يستيقظ الخمسيني أحمد عبدالحليم في الخامسة صباحًا، يستحم ويصلي ويحصل على فطوره، ثم يرتدي زي العمل “بدلة خضراء” ويبدأ رحلة سعي اعتيادية لا تفهمها أسرته.

طقس يومي يشعر صاحبه أنه ذاهب لهيئة ما وظيفة تدر دخلاً يطعم أفواه أسرته، لكن عبدالحليم يجوب شوارع المعادي منذ 20 عامًا بلا عائد حقيقي، أو عقد رسمي، حيث يتحصل على 60 جنيهًا نظير عمله في مهنة التشجير.

“أعمل عامل تشجير تابع لوزارة الزراعة من سنين طويلة وبقبض ملاليم بين 40 و60 جنيه، أرضى بوظيفتي لأني لا أملك غيرها وعمال التشجير أرزقية عايشين على باب الله ومساعدات الناس اللي نشتغل حوالين محلاتها وشركاتها” يتحدث عبد الحليم عن 20 عامًا من المطالبة بحقوق عمال التشجير وتثبيت العمالة المؤقتة.

يقدر عدد عمال التشجير أو ما نطلق عليهم “الجنانينية” في مصر بنحو 52 ألف عامل، يعمل أغلبيتهم بعقود مؤقتة وآخرون بدون عقود لا يزيد أصل راتبهم عن 60 جنيهًا، وهي الأزمة التي يبحث مجلس النواب حلها بين وزارتي الزراعة والمالية، منذ فترة طويلة.

يقدر عدد عمال التشجير أو ما نطلق عليهم “الجنانينية” في مصر بنحو 52 ألف عامل

البرلمان يناقش

وكان الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب، وجه وزير المالية الدكتور محمد معيط، بسرعة حل مشكلة عمال التشجير بوزارة الزراعة، بعدما أثار النائب مصطفى بكري، الأزمة تحت القبة خلال الجلسات الأخيرة من دور الانعقاد الخامس.

وذكر “بكري” إلى أن عدد هؤلاء العمال نحو 20 ألف فرد من خريجي كليات الزراعة وغيرهم ممن لا يحملون الشهادات العليا ويحصلون على راتب يبلغ نحو 40 جنيهًا شهريًا منذ 24 عامًا، ليرد عبد العال ساخرا: “كدا ندخلهم في تكافل وكرامة أحسن، دا مرتبها مش واصل معاش تكافل وكرامة، وهذا مرتب هزيل”.

وطالب “بكري” وزير المالية ورئيس الوزراء بالوفاء بوعودها وإنصاف مؤقتي وزارة الزراعة وعمال التشجير، خاصةً أنهم لا يجدون حلاً مع وزارة الزراعة.

 المالية تفحص المشكلة

ومن جانبه، وعد الدكتور محمد معيط، وزير المالية، أعضاء البرلمان، لإعداد فحص شامل وإيجاد حل لأزمة عمال التشجير ورفع الموضوع إلى رئاسة الوزراء قبل الرد على مجلس النواب بخصوص قرار تعيينهم وتطبيق الحد الأدنى للأجور عليهم.

“انتظرت تعييني 30 عامًا وأنا الآن على المعاش بعد تجاوز الـ 60”.. يتحدث “عبد الصمد” عن رحلته المريرة مع مهنة لا يقدرها المجتمع ولا تنظر إليها الحكومة بعين الاعتبار.

تحصل الستيني على معاش شهري من مشروع تكافل وكرامة التابع لوزارة التضامن الاجتماعي، فلم يعد ينتظر ما لن يأتي من الحكومة بخصوص عمله في تقليم الأشجار بمنطقة الزمالك، الحي المعروف عنه كثرة أشجاره، موجهًا زملائه بالبحث عن مهنة أخرى.

في عام 2011 أصدر وزير الزراعة القرار رقم 702 لسنة 2011 باتخاذ إجراءات تثبيت العمالة المؤقتة

أزمة متجددة

أزمة عمال التشجير التي أعادها مصطفى بكري، إلى السطح من جديدة ليست جديدة، ففي عام 2011 أصدر وزير الزراعة القرار رقم 702 لسنة 2011 باتخاذ إجراءات تثبيت العمالة المؤقتة بالجهات التابعة لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي من العاملين بعقود تدريبية بالإدارة المركزية للتشجير والبيئة والعاملين باليومية، بالإدارة المركزية لفحص واعتماد التقاوي والعاملين بعقود تدريبية بقطاع الشؤون المالية والتنمية الإدارية، وكذا الحالات المماثلة التابعة للوزارة.

كما نصت المادة الثانية من القرار رقم 702 لسنة 2011 الذي أصدره وزير الزراعة، على اتخاذ إجراءات تحرير عقود مكافأة شاملة لهم بعد موافقة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة وإخطار وزارة المالية، لتدبير الاعتمادات المالية المطلوبة لتغطية العقود المذكورة.

وعقد اجتماع في عام 2013 جرى الاتفاق على إلزام وزارة المالية بالتعاقد مع جميع العاملين بالتشجير بعد التنقية على الباب السادس؛ وفقًا للقانون رقم 19 لسنة 2012، أما في عام 2015 أخطر الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة ووزارة الزراعة بما يفيد بتلقي الجهاز قرار موافقة رئيس الوزراء على ما انتهت إليه دراسة تقنين أوضاع العاملين بالتشجير.

لكن اللافت في القضية أنه لا يوجد حصر فعلي لعدد عمال التشجير التابعين لوزارة الزراعة، وهو ما يحبط الجهود البرلمانية في تحريك القضية والضغط على وزارة المالية لتوفيق أوضاعهم الحالية.

وبالنسبة عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب، خالد مشهور، فإن أزمة عمال التشجير تمثل أبرز مثال على ما تعانيه العمالة غير المنتظمة.

وأوضح “مشهور” أن الأزمة تتمثل في تدنى رواتبهم لقيمة تتراوح من 40 لـ 60 جنيها ورغم ذلك يتعاملون وكأنهم موظفين ولهم ساعات عمل وحضور، ولا يتم تحسين أجورهم منذ 24 عاما.

وليس لهؤلاء العمال – وفق مشهور – وزارة تنتهي إليها تبعيتهم، واختلفت الجهات في تبعيتها لأي منها، وهم يعانون من ظروف مالية سيئة للغاية ولابد من تقنين أوضاعهم في أقرب وقت ممكن لأن وضعهم غير آدمي بالمرة وهم ليس لهم عقود من الأساس ويحصلون على رواتب متدنية للغاية، مما يجعلهم يبحثون على مصدر رزق آخر، مشددًا على ضرورة حل أزمة عمال التشجير وكافة العاملين بصفة مؤقتة والذين ليس لهم دخل ثابت خاصة في ظل استمرار جائحة كورونا، وتوفير حماية اجتماعية لهم ولأسرهم.