناك عمليات اتجار تتم في حق عاملات المنازل في الأردن، تتم عبر الحدود مع الإمارات، حيث يدفع أرباب العمل رسومًا لوكالات التوظيف للحصول على عاملات المنازل.

ولا يمكن للعاملات الخروج من تلك المأساة دون أن تدفع لصاحب العمل الثمن الذي دفعه نظير الحصول عليها. وحتى العاملات التي يتمكن من الهرب ويطلبن المساعدة من وكلاء التوظيف، يتم احتجازهن من الوكلاء وبيعهن إلى أسر جديدة.

الكويت سوق نخاسة بأمر الكفيل

كشف تحقيق استقصائي أجرته بي بي سي أن عاملات المنازل يعن ويشترين بشكل غير شرعي في سوق سوداء متنامية على الانترنت، عن طريق تطبيقات إلكترونية متاحة في متجري غوغل وآبل، ووسوم يروج لها عبر تطبيق إنستغرام الذي تملكه فيسبوك.

تقول أورميلا بولا، المقررة الأممية الخاصة لأشكال العبودية الحديثة، إن الأمر “عبارة عن ترويج لسوق نخاسة إلكترونية. ويجب محاسبة غوغل وآبل وفيس بوك حال ثبوت ضلوع أي منها بالسماح بنشر هذه التطبيقات”.

وتقول بولا في تصريحاتها لسبي بي سي إن هذا “مثال صارخ على العبودية الحديثة. نرى هنا أطفالا يباعون ويشترون كالعبيد، كأنهم ممتلكات”. وتُجلب عاملات المنازل في معظم دول الخليج عن طريق وسطاء، ثم يسجلن رسميا لدى السلطات. وتدفع الأسر الراغبة في خدمات العاملات رسوما للوسطاء، فتصبح الأسرة هي الكفيل الرسمي للعاملة. وتنص بنود الكفالة على عدم أحقية العاملة في تغيير أو الاستقالة من عملها، أو مغادرة البلاد من دون إذن الكفيل.

تباين في التشريعات بين الدول العربية

وفقا لما رصده الاتحاد الدولي للنقابات ومنظمة العمل الدولية، فقد تباينت تشريعات العمل في البلدان العربية بين دول استثنت عاملات المنازل من نطاق تطبيقها، ودول شملت عاملات المنازل بالتغطية سواء بشكل مباشر في قانون العمل أم عبر إحالة قانون العمل على نظام خاص صدر لهذه الغاية. ودول رغم أنها نصت على الإحالة بالحماية على تشريع آخر يصدر غير أن هذا التشريع لم صدر بعد، لتكون الحماية بمثابة المعطلة والمعلقة على صدور ذلك التشريع.

فمن بين قوانين العمل التي استثنت عاملات المنازل من نطاق تطبيق قانون العمل: القانون الإماراتي، القانون السوري الذي أخضعهم لعقود عملهم، القانون العراقي، القانون العماني، القانون اللبناني، القانون المصري، والقانون اليمني.

فبعض هذه التشريعات سكتت عن تناول هذه الشريحة من العمال بالتنظيم، وبعضها أحالت على عقود العمل بين العامل وصاحب العمل كالقانون السوري واللبناني اللذين تركا لعقد العمل الموحّد للعمال والعاملات في الخدمة المنزلية، ليتولى تنظيم وتحديد للحقوق والواجبات، ومنها تحديد ساعات العمل اليومية، وتأمين فترة راحة يومية لا تقل عن ثماني ساعات متواصلة ليلاً، والراحة الأسبوعية لمدة لا تقل عن 24 ساعة متواصلة، والإجازة السنوية لمدة ستة أيام.

أما الحماية المباشرة وردت في قانون العمل، كالقانون البحريني، حيث كفل قانون العمل حماية خجولة للعاملات بالمنازل. وكذلك القانون الليبي، والقانون الموريتاني.

فوفقاً لهذه التشريعات لم يفرق القانون بين العاملة بالخدمة المنزلية وغيرها من العاملات، وبالتالي فهي تستحق ما يستحق من تحديدٍ لساعات العمل والإجازات السنوية والمرضية وغيرها من أحكام تنظم علاقة العاملين بأصحاب العمل.

أما الحماية عبر نظام خاص لعمال المنازل، كالقانون الأردني، القانون التونسي، والقانون الجزائري، والقانون المغربي، والقانون السوداني.

فوفقا لتلك القوانين تكون الإجازات المرضية والسنوية مدفوعة الأجر، فإنه يحق للعامل يوم عطلة أسبوعية يتمّ الاتفاق عليها بينه وبين صاحب المنزل، وفي حال اضطر صاحب المنزل لتشغيل العامل يوم عطلته الأسبوعية فعليه أن يعوضه بيوم آخر؛ كما يحق للعامل إجازة سنوية مدتها أربعة عشر يوماً مدفوعة الأجر وفقا لما يتمّ الاتفاق عليه مع صاحب المنزل، ويجوز الاتفاق على تأجيل هذه الإجازة لنهاية العقد.

لكن رغم من تلك القوانين إلا أنه لازال هناك بعض التجاوزات التي تحدث في حق العاملات وخصوصا المهاجرات منهن، كما الحال في الأردن.

نحو عمل لائق بدون انتهاكات لعاملات المنازل

في تقرير أصدرته منظمة هيومن رايتس عن عاملات المنازل، أشار إلى توثيق الكثير من الانتهاكات التي تصدر تجاه عاملات المنازل على مر السنين، خاصة عندما تعمل هذه العاملات لدى عائلات كبيرة، أو في مناسبات عائلية، أو خلال شهر رمضان. يُسبّب هذا الجهد الزائد الإرهاق والمرض والاكتئاب لكثير منهن، ودفع بعضهن إلى الانتحار.

وحذرت المنظمة على العبء الاضافي الذي قد يلحق بعاملات المنازل أثناء فترة الحظر كإجراءات متبعه في العديد من الدول لمواجهة كورونا، وأفادت المنظمة بأنه على الأرجح قد تزداد طلبات طبخ وتنظيف ورعاية إضافية بما أن عائلات بأكملها تبقى في المنزل طوال اليوم والأطفال لا يذهبون إلى المدارس. القيود المفروضة على مغادرة المنازل تعني أيضا أن أصحاب العمل قد يجبرونهن على العمل يوم إجازتهن القانوني. قد يمنعونهن أيضا من مغادرة المنزل حتى لو سمحت السلطات بذلك.

وتعرف الاتفاقية العمل المنزلي بأنه “العمل المؤدى في أسرة أو أسر أو من أجل أسرة أو أسر، ويشمل مجموعة من المهام بما فيها الطبخ والغسيل والتنظيف والكوي والأعمال المنزلية العامة والاعتناء بالأطفال والمسنين أو ذوي الإعاقة الى جانب الاعتناء بالحديقة وحراسة المنزل وقيادة سيارة الأسرة”.

وتتبنى الاتفاقية عدة مبادئ ومعايير وحقوق أساسية فيما يتعلق بالعمل أسوة بالعمال والعاملات الآخرين خاصة القضاء على جميع أشكال العمل الجبري، والقضاء على عمل الأطفال، والقضاء على التمييز في الاستخدام والمهنة، في حين تعتبر التوصية الخاصة بالاتفاقية ذات طابع غير إلزامي لكنها تتيح التوجيه العملي بشأن تعزيز القوانين والسياسات الوطنية المعنية بالعمل المنزلي، والبرامج الهادفة إلى تطوير العمال المنزليين وتحقيق التوازن بين مسؤوليات العمل والواجبات الحياتية.